بدا الرئيس فلاديمير بوتين فى حواره مع صحيفة «بيلد» الألمانية وكأنه يستبق خطاب نظيره الأمريكى باراك اوباما عن حالة الاتحاد . فند بوتين الكثير من تصريحات اوباما على نحو بدا معه وكأنه فى مناظرة غير مباشرة بين الرئيسين، حول الكثير من قضايا العلاقات الثنائية والاقليمية والعالمية. ولم يكن بوتين ليفوٍت هذه الفرصة دون فضح الكثير من الادعاءات والمزاعم وكذلك الخطط التى استهدفت تخريب الشرق الأوسط مشيرا إلى أهمية ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسى لانقاذ مصر من مصير مشابه لليبيا وسوريا حسب ما قاله الرئيس الروسى. كان الحديث الذى أدلى به بوتين الى صحيفة «بيلد» الألمانية تاليا لسلسلة من التصريحات التى أدلى بها نظيره الأمريكى باراك أوباما فى محاولة من جانبه للتقليل من شأن روسيا كدولة عظمي، ومن دورها المؤثر والمحورى لحل القضايا الاقليمية والعالمية. وكانت اجابات بوتين وتفنيده لهذه التصريحات، مقدمة اخرى لما اضطر الرئيس الامريكى لاحقا الى العودة اليه فى خطاب حالة الاتحاد الذى ألقاه فى الكونجرس، على نحو بدا معه وكأنه يحاول الرد على ما قاله بوتين فى حديثه مع الصحيفة الألمانية. ومع ذلك فلم يمض من الزمن الكثير حتى بادر أوباما بالاتصال بنظيره الروسى ليبحث معه عددا من قضايا المنطقة والعالم وفى مقدمتها الأزمة السورية والمشكلة الأوكرانية والأوضاع فى شبه الجزيرة الكورية إلى جانب قضية الإرهاب و«داعش»، دون ان يرى فى ذلك دليلا على عدم صحة ما قاله بحق روسيا ك«دولة اقليمية»، وما سبق وبذله من محاولات لفرض العزلة على روسيا وابعادها عن القرار الدولي. فماذا قال بوتين فى حديثه الى الصحيفة الالمانية ؟ فى هذا الحديث انتقد الرئيس بوتين ما قاله نظيره الأمريكى باراك أوباما حول ان “روسيا دولة اقليمية”، مشيرا الي أنه لا يتفق مع مثل هذا الطرح بنفس القدر الذى لا يتفق فيه مع ما قاله اوباما حول «تميز الأمة الأمريكية». ومضى ليقول انه “إذا كان هناك من يتحدث عن روسيا بوصفها”دولة إقليمية” فعليه أن يحدد أولا ما هو “الإقليم” الذى يقصده . هل هو الجزء الأوروبى من روسيا؟ أو الجزء الشرقى من الاراضى الروسية الذى يتاخم اليابان وألاسكا الأمريكية والصين؟ أو الجزء الجنوبي؟ أو الشمال، حيث تتاخم الأراضى الروسية كندا عبر المحيط المتجمد الشمالي؟”. ومع ذلك فقد نفى بوتين أن تكون لروسيا أى طموحات فى أن تقوم بدور أعظم دولة فى العالم، قائلا: «إن مثل هذه الطموحات أمر باهظ الثمن ولا داعى له». ولعل ذلك قد يكون وراء عودة الرئيس الامريكى فى خطابه حول حالة الاتحاد الى محاولات تأكيد فرادة مواقع بلاده فى الساحة العالمية بوصفها الدولة الاقوى عسكريا وسياسيا واقتصاديا وانها الملاذ لكل ذى حاجة او مشكلة، وكأنه يريد ان يثبت لنظيره الروسى عدم صحة ما قاله فى حديثه الى «بيلد» الالمانية. وكان بوتين حمل فى هذا الحديث على تدخل واشنطن فى الشئون الاوروبية والوقوف وراء توسع الناتو شرقا ومحاولة فرض هيمنتها على العالم، فى نفس الوقت الذى اعاد فيه الى الاذهان ما بذلته موسكو من جهد فى الساحة الدولية لحل الكثير من القضايا الاقليمية والعالمية. على ان ذلك لم يمنع ايضا من الاعتراف بخطأ موسكو حين تنازلت طوعا عن الكثير من مواقعها قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. وفى هذا الصدد قال بوتين “أن روسيا أخطأت حين لم تعلن عن مصالحها القومية منذ ربع قرن، ولو فعلت ذلك آنذاك فلربما كان العالم اليوم أكثر توازنا. وأكد بوتين «أن الإرهاب الدولى استخدم ضد روسيا دون أن يعير البعض الأمر اهتماما، بينما أيد البعض الآخر القوى المعادية للدولة الروسية بدعم سياسى وإعلامى ومالى وحتى بالدعم العسكري». وكان بوتين قد كشف فى حديث سابق عن ابعاد المخططات الغربية التى استهدفت فى تسعينيات القرن الماضى انتزاع القوقاز وتقسيم روسيا. واعاد الى الاذهان ما سبق واعلنته مصادر قريبة من الادارة الامريكية عن ان الوقت اكثر من مناسب للاستيلاء على منطقة شمال القوقاز، وانه اذا لم يتحقق ذلك فى تلك الفترة تحديدا، فانه لن يتحقق ابدا. ولعل الكثيرين يذكرون الكتاب الذى اصدره فى حينه بريجيزينسكى مستشار الامن القومى الامريكى الاسبق تحت عنوان «لعبة الشطرنج الكبري» وتناول طموحات الولاياتالمتحدة ومحاولاتها تقسيم المنطقة ومنها شمال القوقاز. وحول مدى احتمالات منح الأسد اللجوء السياسى فى روسيا وهو الذى اقدم على قتل الآلاف من ابناء شعبه فى حال فشله فى الانتخابات المرتقبة، حسب قول الصحفيين الالمان، قال بوتين «ان بحث هذا الأمر سابق لأوانه، وان روسيا منحت اللجوء لسنودون (عميل المخابرات المركزية السابق الذى لجا الى روسيا) وكان هذا أصعب من توفير اللجوء للأسد، لكن لابد أولا من تمكين الشعب السورى من الإعراب عن موقفه. وقال «ان الأسد قد لا يكون بحاجة إلى مغادرة بلاده اذا جرت العملية الانتخابية بطريقة ديموقراطية، سواء اصبح رئيسا أو لم يصبح». اما عن مسئولية الاسد تجاه قتل شعبه قال بوتين «ان الاسد لا يسعى إلى القضاء على شعبه، بل يحارب أولئك الذين وصلوا إلى أراضى بلاده حاملين السلاح، أما المسئولية عن معاناة المدنيين الأبرياء بسبب هذا النزاع فيتحملها بالدرجة الأولى هؤلاء الأشخاص ومن يساعد المجموعات المسلحة. لكننى قلت إن هذا الأمر لا يعنى أن كل شيء هناك على ما يرام والجميع على حق». وكشف الرئيس بوتين عن انه قال للرئيس الاسد «إن مصر كان يمكن ان تشهد ما شهدته ليبيا لولا تحمل السيسى المسؤولية وابدى ضروب الشجاعة وبسط سيطرته على الأوضاع فى البلاد»، وهو ما سبق وأكده فى اكثر من مناسبة. وكشف الرئيس الروسى ولاول مرة ايضا عن ان بلاده لا تساعد الحكومة السورية ونظام الاسد وحسب فى سوريا، بل وتقدم الدعم ايضا للمعارضة السورية المسلحة التى تقوم بمكافحة «داعش». وعاد ليؤكد :«اننا ندعم كلا من جيش الأسد والمعارضة المسلحة، وقد اعترف بعضهم بهذا الأمر علانية، وان كان هناك آخرون منهم يفضلون الصمت، لكن العمل يجرى على قدم وساق». وفيما اعترف بوتين بان الأسد ارتكب العديد من الأخطاء خلال الصراع فى بلاده، قال بضرورة اجراء الاصلاحات الدستورية فى سوريا. . واعاد بوتين الى اذهان سامعيه مواقف بلاده من سبل حل الازمة الاوكرانية فى اطار اتفاقيات مينسك التى جرى التوصل اليها مع نظرائه من فرنسا والمانيا واوكرانيا فى العام الماضى ، الى جانب شرحه لملابسات انضمام القرم الى روسيا من منظور مراعاة مصائر مليونين ونصف المليون نسمة من سكان شبه الجزيرة وليس من منظور تغيير الحدود، وهو ما تناولته «الاهرام» فى اكثر من تقرير من موسكو.