مقررات المرحلة الثانوية بموادها المختلفة في الصفوف الثلاثة لاتتضمن الحديث عن المشكلات المجتمعية المرتبطة بخصوصية المجتمع المصري، والتي تتطلب المشاركة بإيجابية في هموم الوطن وقضاياه، كما لاتبرز معظم المقررات القضايا العالمية التي تؤثر علي حاضر ومستقبل المجتمع المصري، وتوعية الطالب بها وتحصينه تربويا ومعرفيا ومهاريا ضد آثارها السلبية، والاستفادة من جوانبها الإيجابية، ولاتفسح المقررات الدراسية المجال لممارسة أنشطة التطوع وخدمة البيئة والمشاركة وممارسة الديمقراطية. هذه النتيجة خرج بها بحث صدر عن المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية أجري منذ 9 سنوات علي نفس المناهج التي بين أيدي طلاب المرحلة الثانوية الآن، واستغرق إعداده عامين وكان تحت عنوان (تطوير مناهج التعليم لتنمية المواطنة في الألفية الثالثة لدي الطلاب بالمرحلة الثانوية) وأعده د. شعبان حامد أستاذ مناهج وطرق تدريس العلوم بالمركز ود. نادية حسن أستاذ مناهج وتدريس الفلسفة والاجتماع بشعبة تطوير المناهج تحت إشراف د. عايدة أبو غريب الرئيس الأسبق لشعبة تطوير المناهج بالمركز. وكشف البحث أن أولياء الأمور وعددا من المعلمين والموجهين بالتعليم الثانوي يرون أن مناهج المرحلة الثانوية لا تتضمن سوي القليل النادر من الموضوعات التي تنمي المواطنة لدي الطلاب، حيث لاتعرف الطلاب بحقوق ومسئوليات وواجبات المواطنة، ولاتنمي وعيهم بواقعهم ولا بواقع مجتمعهم وعالمهم. هدف البحث إلي وضع معيار موضوعي لمحاور وأبعاد المواطنة الواجب توافرها في المناهج الدراسية بالمرحلة الثانوية بما يمكن الطلاب من ممارسة حقوق وواجبات المواطنة، وتحديد أوجه القصور بمناهج المرحلة الثانوية في تنمية مقومات المواطنة لدي الطلاب بطريقة فعالة، ليطبق علي تحليل المقررات الدراسية . ويعرف البحث المواطنة بأنها مجموعة من الخصائص والسمات التي تجعل الطلاب قادرين علي تحمل المسئولية والمشاركة والاعتماد المتبادل ويتصفون بروح التطوع، ولديهم معارف ومهارات تمكنهم من السعي لحل المشكلات التي تواجههم في الدراسة والحياة بأسلوب علمي، وقادرين علي ممارسة التفكير الناقد واتخاذ قرار حول قضايا جدلية تواجه المجتمع. وعلي ذلك فالمفروض أن يتضمن المحتوي التعليمي لكي ينمي المواطنة (معارف) تجعل الطالب قادرا علي أن يفهم التأثير بين الإنسان ومجتمعه وبيئته، ومتطلبات المجتمع المدني في مصر، واقتراح حلول لمشكلات واقعية لها علاقة بمواد التخصص، وتأمل المعرفة وتناولها تناولا نقديا، وإبداء وجهة النظر في قضايا ومشكلات المجتمع المصري، والتفكير في إجابة لسؤال .. وماذا بعد ؟ أثناء وبعد المواقف التعليمية، إلي جانب (مهارات) التعلم الذاتي وإدارة الوقت واقتراح الأساليب البديلة، بالإضافة إلي (قيم) تجعل الطالب يشعر بالمسئولية، ويقدر قيمة العمل من أجل تنمية المجتمع، وتقدير الرموز القومية وممارسة السلوك الديمقراطي داخل الفصل وخارجه، وحسن استخدام الموارد والإمكانيات المتاحة، وتقبل الطالب لذاته ولزملائه وتكيفه مع بيئة الدراسة، وسعة الأفق وقبول الآخر، والتواصل مع الغير بنجاح . وطبقا لهذا فليست مادة الدراسات الاجتماعية أو التربية الوطنية أو التربية الدينية مسئولة وحدها عن المواطنة، وكشف البحث أن مناهج