بإعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطنى الليبية بعد طول انتظار أصبحت هناك إدارة تحظى بتأييد سياسى وعسكرى وشعبى أوسع نطاقاً من حكومة طبرق الشرعية التى انقسم الليبيون بينها وبين حكومة طرابلس غير المعترف بها دولياً فاستغلت الجماعات الإرهابية والمتطرفة حالة الشلل التى أحدثها الانقسام لتوسيع نفوذها وزيادة عدد أفرادها بما يهدد ليس فقط استقرار ليبيا ووحدتها وإنما أيضاً استقرار دول الجوار وأوروبا معاً. ورغم أن الحكومة الجديدة ستواجه عقبات وتحديات صعبة من الجماعات المسلحة الرافضة لها ولاتفاق الصخيرات ومن بعض القوى السياسية التى تريد تشكيل أجهزة الدولة على هواها والجماعات الإرهابية والمتطرفة مثل داعش والقاعدة وأنصار الشريعة الساعية لإقامة إمارة إسلامية وفقاً لتفسير قادتها المتطرف لأحكام الشريعة الإسلامية، إلاَّ أن إبرام الإتفاق وتشكيل الحكومة والدعم الواسع الذى لقيته بالداخل والخارج فرصة قد لا تتكرر للدول الكبرى للتحرك لإعادة الاستقرار إلى ليبيا ووقف تمدد الجماعات المتطرفة فيها قبل أن يفوت الأوان وتتكرر مأساة العراقوسوريا. لقد حذر خبراء أمن من أن تتحول ليبيا إلى قبلة للإرهابيين ومركز لاستقطاب المقاتلين الأجانب نتيجة للفوضى القائمة ولتضييق الخناق على داعش فى سورياوالعراق، وحذروا من امكانية قيامه بإيقاظ خلاياه النائمة إذا واصل سياسيون وعسكريون غربيون تصريحاتهم بشأن تدخل عسكرى غربى محتمل دون أن يحدث ذلك، بينما أكدت تقارير استخبارية غربية أن أكثر من 80 قيادة إرهابية تابعة لداعش والقاعدة يوجدون حالياً فى ليبيا التى يتدفق عليها يومياً متطرفون من نحو عشر دول عربية وأجنبية منها تونس وموريتانا ومالى والنيجر، كما أعلنت الأممالمتحدة أن ليبيا أصبحت احتياطياً بديلاً لداعش عن سوريا وأن عدد أفراده يتراوح بين 2000 و3000 فرد يتمركزون فى سرت،منهم 800 قاتلوا بالعراقوسوريا قبل عودتهم إليها ويسعون لتوسيع نفوذهم، بينما قدّر محمد الدايرى وزير الخارجية فى حكومة عبدالله الثنى عددهم بخمسة آلاف. أشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكى شبَّه داعش بسرطان ينتشر فى الجسم ولا يمكن القضاء عليه إلاّ باستئصاله من كل مكان ينتشر فيه، فهل سيتحرك التحالف الدولى الذى يكافح الإرهاب فى سورياوالعراق لمساندة الحكومة الليبية لتبسط نفوذها وتنجز مهمتها بتهيئة البلد لانتخابات حرة خلال عامين أم يتخاذل هذه المرة أيضاً فتسوء الأوضاع أكثر بتحكم المتطرفين فى مفاصل الدولة وبالسيطرة على حقول ومستودعات البترول وبيعه لحسابهم ليستقطبوا بعائداته أعضاء جدداً ويشتروا المزيد من الأسلحة والمتفجرات لتنفيذ عملياتهم الإرهابية فى دول الجوار وأعضاء التحالف؟. الحكومة الجديدة تحتاج لمساعدات عاجلة بخبراء عسكريين ومدربين لقوات الجيش والشرطة ولرفع الحظر المفروض على استيراد السلاح لتتغلب على الميليشيات المعارضة لهات ولإقناعت الرافضين لاتفاق الصخيرات بتأييده أو التزام الحياد وألاَّ تتعامل كل الدول مع أى طرف ليبى غيرها، فالمساعدة ليست بالضرورة تدخلاً عسكرياً برياً حتى لا يُستفَز الليبيون ويسخط قطاع منهم على الحكومة فينتهز داعش والقاعدة الفرصة وينتشران أكثر وإنما بملاحقة الإرهابيين بالضربات الجوية على أن يتولى الجيش الوطنى بعد تدعيمه وتدريبه وتسليحه مطاردتهم على الأرض بالتعاون مع الشرطة والمخابرات، وتتحقق أيضاً بفرض عقوبات موجعة على السياسيين والعسكريين الرافضين للاتفاق والحكومة وأولئك الذين يحرِّضون على العنف حتى يرضخوا لإرادة الشعب. ويؤكد خبراء أمن مهتمون بالشأن الليبى أن تعزيز قدرات الجيش ورفع الحظر عن تسليحه أفضل من التدخل البرى وحتى من الضربات الجوية قائلين إن تجربة داعش فى سورياوالعراق أكسبته مهارةً فى التعامل مع العمليات العسكرية للتحالف الدولي، حيث بدأ يوزع أفراده على مناطق متعددة بليبيا مستدلين بالعمليات الإرهابية التى نفذها خلال الأيام الأخيرة فى زليتن ومصراته وصبراته والخُمس وموانى تصدير البترول مثل راس لانوف والسدرة رغم تمركزه فى سرت، وقالوا إن الجيش الليبى اكتسب فى المقابل خبرة فى محاربة داعش فى بنغازى ومحاصرته فى درنه بدعم شعبي، بينما سيصعب على التحالف القضاء على الخلايا النائمة بين سكان المدن، يُضاف إلى ذلك تحذير تنظيم القاعدة فرع المغرب الإسلامى دول الغرب من التدخل فى ليبيا ودعوته شباب دول المنطقة للجهاد فى ليبيا ومواجهة التدخل الغربى المحتمل. تهديد القاعدة جاء بعد تقارير عن اقتراب تدخل عسكرى غربى فى ليبيا، حيث أعلنت فرنسا قيام طائراتها باستطلاعات فوق مناطق يسيطر عليها داعش لجمع معلومات عن تحركاته والأهداف المحتمل قصفها، وأعلنت بريطانيا استعدادها لإرسال 1000 جندى غير مقاتل لمساعدة الحكومة الليبية على استعادة الاستقرار والقضاء عليه، ولم تستبعد حكومة ألمانيا نشر قوات هناك بعد أن أصبح يهدد أوروبا، وتحدثت الإدارة الأمريكية عن استراتيجية مرنة جديدة لتقليص قدرات داعش وهزيمته والحد من انتشاره خاصةً داخل ليبيا. تولو كانت دول التحالف استجابت لطلب مصر منذ أكثر من عام أن تشمل مهمته مكافحة الإرهاب فى ليبيا أيضاً لما استفحل خطر داعش وزاد عدد أفراده من نحو 200 وقتها إلى 5000 حالياً، وأصبح القضاء عليه يتطلب جهوداً وتضحيات مضاعفة. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى