منح ميثاق الاممالمتحدة فى المادة -33 - حرية كاملة للدول أطراف النزاع فى اختيار الوسيلة الملائمة لتسوية منازعاتها، فبعد أن عددت هذه المادة بعض الوسائل لفض المنازعات الدولية أشارت إلى إمكانية استخدام وسائل أخرى " يقع عليها اختيارالمتنازعين". وقد تجلى ذلك فى البند العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة والذى ينص على أن : " تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا، إذا لم تنجح الأطراف فى حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول أو رؤساء الحكومة". هكذا يرى الدكتور أيمن سلامة استاذ القانون الدولى قائلا : لقد لبت المفاوضات - بطبيعتها - وفى أغلب الحالات الحاجة إلى تسوية فورية ومرنة للمنازعات الدولية, وتظهر مرونة المفاوضات، التى لاتتوافر فى الوسائل القضائية ، فى إمكانية تقسيم موضوع النزاع إلى عدة مسائل منفصلة، إذا سمحت طبيعة النزاع بذلك, سواء تمت هذه الإجراءات المنفصلة فى وقت متزامن أم متتابع, ومن مظاهر المرونة كذلك, حرية اختيار الأشخاص الذين يعتقد أطراف النزاع أنهم أقدر الأشخاص، وأكثرهم ملاءمة لتسوية النزاع, ومن مظاهر المرونة كذلك إمكانية التشكيل المتنوع , إذ يمكن أن يشارك السياسيون إلى جانب الخبراء ورجال القانون المختصين, خاصة متى تعلق الأمر بمنازعات ذات طابع تقنى خالص, وما المفاوضات السداسية بين مصر وإثيوبيا والسودان إلا دليل دامغ على صدق ذلك، وتتميز المفاوضات عن الوسائل القضائية فى حل النزاعات بأن الأولى تتعامل مع الأسباب الحقيقية للنزاع ومختلف جوانبه, خلافا للوسائل القضائية التى تركز فقط على المسائل القانونية المباشرة المعروضة عليها، إن الوسائل الدبلوماسية لاتتطلب إجراءات طويلة ومعقدة كتلك التى يتطلبها استخدام الوسائل القضائية, ابتداء من رفع الدعوى وكيفية إدارة المرافعات الكتابية والشفوية, والمدة اللازمة لتقديم المذكرات, والمذكرات الجوابية, والمداولات, وكتابة الآراء الانفرادية من أجل إصدار حكم قد يكون بعدم الاختصاص أو بعدم قبول الدعوى بعد فترة قد تصل إلى عدة سنوات. الدول تفضلها دبلوماسية . إن الدول تفضل غالبا الوسائل الدبلوماسية غير القضائية، وخاصة المفاوضات الدبلوماسية تحديدا لتسوية نزاعاتها الدولية متضمنة تلك النزاعات القانونية, مثل الحالة المصرية الإثيوبية, بل إن هناك العديد من الدول التى أدرجت تحفظاتها فى تصريحاتها، التى قبلت بمقتضاها ولاية محكمة العدل الدولية, حيث استبعدت المنازعات التى اتفق أطراف النزاع على اللجوء بشأنها إلى وسائل أخرى من وسائل التسوية السلمية، من نطاق ولاية محكمة العدل الدولية, فوفقا لهذه التحفظات فإن ولاية المحكمة تتقيد بالنزاعات "التى لم تسو بطريقة مرضية بالدبلوماسية"، إن الممارسة تؤكد ندرة الحالات التى يلجأ فيها إلى محكمة دولية قبل حدوث المفاوضات الدبلوماسية, إلا أنه لايمكن الجزم بأن اللجوء المسبق إلى المفاوضات الدبلوماسية يعد قاعدة عرفية أو مبدأ عاما للقانون الدولي، إن الإشارة إلى المفاوضات الدبلوماسية أولا فى المادة 33 من ميثاق منظمة الأممالمتحدة، لاتعنى بالضرورة وجوب اللجوء إليها قبل الوسائل الأخرى. فلا تقيم هذه المادة فى الحقيقة تدرجا بين تلك الوسائل, فالمفاوضات واللجوء إلى التسوية القضائية بواسطة محكمة العدل الدولية، قد تمت فى العديد من القضايا على قدم المساواة, ولقد ظهر ذلك فى العديد من القضايا أمام المحكمة, منها المتعلقة بمحاكمة أسرى الحرب الباكستانيين, حيث أوقفت الإجراءات القضائية عندما أدت المفاوضات إلى تسوية النزاع، وبناء على ذلك فإن واقعة وجود مفاوضات جارية بفعالية أثناء نظر المحكمة فى القضية، لايشكل من الناحية القانونية حاجزا أمام ممارسة المحكمة لوظيفتها القضائية، إن أحد أهم العيوب التى تجعل الدول دوما تتردد فى اللجوء إلى الوسائل القضائية، لتسوية النزاعات الدولية سواء القضاء الدولى أو التحكيم الدولي, هى الإجراءات المعقدة والوقت الطويل المستهلك الذى تستغرقه عملية التقاضي, والذى من الممكن أن يصل إلى عدة سنوات, فلقد قدر أحد قضاة محكمة العدل الدولية متوسط المدة اللازمة للفصل فى القضايا ب 550 يوما. لقد رفضت محكمة العدل الدولية سنة 1964 الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بالنظر فى قضية برشلونة. ولكنها قبلت فى عام 1970 - بعد مرور 6 سنوات- الدفع بعدم قبول الدعوى. وبذلك لم تتمكن المحكمة من الفصل فى موضوع النزاع وبقى عالقا أمامها لسنوات عديدة. وختاما، ان اتفاقية اعلان المبادئ لسد النهضة، تعد القانون الخاص للدول الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، ومن ثم فلا يجوز لأي من هذه الدول، التشبث بوسائل أخري لتسوية النزاعات بينها، الا بتعديل نص البند العاشر من الاتفاقية.