فى الوقت الذى تحتل الصين فيه صدارة التجارة الخارجية على مستوى العالم، بدأت التجارة الإلكترونية تجنى ثمارا متعاظمة فى البلاد، حيث أضفت قوة دافعة على الاقتصاد المحلى الذى تباطأت وتيرة نموه بالنسوات الأخيرة. وفى ظل اهتمام الصين ومصر بتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، ستستقبل الدولتان تعاونا عمليا فى التجارة الإلكترونية، خصوصا بالنسبة إلى مصر التى قد تستفيد من الخبرات الصينية الكبيرة فى هذا المجال. ازدهار ومساهمة التجارة الإلكترونية فى الصين اليوم يمر قطاع التجارة الالكترونية فى الصين بفترة ذهبية حيث ظل يحافظ على نمو سنوى مزدوج الرقم فى الأعوام العشرة الماضية، فبعد أن سجلت قيمة التجارة الإلكترونية المحلية 929.3 مليار يوان (143 مليار دولار امريكي) فى 2004، قد قفزت هذه القيمة إلى ما يربو على 13.37 تريليون يوان فى 2014 بزيادة أكثر من 13 مرة عن العام 2004. ومن المتوقع أن يسجل هذا القطاع 18 تريليون يوان من قيمة التجارة فى 2015. رغم أنه لاتزال الأعمال بين المؤسسات (B2B) تمثل أعلى نسبة فى قطاع التجارة الالكترونية الصيني، إلا أن البيع الالكترونى بالتجزئة تشكل حصة أكبر فأكبر فى القطاع. فعلى سبيل المثال، ازدادت نسبة البيع بالتجزئة الى التجارة الالكترونية الى 21% فى 2014 مقابل نحو 75% لقيمة الأعمال بين المؤسسات. واليوم لا تحتل الصين صدارة التجارة الخارجية العالمية فقط، بل أضحت أكبر سوق للبيع الإلكترونى بالتجزئة فى العالم، حيث صرف المستهلكون المحليون نحو 2.8 تريليون يوان للشراء عبر شبكة الانترنت فى 2014. وأظهر المستهلكون الصينيون حماسة أكبر بشأن الشراء الالكترونى فى عام 2015، إذ صرفوا 91.2 مليار يوان فى شراء المنتجات المتنوعة عبر المنصة الالكترونية التى تقدمها شركة "على بابا" العملاقة التى تعد شركة خاصة رائدة فى التجارة الإلكترونية بالصين. وبذلك سجلوا الصينيون رقما قياسيا علما بأنهم أنفقوا ذلك المبلغ الضخم من الأموال فى فترة مهرجان الشراء الإلكترونى السنوى الصينى الذى يدوم يوما واحدا فقط. من الواضح أن التجارة الإلكترونية أصبحت قوة لا تستغنى عنها بالنسبة إلى الاقتصاد الصينى الذى يعلق أمالا أكبر على تحفيز الاستهلاك المحلي. ففى العام 2014، تجاوزت نسبة قيمة التجارة الإلكترونية إلى إجمالى حجم الاقتصاد الصينى البالغ 63.6 تريليون يوان 20 فى المائة. علاوة على ذلك، قدم قطاع التجارة الإلكترونية مساهمة بارزة لسوق العمل فى الصين، حيث خلق القطاع ما يزيد عن 18 مليونا من فرص العمل بشكل غير مباشر حتى يونيو 2015، حسب مركز البحوث الصينى للتجارة الإلكترونية. كما قدمت التجارة الإلكترونية مساهمة مميزة للريف الصيني، علما بأن الدولة تحتضن الآن مئات قرية تختص فى التجارة الإلكترونية وازداد الدخل السنوى لبعض القرويين مليون يوان. وفى تطور آخر، كما طرأت تغيرات كبيرة على أسلوب الحياة لعدد متزايد من الصينيين بفضل ازدهار التجارة الإلكترونية التى قد تغلغلت إلى جميع جوانب حياتهم مثل الطعام واللباس والمسكن والمواصلات، حيث يفضل كثير منهم شراء الاحتياجات اليومية أو طلب الخدمات بواسطة أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة وهم يجلسون ويتمتعون بالموسيقى فى البيت. كما نجحت التجارة الإلكترونية فى تحرير كثير من الرجال الصينيين من الشراء المتعب، حيث لا داعيا لهم لمرافقة زوجاتهم إلى المحلات التجارية لشراء الملابس ومستحضرات التجميل والأشياء الأخرى، بعدما أصبحت النساء الصينيات شغوفات بالشراء الإلكتروني. ولكن على الرجال كسب أموال أكثر لتلبية