خمس سنوات مرت علي مصر اختلط فيها الحابل بالنابل وقفزت سلوكيات سلبية وتلاشت ايجابيات كثيرة لدرجة دفعت بكثير من المصريين إلي الاعتقاد بأننا قد فقدنا البوصلة الاجتماعية التي كانت تميز الشعب المصري عن بقية الشعوب العربية والإسلامية الاخري. وأصبح الجميع يطنطن ليل نهار بحب الوطن وأنهم فداء لترابه الطاهر و علي أتم الاستعداد للاستماتة من اجله بينما الواقع الراهن يؤكد عكس ذلك تماما حالة من الغليان واليأس والحيرة تغلف المشهد الراهن بكل تفاصيله الدقيقة والمعقدة. الأهرام حاولت قراءة المشهد الراهن وفك طلاسمه مع الدكتورة رحاب العوضي أستاذة الصحة النفسية من زاوية اجتماعية عبر تجميع عناصره المبعثرة ووضعها في انساق اجتماعية نفسية للوقوف علي أهم النقاط الكاشفة لمسبباته. ........................................................................... تبدأ الدكتورة رحاب العوضي من نقطة أساسية تؤكد من خلالها إن العشق الصافي لا يكون إلا للوطن وهو مازال يتعافي حتي الآن رغم وجود سلبيات وفساد إلا أن البعض لا يرغب له في الشفاء ونجد بعض الإعلاميين يصرون علي الترزق والتربح بتهويل المشاكل وتصدير رياح الكراهية للمشاهدين إن التجريح في الثورة وذكراها لن يفيد الوطن وأيضا التهويل والمغالاة في الفرح لن يصب في مصلحته وليعلم الجميع أن ذكري يناير هي نفس ذكري استشهاد رجال الشرطة بالإسماعيلية عندما اختاروا الشهادة بإرادتهم الحرة ورفضوا الاستسلام لذا فليس من مصلحة احد المزايدة علي وطنية المصريين ويكفي هذا القدر من الجدال والتخوين والاستهزاء لتكن حياتنا في سبيل الوطن نعمل من اجله ونجتهد بكل ما أوتينا من علم وقوة كي نصل به الي بر الأمان لتكن جل أمانينا أن نترك لأبنائنا وأحفادنا وطنا مستقرا ومزدهرا بدلا من أن ترك لهم تراث وذكريات من كلام. وتضيف الدكتورة رحاب العوضي الملمح الرئيسي في المشهد المصري الراهن إننا قد فقدنا ابسط السلوكيات الإنسانية الأساسية بسبب حالة التجريف الممنهج للأخلاق المصرية والتي يرجع السبب فيها لتلك القيم السلبية التي صدرت الي المجتمع من الإعلام والفن والسياسية والمحصلة انخفاض حاد في معدلات الإنسانية بين طبقات الشعب وإحجام شبه تام عن مد يد العون بين أفراده,لذا فتجربه الفنانين اشرف عبد الباقي ومحمد صبحي وهاني شاكر تعد نماذج مشرفة في عالم الفن لأنها اعتمدت في جوهرها علي إقرار مبدأ الإنسانية الغائب من خلال مد يد العون ونقل الخبرات وإتاحة الفرصة للأجيال الصاعدة كي تجد لها موطئ قدم وسط حالة الفوضي وإهدار الفرص. الدين أفيون الشعوب من ناحية أخري أري أن ثمة جملة مكونة من ثلاث كلمات قد لوثت الوعي الديني والإنساني لكثير من شباب المجتمع العربي والإسلامي هي الدين أفيون الشعوب وللأسف فبعض رجال الدين كانوا وقودا لها عندما اخطأوا بإصرارهم الدائم علي إعلاء قيم حور العين والترهيب والتخويف من أخطار وأضرار ومثالب اجتماع الرجل بالمرأة والتأكيد الدائم والمبالغ فيه من أن صوت المرأة عورة ونسي البعض منهم بقصد أو بغير قصد أن احدي وظائف الدين انه جاء لتهذيب الأخلاق والشهوات من الممارسات الشاذة والمغلوطة وانه لم يأت أبدا لإعلاء تلك القيم أمر آخر ساهم في ترسيخ هذه الصورة تلك المسالك الاجتماعية التي انتهجها بعض رجال الدين والتي ظهرت في الترف والرفاهية والرخاء الذي يعيشون فيه والزواج من أربع نساء بدعوي سترهن وحفظهن من الانحراف وتغافلوا أن هناك شبابا كثر لا يستطيعون الزواج من واحدة وان العمر يتقدم بهم وهم يشعرون بأنهم عاجزون مما جعلهم يسقطون في فخ الانفصام الديني والانسلاخ المجتمعي فلو أن رجال الدين قد قاموا بدورهم المنوط بهم علي النحو الأمثل من زرع بذور المودة والإخاء والتراحم ما كنا نجد بيننا الملحدين والغاضبين والتائهين. انهيار أخلاق المصريين لقد شهدت آخر10 سنوات انهيارا شبه حاد في منحني أخلاق الشعب المصري تمثل في استباحه أموال الغير وغياب التفكير بمعني تكرار نفس الأخطاء وانتشار العلاقات الخاصة بنسبة وصلت إلي70% وتفشي الشذوذ الجنسي بنسبة قدرت ب15% بسبب التقليد الاعمي لكل ما يرد وينقل من شبكة الانترنت دعم هذا الانهيار إطار مجتمعي عام من الفراغ والبطالة وانتشار الغني الفاحش. وإذا أمعنا النظر في تفاصيل الواقع الراهن سنكتشف بسهولة أن الخمس سنوات الأخيرة قد ألحقت بالمجتمع قدرا هائلا من التشويه والتلطيخ والتلويث لمفردات وثوابت المجتمع المصري عبر ما قدمته الدراما المصرية من مسلسلات وبرامج خلال شهر رمضان حيث نجحت في تكريس فكرة تعاطي المخدرات بأنواعها بين فئات المجتمع وشرب الخمور والانخراط في علاقات مشبوهة بدعوي الحرية والخصوصية والنتيجة أن تلك المسلسلات نجحت بامتياز في تقريب تلك المضامين السلبية والسيئة من نفوس المجتمع بدلا من التنفير منها. السبكي بريء وإذا كان الشئ بالشئ يذكر فانا هنا من منبر الأهرام لا اتهم بعض شركات الانتاج بإفساد الحياة الاجتماعية والدينية للمجتمع المصري والسبب من وجهه نظري أن هناك كثيرين قد قاموا بإنتاج برامج وأفلام سيئه بل وتعمدوا إظهار المناطق الشعبية في أقذر وأحقر صورة وقبل أن نحاسب هؤلاء علينا أولا مراجعه الدور الأساسي لوزارات الثقافة والتربية والتعليم والشباب والرياضة في المجتمع والي أي مدي قد قامت بتحقيق ولو الحد الادني من رسالتهما تجاه طبقات المجتمع المختلفة,وفي رأيي أن الأب والأم هما الجنانبين الحقيقيين في هذه المسالة لان شخصية الطفل تتكون خلال سنوات الست الأولي من عمرة ثم تأتي مرحلة التربية وغرس الأخلاقيات والتدين في سن الثانية عشرة. والأصل في القضية أن أرباب الأسر ينشئون أبناءهم علي الأخلاق لا علي تركهم في الطرقات والشوارع, فالأبناء محتاجون الي التربية علي نظافة الاختيار والمشاهدة والمعاملة مع الحياة. تلويث الوعي الجنسي تشير الدكتورة رحاب العوضي الي تفصيلة أخري شكلت جزءا من الواقع الحالي تجلت في قيام بعض رجال الدين بتلويث الوعي الجنسي لدي الرجال والشباب بإعلائهم من قيمه الجنس والانتصارات الجنسية الوهمية والنظر الي المرأة علي أنها سلعة وبالتالي فدورها الأساسي هو المتعة وهم بذلك لا يعلمون أنهم يسحقون نصف المجتمع ويعودون به إلي الوراء مئات من السنين المظلمة ويشوهون مئات من السنين المقبلة فكيف لنساء بهذه الصورة والمضمون أن ننتظر منهن أجيالا من الرجال والنساء الشرفاء؟ وليس معني ذلك ان المرأة لا تحتاج الي الرجل بالعكس الرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة قائمه علي الاحترام والتقدير وإعلاء كل منهما للآخر بالحب والمودة والرحمة بهذا المعني وذاك المضمون نستطيع أن ننشئ أجيالا من الذكور والإناث نرتكز عليهم في بناء الوطن وصيانة مقدراته وعلي ما تقدم فأنني أري انه ليس من قبيل المصادفة ان ينهار الفن والتعليم والصناعة والسياسة بدون قصد او نية لان المرحلة التالية لانهيار تلك المؤسسات هي مرحلة التوحش أي شيوع وتفشي شريعة الغاب كأسلوب حياة بسبب التجريف المتعمد وغير المباشر للمبادئ الإنسانية للشعب المصري ذلك ان الانهيار الأخلاقي والسلوكي يرافقه انهيار فكري وهو ما يفسر لنا كيف قبلت وسائل الإعلام المرئي استضافه المجاهرين بالإلحاد والشذوذ وأصحاب الأفكار المغلوطة والملتوية. الطلاق ليس مؤشرا وتوضح الدكتورة رحاب العوضي أستاذة الصحة النفسية أن ارتفاع معدلات الطلاق لا يعد مؤشرا علي انهيار المجتمع بل مؤشرا واضحا علي أن المجتمع قد اغفل إعلاء قيمه وشان الاستقرار والإخلاص في العلاقات الإنسانية وتربية الأجيال علي تحمل المسئولية وأري أن المؤشرات الحقيقية علي انهيار الأخلاق في المجتمع المصري تتمثل في انتشار القمامة في كل مكان وتعايش المجتمع مع هذه الظاهرة بسلبية ولا مبالاة وانهيار المستوي التعليمي والثقافي وغياب روح التعاون بين طبقات المجتمع وقبل كل ذلك سلبية وتحجر بعض المسئولين في المواقع الجماهيرية أو التي تتطلب تعاملا مباشرا معهم وتفشي الرشوة علي نطاقات واسعة حتي وصلت إلي ابسط المعاملات وظهور اللغة العدوانية والسلوك الخشن بين أفراد المجتمع اللذين يقفزان ليتصدرا المشهد لأتفه الأسباب.