يمكن وبحق وصف عام 2015 والذى أوشك على طى أوراقه الأخيرة بعام الأحداث الاقتصادية.. فمع مطلع العام شهدت أروقة الحكومة لقاءات مكثفة استعدادا لأهم الأحداث الاقتصادية وهو مؤتمر مصر الاقتصادى الذى عقد بمدينة شرم الشيخ والذى استحق وبجدارة ان يحصد لقب حدث العام بعد أن نجح فى وضع الاقتصاد المصرى على خريطة الاستثمارات العالمية بشكل غير مسبوق، وعكست هذه الأهمية مشاركة جانب من ملوك ورؤساء الدول ورؤساء المنظمات الاقتصادية العالمية ورؤساء الكثير من الشركات العالمية فى فعاليات المؤتمر، وكان من نتائج هذا المؤتمر المهم أن أعادت المؤسسات الدولية تقييم درجة جدارة الاقتصاد 4 مرات متتالية لدرجات متقدمة حتى وصلنا حاليا إلى درجة مستقر، وأرجعت المؤسسات ذلك إلى التقدم الذى أحدثته الحكومة فى تنفيذ برنامج الإصلاح المالى والاقتصادي. ورغم كل التحديات والصعوبات التى واجهها الاقتصاد على مدار العام، فإنه حرص قبل أن يطوى أوراقه على إعادة البسمة إلى الأسواق بمبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى بخفض الاسعار وهى المبادرة التى شهدت استجابة كبيرة من جانب التجار والصناع.. وما بين المؤتمر الاقتصادى ومبادرة خفض الأسعار شهد الاقتصاد العديد من الاحداث نستعرضها من خلال هذا الملف. استحق مؤتمر مصر الاقتصادى بجدارة لقب حدث العام خلال 2015 بعد أن نجح فى وضع الاقتصاد المصرى على خريطة الاستثمارات العالمية بشكل غير مسبوق. ولعل المشاركة القوية من جانب رؤساء وملوك الدول وحضور رؤساء مجالس إدارات الشركات العالمية لفعاليات المؤتمر تعكس الاهتمام الحقيقى بتلك الفعالية التى عززت من ثقة المستثمرين فى أداء الاقتصاد وقدرته على توليد معدلات نمو كبيرة تجعل من المقصد استثمارى المصرى قبلة مهمة لرؤوس الأموال. ومثل المؤتمر نقلة نوعية هائلة على المستويين الاقتصادى والسياسي، بسبب إقبال الوفود المشاركة على إبرام العقود والاتفاقيات وتوقيع مذكرات التفاهم لإقامة مشروعات استثمارية جديدة، وكذلك التعهد بتقديم منح ومساعدات هائلة لدعم الاقتصاد المصرى خلال المرحلة المقبلة، إلى جانب التحول الإيجابى الملحوظ بالرأى العام حول مقومات الاقتصاد الوطنى ودور القطاع الخاص فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة. ورصدت المجموعة المالية هيرميس عددا من الفوائد للمؤتمر، حيث أكدت أنه سابقة من نوعه، فهو ليس مؤتمر مانحين، ورغم ذلك نجح جذب منح ومساعدات خليجية بقيمة 12.5 مليار دولار., ;كما شهد توقيع عقود استثمارية بقيمة 33.2 مليار دولار، وإبرام اتفاقات مبدئية بقيمة 89 مليار دولار. وكشفت مذكرة بحثية للمجموعة أعدها قسم البحوث أن المؤتمر اجتاز بكفاءة جميع المعايير التى حددها فريق البحوث لقياس مدى نجاحه، سواء على مستوى المشاركة الدولية، أوحجم الدعم المالى الذى تم الإعلان عنه، واستعادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، مصحوبًا بنوعية الإصلاحات التشريعية التى سيتم إقرارها. حيث رصدت المذكرة مشاركة القيادات التنفيذية بكبرى الشركات العالمية مثل كوكا كولا، وسيمنز، وبريتش بتروليوم، وأبراج كابيتال، وجى بى أوتو، وماجد الفطيم الى جانب وفود رسمية لأكثر من 100 دولة و25 منظمة دولية تحت قيادة كبار المسئولين الحكوميين بدول مجلس التعاون الخليجي، وأيضًا رؤساء صندوق النقد الدولي، والبنك الأوروبى لإعادة البناء والإعمار، وبنك الاستثمار الأوروبي. كما قامت كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولى بتوجيه كلمة تحت عنوان Moment of Opportunity الحظة الفرصب أشادت خلالها بالإصلاحات التى تتخذها الحكومة المصرية، وطالبت بمواصلة النهج الإصلاحى لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار وتنمية الصادرات وإتاحة المزيد من الموارد التمويلية. وشهد المؤتمر كذلك حضورًا واسعًا من أبرز شخصيات مجتمع المال والأعمال وكذلك الخبير الاقتصادى محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين بمؤسسة إليانز الدولية. وبينما كان حضور المجتمع الغربى ممثلا فى البعثات الدبلوماسية وسفراء الدول، فإن حضور وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى وتصريحاته الإيجابية بشأن عملية الإصلاح فى مصر تمثل تطورا إيجابيا آخر، ليبعث الجمع برسالة لا تخطئها العين بأن مصر قادمة لا محالة. ايضا من عناصر النجاح تعهد كل