يجمع خبراء التعليم والاجتماع والإعلام على أن المواطنة فى الإساس ترتبط بالانتماء للوطن والأرض وللشعب بكل فئاته ومعتقداته, ويجسد بالتضحية من أجلها, تضحية نابعة من شعوره بحب الوطن وشعبه. لذا أصبح من الأهمية التركيز على جانب المواطنة والانتماء فى المناهج الدراسية التى ترتبط بالدراسات الاجتماعية والوطنية لحشد الجيل الجديد نحو العمل من أجل الوطن. لم ترق المناهج الدراسية للمستوى الوطنى المطلوب لحماية الأجيال الجديدة بالمرحلة الثانوية لتخريج إنسان لديه الانتماء والعطاء وخدمة الوطن والاستعداد للتضحية من أجله، كما أن المناهج بها خلل خطير، فلا تتضمن مقرراتها القضايا المجتمعية المرتبطة بمكونات المجتمع المصري، والتى تتطلب المشاركة بإيجابية فى هموم الوطن ، ومعظمها لا تركز على توعية الطالب بها وتحفيزه تربويا ومعرفيا ومهاريا ، هذا ما أكده الدكتور شعبان حامد أستاذ مناهج وطرق التدريس بمركز البحوث التربوية، حيث قال إن تلك المقررات لا تسمح بممارسة أنشطة التطوع وخدمة البيئة والمشاركة المجتمعية وممارسة الديمقراطية، فمناهج المرحلة الثانوية لا تتضمن سوى القليل من الموضوعات التى تدعم الانتماء والمواطنة لدى الطلاب ولاتوضح للطلاب الحقوق والمسئوليات وواجبات المواطنة، ولاتنمى وعيهم بواقعهم أو واقع مجتمعهم وعالمهم. وقال الدكتور شعبان إن المناهج التعليمية يجب أن تركز على أن المواطنة هى مجموعة من الخصائص التى تجعل الطلاب قادرين على تحمل المسئولية والمشاركة والاعتماد المتبادل ليتصفون بروح التطوع، واكتساب معارف ومهارات تمكنهم من السعى لحل المشكلات التى تواجههم فى الدراسة والحياة بأسلوب علمى، و ممارسة التفكير الناقد واتخاذ قرار حول قضايا جدلية تواجه المجتمع. التعلم الذاتى كما أن مناهج الرياضيات لاتتيح للطالب الفرصة للمشاركة فى التعلم الذاتى بل هو مجرد متلقٍ للمعرفة الرياضية وتغفل الجانب التطبيقى لممارسة الأنشطة المصاحبة، وبالتالى لاتنمى لدى الطالب أى قيم ومن بينها قيم "المواطنة"، فهو لايمارس العمل من خلال جماعة، ولايمر بمواقف تتطلب التسامح والتنازل عن رأيه لمصلحة الغير ، فلايحدث انتقال إثر تعلمها فى مجالات الحياة المتنوعة فى حياة الطالب ، وكذلك الفيزياء والكيمياء والأحياء. وفى التاريخ، لا يتيح للطالب فرصة لمناقشة قضايا معاصرة ومؤثرة فى تاريخ مصر، كما لايتيح له تبنى وجهة نظر إيجابية نحو تطوير المجتمع المدنى ، كما لايكتسب وعيا بالمؤثرات العالمية المحيطة ، وهى التى يكتسبها الطالب بإعادة قراءة التاريخ قراءة نقدية لاستخلاص العبر بينما الجغرافيا لا ترتبط بواقع حياة الإنسان والبيئة والغذاء والصناعة والزراعة، فلا تنمى لدى الطالب الإحساس بالمسئولية تجاه بيئته ومجتمعه، كما لا تقدم أنشطة يمارسها الطالب مثل تحليل الوثائق وتفسيرها أو مناقشة تقارير الهيئات والمؤسسات القومية. وعلى الرغم من احتواء مقررات الفلسفة والمنطق وعلم النفس والاجتماع واللغتين الإنجليزية والفرنسية على الكثير من المعلومات التى يمكن أن تنمى المواطنة لدى الطلاب، إلا إنها تأخذ الطابع النظرى التلقينى فتفقد الصفة الوظيفية للمنهج فى إكساب الطلاب المعارف والمهارات والقيم التى تنمى الشخصية، فى حين احتوت مقررات التربية الوطنية على جانب كبير من التاريخ الفرعونى والإسلامى والحديث، وشرح لبعض رموز المجتمع المصرى وشخصياته، لكن بأسلوب السرد التاريخى ، ولم تطرح قضايا تعرف الطالب بأسس ومسئوليات المواطن فى المجتمع، ولم تناقش مفاهيم الحرية والمساواة وحق الانتخاب، وواجبات وحقوق المواطنة، ولم تتح الفرص للطلاب لجمع أدلة حول مشكلات معاصرة . ويؤكد الدكتور رفعت الضبع أستاذ الدراسات الإعلامية أهمية احتواء المادة