شهية النساء المتنامية فى الشراء عبر الإنترنت. الخبرات الصينية الناجحة فى مجال التجارة الإلكترونية لم يتحقق نجاح التجارة الإلكترونية الصينية صدفة، بل يعود سبب هذا النجاح إلى عوامل عديدة ويجسد المجهودات الصينية الدؤوبة. أولا: خلقت الصين ظروفا مواتية ورخوة للمؤسسات فى مجال الإنترنت. فمنذ إقامة أول شركة على شبكة الإنترنت فى الصين عام 1995، ظلت الحكومة الصينية تعطى حرية كافية لنمو هذا النوع من الشركات. وعلى ضوء هذا، ظهرت فى هذا المجال مجموعة من الشركات الرائدة. الجدير بالذكر أن معظم الشركات الممتازة فى قطاع الإنترنت الصينى من الشركات الخاصة مثل شركة "على بابا" المسجلة فى البورصة الأمريكية، وشركة تينسينت وشركة بايدو، التى تعد جوجل الصيني. وتهتم هذه الشركات الخاصة بالإبداع اهتماما أكبر مما يؤدى إلى ازدهار التجارة الإلكترونية فى البلاد. ثانيا: حققت الصين تقدما ملحوظا فى بناء شبكة الإنترنت ما يقدم ضمانا تكنولوجيا لازدهار التجارة الإلكترونية. فحتى يوليو 2015، بلغ عدد مستخدمى الإنترنت فى الصين 668 مليون شخص ليحتل المركز الأول فى العالم. و594 مليون شخص منهم يستخدمون الهواتف المحمولة لتصفح الإنرتنت. وفى سياق آخر، تغطى شبكة الإنرتنت السريع جميع المدن والبلدات و94% من القرى فى عموم البلاد. ومن أجل تعزيز بناء شبكة الإنترنت السريع، استثمرت الصين 430 مليار يوان فى 2015. وستضخ 700 مليار يوان على الأقل فى هذا الصدد فى عامى 2016 و2017. وفى تطور آخر، تم إدراج 4 شركات صينية إلى قائمة أكبر 10 شركات عالمية فى مجال الإنترنت. وتم تسجيل 328 شركة فى البورصات المحلية والخارجية، وتم تسجيل 61 شركة من ذلك فى البورصات الامريكية. ثالثا، شهدت الصين تطورا سريعا فى المنشآت الأساسية مثل الطرق وسكك الحديد مما يعزز المستوى اللوجستى كثيرا. ومن المتوقع أن يبلغ طول الطرق 4.56 مليون كيلومتر فى الصين بما فيها 120 ألف كيلومتر للطرق السريعة حتى نهاية 2015، ليحتل صدارة العالم. أما الخطوط الحديدية، فمن المتوقع أن يصل طولها إلى 120 ألف كيلومتر حتى نهاية 2015. وستصب الصين 3.5 تريليون يوان فى بناء سكك الحديد فى غضون الأعوام الخمسة المقبلة لرفع طول الخطوط الحديدية إلى 150 ألف كيلومتر بحلول 2020 ومن ذلك 30 ألف كليومتر لسكك الحديد فائقة السرعة. الفرص التجارية لمصر والاقتراحات لها لتنمية التجارة الإلكترونية تجلب التجارة الإلكترونية المزدهرة فى الصين خاصة حماسة الصينيين فى الشراء الإلكترونى فرصا تجارية كبيرة للدول الأخرى، حيث أظهر الصينيون إقبالا كبيرا لبعض المنتجات الخارجية وبالأخص مسحوق الحليب من أستراليا ونيوزيلندا والدول الأخرى. ومع تدفق مزيد من الصينيين إلى مصر فى السنوات الأخيرة، أصبحت بعض المنتجات المصرية رائجة فى الصين حيث يبادر بعض الصينيين إلى شراء مستحضرات التجميل فى مصر بالوكالة، ليبيعوها فى المحلات الإلكترونية فى الصين. وتماشيا مع قيام الصين بتنفيذ استراتيجية شبكة الإنترنت بلس بهدف دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الإنترنت، ستجد بعض المنتجات المصرية إقبالا أكبر فى السوق الصيني. لذلك بإمكان رجال الأعمال المصريين تعزيز التنسيق والتعاون مع نظرائهم الصينيين لتصدير مزيد من المنتجات والخدمات المحلية إلى الصين. وكما على مصر إعارة اهتمام أكبر لتنمية التجارة الإلكترونية المحلية من خلال بذل مزيد من المجهودات فى بناء منشآت الإنترنت والمواصلات. وفى هذا الصدد، بإمكان مصر تعزيز التعاون مع الصين، نظرا للخبرات الوفيرة للأخير فضلا عن جذب الاستثمارات الصينية.