من الإمارات والسعودية والكويت بتقديم منح ومساعدات بقيمة 4 مليارات دولار، بالإضافة إلى 500 مليون دولار من عمان بإجمالى 12.5 مليار دولار، وحول الحصاد النهائى لمؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى اشارت المذكرة الى قيام الحكومة بدراسة أكثر من 120 مشروعاً فى إطار الاستعدادات للمؤتمر الاقتصادي، 52% منها فى قطاعات النقل والدعم اللوجيستى والإسكان والمرافق وتم إعداد قائمة نهائية من 60 مشروعا، وتجاوز المؤتمر جميع التوقعات الخاصة بإبرام عقود واتفاقيات الاستثمار وتوقيع مذكرات التفاهم، من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة باستثمارات 45 مليار دولار، إلى مشروعات استكشاف وإنتاج البترول والغاز الطبيعى بقيمة 21 مليار دولار، وكذلك مشروعات أخرى بقيمة 99 مليار دولار فى مجالات البنية الأساسية والتطوير العقاري. وفيما يتعلق بالعقود المبرمة خلال المؤتمر، وقعت الحكومة اتفاقيات استثمارية بقيمة 33.2 مليار دولار، من بينها الاتفاق مع شركة سيمنز الدولية لإضافة قدرات جديدة تصل إلى 6.5 جيجاوات من الطاقة الكهربائية، مصادر تقليدية وطاقة متجددة، باستثمارات 11.6 مليار دولار، والاتفاق مع شركة بريتش بتروليوم على زيادة إنتاج الغاز الطبيعى بمعدل 20-25% باستثمارات 12 مليار دولار، علما بأن نحو 19 مليار دولار من قيمة تلك العقود سيتم تمويلها بواسطة الشريك الأجنبى فى المشروعات الهندسية والإنشائية المتكاملة، وهى ميزة جوهرية فى هذا التوقيت الحساس الذى تحتاج فيه مصر لأكبر تدفقات استثمارية داخلة. وكان قطاع الكهرباء المستفيد الأكبر من مذكرات التفاهم التى تم توقيعها خلال المؤتمر، فيما يعكس جهود الحكومة خلال الآونة الأخيرة لاستحداث تشريعات تدعم سياسات التحرير الاقتصادى وتشجيع استثمارات القطاع الخاص فى مشروعات الكهرباء. وعلى هذه الخلفية وضعت مصر تعريفة التغذية لمشروعات الطاقة المتجددة، إلى جانب الإعلان عن ملامح مشروع قانون الكهرباء الجديد، الذى تتحول مسئولية الحكومة بمقتضاه إلى تنظيم وضبط ومراقبة نشاط المرافق العامة بدلًا من إدارتها بطريقة مباشرة. وجاء قطاع التطوير العقارى بالمرتبة الثانية بين القطاعات الأكثر جذبًا للاستثمار خلال المؤتمر الاقتصادي، حيث تم الإعلان عن اثنين من مشروعات التطوير العقارى الضخمة وهما مشروع العاصمة الإدارية الجديدة (Cairo Capital) باستثمارات 45 مليار دولار، وآخر بقيمة 19 مليار دولار بمقتضى المشروع المشترك بين شركتى بالم هيلز وآبار، إلى جانب عدة مشروعات أخرى أصغر حجمًا تتنوع بين المشروعات العقارية السكنية والتجارية. وعلاوة على ذلك، فإن إضافة مشروع العاصمة الجديدة ومشروع تنمية محور قناة السويس إلى قائمة العقود والاتفاقيات المبرمة يمكن ترجمته إلى استثمارات أجنبية مباشرة إضافية تتراوح بين 20 و30 مليار دولار على مدار السنوات الأربع المقبلة، وهو ما يعادل حوالى 6-9% من الناتج المحلى الإجمالى لسنة 2014/2015. استنتاجان مهمان: الأول: أنه تمت ترجمة غالبية العقود التى تم الإعلان عنها إلى استثمارات أجنبية مباشرة تتراوح قيمتها بين 2 و3 مليارات دولار سنويًا على أقل تقدير خلال 5 إلى 7 سنوات، على أن يبدأ توظيف هذه الاستثمارات اعتبارًا من عام 2016 عقب انتهاء الحكومة من مخاطبة عدد من المتطلبات التنظيمية، ولا سيما تحديث الأطر التشريعية لاستثمارات قطاع الكهرباء وتعريفة تغذية محطات الطاقة بالفحم ذ إلى جانب انتهاء المستثمرين من تنفيذ الإغلاق المالى للمشروعات المختلفة. الثاني: أن مردود هذه الاستثمارات حقق طفرة فى أنشطة الاستثمار المباشر وسيكون لهما دور مهم فى تسريع نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى حدود 6% عام 2017 مقابل التقديرات الحالية بنحو 5.1%، فيما أن ذلك مرهون بسرعة تحرك الحكومة نحو تنمية قدرات الاقتصاد من حيث توفير مواد البناء وتطوير البنية الأساسية والارتقاء بالقوى العاملة لتجاوز الضغوطات المحتملة خاصة على عنصر القوى العاملة خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة. وحول قدرة الاقتصاد المصرى على استيعاب الاستثمارات التى تم الإعلان عنها اكدت المذكرة إن العوامل الأساسية المؤثرة فى الطاقة الاقتصادية من القوى العاملة والتمويل ووفرة مواد البناء واستقرار سوق الصرف تدعم قدرة الاقتصاد الوطنى على استيعاب الاستثمارات الجديدة.