التربية الدينية الإسلامية في المرحلة الثانوية تقتصر علي حفظ بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وبعض تراجم الصحابة والشخصيات الإسلامية، لكنها خلت - إلا في النادر - من أنشطة ومهارات تدعم المواطنة وتجعل الطلاب يتدبرون ما يدرسونه ويطبقونه في حياتهم. وأوضح البحث أنه رغم احتواء مقررات اللغة العربية علي معلومات ومفاهيم تنمي المواطنة، لكن تقديم كل مقرر منفصلا عن الآخر (القراءة والنصوص، والقصة وغيرها)، فلا يتيح انتقال أثر التعلم من مجال لآخر، وبالتالي لايتعرف الطلاب علي سبل توظيف المعرفة اللغوية المكتسبة في حياتهم، ومما يفسر ضعف قدرة الطلاب علي التعبير عن أفكارهم وحاجاتهم أو إقامة اتصال إقناعي ناجح مع الغير، والأمر لا يكمن فقط في عدم ملاءمة النصوص لمتطلبات المواطنة في العصر الحديث، لكن في أساليب تدريسها أيضا، فالطالب دائما متلقٍ سلبي، ولا تتاح له فرصة التعبير عن مشاعره وأفكاره، كما لا يتمكن من التدرب علي تحليل مضمون نص بهدف التوصل لما وراء النص، ولا يمارس أنشطة إنتاج أو إبداع أعمال ذات علاقة باللغة وبالوعي المنفتح الذي يرفض الانغلاق ويقبل بالحجة والبرهان . كما أن مناهج الرياضيات لاتتيح للطالب الفرصة للمشاركة في التعلم الذاتي، بل هو مجرد متلقٍ للمعرفة الرياضية وتغفل الجانب التطبيقي لممارسة الأنشطة المصاحبة، وبالتالي لاتنمي لدي الطالب أي قيم ومن بينها قيم "المواطنة"، فهو لايمارس العمل من خلال جماعة، ولايمر بمواقف تتطلب التسامح والنزول عن غيره لصالح الغير هذا ما تبين صوابه، مما يجعلها غير وظيفية ولايحدث انتقال إثر تعلمها في مجالات الحياة المتنوعة في حياة الطالب ونفس الأمر ينطبق علي مناهج الفيزياء والكيمياء والأحياء. أما مقرر التاريخ فلا يتيح للطالب فرص مناقشة قضايا معاصرة ومؤثرة في تاريخ مصر، كما لايتيح له تبني وجهة نظر إيجابية نحو تطوير المجتمع المدني في مصر، كما لايكسبه وعيا من المؤثرات العالمية المحيطة وهي التي يكتسبها الطالب بإعادة قراءة التاريخ قراءة نقدية لاستخلاص العبر وفي حين يمس مقرر الجغرافيا بواقع حياة الإنسان والبيئة والغذاء والصناعة والزراعة، وكان من الممكن أن ينمي لدي الطالب الإحساس بالمسئولية اتجاه بيئته ومجتمعه، لكنه لم يقدم أنشطة يمارسها الطالب مثل تحليل الوثائق وتفسيرها أو مناقشة تقارير الهيئات والمؤسسات القومية. ورغم احتواء مقررات الفلسفة والمنطق وعلم النفس والاجتماع واللغتين الإنجليزية والفرنسية لهذه المرحلة علي الكثير من المعلومات التي يمكن أن تنمي المواطنة لدي الطلاب، إلا إنها تأخذ الطابع النظري التلقيني فتفقد الصفة الوظيفية للمنهج في إكساب الطلاب رصيدا عاما مشتركا من المعارف والمهارات والقيم التي تنمي الشخصية، وتزيد من تفاعلها. وفي حين احتوت مقررات التربية الوطنية علي جانب كبير من التاريخ الفرعوني والإسلامي والحديث، وشرح لبعض رموز المجتمع المصري وشخصياته، لكن بأسلوب السرد التاريخي، ولم تطرح قضايا تعرف الطالب بأسس ومسئوليات المواطن في المجتمع، ولم يتناول مناقشة مفاهيم الحرية والمساواة وحق الانتخاب، وواجبات وحقوق المواطنة، ولم تتح الفرص للطلاب لجمع أدلة حول مشكلات معاصرة، ولم يتضمن أية أنشطة يمارسها الطلاب تساعد علي اكتسابهم المواطنة