تتعرض دول العالم منذ بضع سنوات لموجة تفكيك وتفتيت بدأت على المستوى الفكرى النظرى ثم تحولت إلى المرحلة العملية التنفيذية. ويبدو أن الولاياتالمتحدة التى كان لها السبق فى تطبيق عمليات تفكيك الدول والأقاليم تتعرض حاليا لتحرك "مسلح" يهدد تماسك البلاد مما ينذر بعواقب قد تصل إلى حد التفكيك! فقد أقدمت عناصر مسلحة على إقتحام مبنى "مالور" غير المأهول والتابع لسلطة حماية الحياة البرية فى مقاطعة هارنى بولاية أوريجون الأمريكية وسيطرت عليه مساء السبت 2 يناير 2016 فى تحد للسلطات بشأن نزاع على استغلال أراض تابعة للسلطة الفيدرالية. وجاء الاقتحام الذى بدأ عقب مسيرة فى بيرنز، وهى مدينة صغيرة تقع على بعد 80 كيلومترا من محمية ماهور الوطنية للحياة البرية، احتجاجا على سجن اثنين من مربى الماشية، دوايت هاموند (73 عاما) ونجله ستيفن (46 عاما)، اللذين أدينا بحرق أراض فيدرالية عام 2012وتسببا فى حرائق بالغابات ونالا حكما مخففا فى بادئ الأمر، إلا أن قاضيا آخر قرر إعادة محاكمتهما وقضى بحبسهما خمس سنوات. وكان من المقرر أن تبدأ فترة سجنهما يوم 4يناير الحالى. وقال الأب ونجله إنهما أشعلا النيران للحد من نمو الأنواع الدخيلة وحماية أراضيهم من حرائق الغابات. وقد أغضبت هذه القضية نشطاء اليمين الذين يشعرون بالاستياء من تدخل الحكومة. وقال مسئول محلى إن عددا غير محدد من المحتجين (15 إلى 150 شخصا) يحتلون مقر المحمية فى برينستون مشيرا إلى ان المبنى عند إقتحامه وإحتلاله كان خاليا من الموظفين. وقال امون باندى وهو احد زعماء مجموعة "مواطنون من أجل الحرية الدستورية" التى احتلت المبنى فى مكالمة هاتفية أجراها مع الشبكات الإخبارية "نرغب من الحكومة أن تلتزم بالدستور..وأن تلتزم بالقوانين" مضيفا انه يرغب فى مساعدة السكان المحليين على المطالبة بحقوقهم المدنية، موضحا أن محمية الحياة البرية الحكومية قد توسعت على حساب أصحاب المزارع وعمال المناجم. وقال إنهم احتلوا المبنى فى محاولة "لاستعادة الدستور والدفاع عنه" بعد ما وصفوه بأنه انتهاكات من جانب السلطات الفيدرالية مؤكدا أن المحتلين المسلحين سيدافعون عن أنفسهم لسنوات إذا تمت مواجهتهم بالقوة! ولباندى ثأر سابق مع السلطات، فقد سبق وأن تورط والده كليفن فى مواجهة مع الحكومة بشأن حقوق رعاية الماشية عام 2014. وتبلغ مساحة المحمية موضوع النزاع نحو 75628 هكتارا وأقامها الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت عام 1908. وتضم مجمعا يشمل مركزا للزوار ومتحفا. وعلقت صحيفة "واشنطن بوست" بأن هذا الاحتلال من جانب المحتجين المسلحين الذين أطلق عليهم ميليشيا "باندى" نسبة إلى الأشقاء أمون وراين وكليفن باندى الذين يقودون هذه الحركة، غير قانونى وبلا هدف. ووصفتهم وأتباعهم بأنهم مخترقو القانون، وأن تلك العائلة قد تجاوزت الخط الفاصل بين العصيان المدنى والعمل المسلح الخطير المعادى للحكومة. وأكد قائد شرطة مقاطعة هارنى، ديفيد وارد، بأن الإحتجاج يعد محاولة من جانب عناصر خارجية لإشعال حركة تهدف إلى الإطاحة بالحكومتين المحلية والفيدرالية. وقال موضحا:"هؤلاء الرجال قدموا إلى هارنى مدعين أنهم ينتمون إلى ميليشيات تدعم مربى الماشية المحليين، لكن فى واقع الأمر لديهم دوافع أخرى تتمثل فى محاولة الإطاحة بالمقاطعة والحكومة الفيدرالية أملا فى إطلاق حركة فى شتى أنحاء الولاياتالمتحدة". وناشد أفراد المجموعة المسلحة المغادرة وإنهاء المواجهة بشكل سلمى. وجاءت المواجهة الأخيرة لتدل على تزايد الاستياء تجاه السيطرة