التعليمية لتنمية المواطنة لجعل الطالب قادرا على فهم دوره تجاه مجتمعه وبيئته، مشيرا إلى أنه على الرغم من احتواء مقررات اللغة العربية على معلومات ومفاهيم تنمى المواطنة، فإن كل مقرر ينفصل عن الآخر، فالقراءة والنصوص والقصة لا يتيح انتقال أثر التعلم من مجال لآخر، وبالتالى لايتعرف الطلاب على سبل توظيف المعرفة اللغوية المكتسبة فى حياتهم، ومما يفسر ضعف قدرة الطلاب على التعبير عن أفكارهم وحاجاتهم أو إقامة اتصال ناجح مع الغير، مما يؤكد عدم ملائمة النصوص لمتطلبات المواطنة فى العصر الحديث، وفى أساليب تدريسها ، فالطالب دائما متلق فقط لا تتاح له فرصة التعبير عن مشاعره وأفكاره، كما لا يتمكن من تحليل نص بهدف التوصل لما وراء النص. السلام والتسامح ويشدد الدكتور حسنى السيد خبير التعليم على أن مصر تحتاج الاهتمام فى هذه المرحلة المهمة بالمواطنة فى كافة مراحل التعليم العام، إيمانا بأهميتها للتنمية ، والسلام والتسامح، ونبذ العنف، والعيش المشترك كأساس ،إذ أن التربية هى أساس بناء الوطن وشخصية المواطن، وبها تبنى الأمم، مضيفا أن التربية تشكل وعى و اتجاهات وقيم المواطن ، فالولاء للوطن، يعنى الولاء للأرض والشعب وللقانون الالتزام به، وللسلطة بعدم الخروج عليها وضرورة أداء واجب الوطن، بالحفاظ على أمنه واستقراره ومكتسباته، فالمدرسة عليها مسئولية كبيرة فى غرس الشعور بالمواطنة، وتشكيل شخصية المواطن، كما أن ضمان الحرية مهم لتفعيل المواطنة، فالحرية تعزز الثقة لدى المواطن وتوسع آفاق المشاركة الاجتماعية، كما أن تكافؤ الفرص أمام المواطنين فى المجالات المتعددة التعليمية والعملية والترفيهية والخدمية وغيرها يزيد من إمكانيات العطاء والمشاركة بكل إخلاص من قبل المواطنين، ولبذل الجهود لدفع حركة التقدم والتطور فى المجتمع،مما يجعل الطالب يعتز ويفتخر بوطنيته، ويكون مواطنا صالحا فى خدمة بلاده. المشكلة والحل يرى الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ البحوث الإجتماعية بجامعة حلوان أن نقص التوعية الوطنية والاجتماعية من أسباب فقدان الشعور بالانتماء والمواطنة، كذلك إحساس الشباب بالظلم وبأنه مهمل لا يلقى الرعاية وحقوقه مهدرة كما أن أجهزة الإعلام والثقافة مسئولة عن هذا الشعور، بما تقدمه من مشكلات وهموم فى المجتمع وتبالغ فى إبراز الخلافات والتشكيك فى كل شئ فى البلد إلى حد يدفع الشاب إلى الشعور باليأس وعدم الأمان والإستقرار وتفقده شعوره بالفخروالإعتزاز بوطنه ومستقبله، وكذلك ما يواجه الشاب من صعوبة الزواج وإيجاد مسكن وتكوين الأسرة والحصول على عمل مناسب، كما أن الوعود الوهمية من المسئولين وعدم تنفيذها يفقده الثقة فى بلده.ويتمثل علاج هذه الظاهرة فى التوعية الوطنية والتربية الدينية، وتنمية ذهن الشاب وحسه ووجدانه عن طريق المدرسة والجامعة لغرس الشعور بالانتماء من خلال دراس تاريخنا القديم والحديث من الأمجاد والانتصارات العظيمة، والتأكيد للشباب أن شعبنا قادر فى هذه الأيام ومن خلال المشروعات الطموحة والكبرى على أن يستعيد مجده ، مع التغييرات الأخيرة فى القيادات للأفضل، كما أن مؤسسات الإعلام والثقافة مثل الإذاعة والتليفزيون والصحف والمجلات والمسرح والمعارض والمتاحف والمهرجانات يمكن أن تسهم فى تنمية الشعور بالانتماء من خلال عرض القضايا الهادفة والبعد عما يثير الغرائز ، كما أن دور الأسرة أساسى فى تنمية هذا الشعورلأنها هى الخلية الأولى التى تصنع وتشكل شخصيته و تستطيع أن تحببه فى مجتمعه وتجعله يرضى عنه ويعتز به، إضافة لضرورة بذل الجهود لحل أسباب الأزمات والصراعات والإحباط والشعور باليأس مع توفير الرعاية الدينية والصحية والنفسية والإجتماعية والتعليمية للشباب .