الفيدرالية على أراض عامة على مدار عقود فى الغرب الريفى والمحافظ للبلاد. وإنتشار الغضب بين أصحاب المزارع وقاطعى الأشجار الذين تتطلب أعمالهم مساحات شاسعة من الأراضى البكر. وقد رصدت وسائل الإعلام حالة التباطوء فى تحرك هيئات تنفيذ القانون التى لم تصل بعد إلى ذلك الموقع الريفى ولم ترد تقارير بحدوث مواجهات مع عناصر المجموعة المسلحة حتى بعد مرور أكثر من 48 على بداية الإقتحام! وأدت حالة عدم الإستقرار الأمنى إلى إجبار المدارس فى المنطقة القريبة من الموقع على إغلاق أبوابها لمدة أسبوع. كما لم يتضح بدقة العدد الحقيقى للأشخاص الذين يسيطرون على المنشأة، حيث تقول السلطات المحلية إن العدد لا يتجاوز 15 شخصا بينما أعلنت المجموعة المهاجمة أن هناك ما لا يقل عن 150 شخصا. وقد ركزت وسائل الإعلام هناك على تمسك مكتب التحقيقات الفيدرالى بالعمل مع هيئات تنفيذ القانون المحلية وفى الولاية بهدف إيجاد حل سلمى لهذا الوضع. وعلقت مجلة "فورين بوليسى" على أن الأزمة بأنها تأتى كجزء من طفرة فى نشاط الجماعات المعادية للحكومة داخل الولاياتالمتحدة، وأن التحدى الحالى لمسئولى إنفاذ القانون فى جميع أنحاء الولاياتالمتحدة هو أن هناك المزيد من هذه الميليشيات أكثر من أى وقت مضى. وبغض النظر عن النهاية المتوقعة لتلك المواجهة "المحدودة حتى الآن" بين الحكومة الفيدرالية الأمريكية من جانب والمناوئين لها من جانب آخر، فإن هناك من الشواهد ما يؤكد وجود حراك مناوئ لوحدة الولاياتالمتحدة وتماسكها فى ظل وجود العديد من الحركات المحلية المطالبة بالإنفصال عن الولاياتالمتحدة عبر تقرير المصير أو باستخدام القوة المسلحة. فمثل السحب الداكنة التى تتجمع فى الأفق قبل وصول العاصفة وخلال شهر مايو 2015، وفى ظل تكتم واضح فى وسائل الإعلام الغربية، ناشد السكان الأصليون لولايتى ألاسكا الغنية بموارد الطاقة وجزر هاواى الأمريكيتين منظمة الأممالمتحدة النظر فى مسألة ضم أراضيهم بطريقة "غير مشروعة" إلى الولاياتالمتحدة، وطلبوا المساعدة فى منحهم "حق تقرير مصيرهم" أسوة بدول البلطيق الثلاثة إستونيا ولاتفيا وليتوانيا فى الإتحاد السوفيتى السابق وبكوسوفا فى يوغوسلافيا السابقة والقرم والمناطق ذات الميول الروسية فى أوكرانيا. وجاء تحرك أبناء ولايتى ألاسكا وهاواى ممثلا فى إصدار بيان، يوم 7 مايو 2015على هامش فعاليات إنعقاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف. ودفع البيان بأن الولاياتالمتحدة استولت على ألاسكا وجزر هاواى عن "طريق الخداع" وانتهكت مبادئ الأممالمتحدة. ودعا ممثلو الولايتين إلى إصلاح تلك الأخطاء، وإجراء "إستفتاء لتقرير المصير". وقال الناشط رونالد بارنس من ولاية ألاسكا: "الولاياتالمتحدة استولت على أرضنا. وتستخرج منها الموارد الطبيعية بكميات هائلة، وتضر بالبيئة المحيطة". وصرح ممثل جزر هاواى ليون سيو بأن قاعدة بيرل هاربور بالجزر تلوث المياه والأرض، الأمر الذى يؤدى إلى مرض السكان مؤكدا على رفض السكان لأن يكونوا جزءا من هذه الآلة العسكرية. وهناك أيضا رغبات استقلالية بولاية نيوهامبشير، وداكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية وتكساس ونيوجيرسى. وتشير إحصائية أمريكية إلى أنه ومنذ تولى الرئيس الحالى باراك أوباما منصبه، وصل عدد الحركات المعادية للحكومة عام 2012 إلى 1360حركة ثم تراجع إلى 900 جماعة! وهكذا بدا من الواضح أن الولاياتالمتحدة التى تحاول إعادة ترسم خرائط دول العالم وأقاليمه تتعرض لضغوط داخلية مؤثرة فى عام الإنتخابات الرئاسية.