تعد سلطنة عُمان أقل دول مجلس التعاون الخليجي تعرضا للعمليات والتهديدات الإرهابية، القائمة والمحتملة، رغم تزايد الاحتقانات المجتمعية وهشاشة الأوضاع الاقتصادية وكثافة النيران الإقليمية المشتعلة ومجاورتها الجغرافية لدولة فاشلة (اليمن)، إلا أنها استطاعت تحييد نفسها وتحصين ذاتها. وفقا لمؤشرات محددة، مثل شغلها مراتب متأخرة في التعرض للإرهاب في مؤشر الإرهاب الدولي وحصولها على مراكز متقدمة في مكافحة غسيل الاموال وتمويل الإرهاب وغياب انخراط أبنائها في التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود وعدم انضمامها للتشكيلات الإقليمية والتحالفات الدولية ضد الإرهاب. ويعود ذلك إلى عدة عوامل تتعلق بطبيعة السياسة العُمانية الحذرة وتجنب دعم أحد أطراف الصراعات المسلحة في الساحة الإقليمية والاحتواء المبكر للمعارضة الداخلية المسلحة وبصفة خاصة الإسلامية منها وتجريم الممارسات ذات الطبيعة الطائفية. صفر إرهاب ثمة مجموعة من المؤشرات التى تعبر عن خلو سلطنة عُمان من خطر الإرهاب العابر للحدود، خلال السنوات الماضية، على النحو التالي: (u) جاءت عُمان فى المرتبة قبل الأخيرة بين 20 دولة من منطقة الشرق الأوسط بدرجة بلغت «صفر» من 10 نقاط حسب ترتيب مؤشر الإرهاب الدولى لعام 2014، لتكون الدولة الخالية من الإرهاب إلى جانب قطر (فى حين جاءت بقية دول الخليج فى مراتب متفاوتة)، بحيث أن أراضى السلطنة من محافظة مسندم شمالا حتى محافظات ظفار جنوبا لم تشهد أيا من صور النشاط الإرهابي، وإن كان أحد المواقع الإخبارية وتحديدا «ميدل إيست آي» البريطاني، ذكر فى 1 يوليو 2015، أن أجهزة الأمن العمانية ألقت القبض على إرهابى سعودى الجنسية، كان يخطط لتنفيذ هجوم انتحارى فى أحد مواقع الشيعة داخل السلطنة. (u) صنفت عُمان ضمن البلاد الأكثر تمتعا بالأمان فى منطقة الشرق الأوسط، وفقا لتقرير صادر أخيرا عن المركز البريطانى المتخصص فى التأمين على المخاطر AON، إذ أن درجة خطر الإرهاب تتسم بأنه «شديد» فى البؤر الصراعية العربية الساخنة وهى سوريا والعراق واليمن وليبيا، و«مرتفع» فى الجزائر ومصر والسعودية و«متوسط» فى موريتانيا وتونس والأردن، و«منخفض» فى الإمارات وعُمان. (u) حصلت عُمان على المركز الأول عربيا وال 29 عالميا فى مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، الأمر الذى يعكس الجهود التى تبذلها «اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» ووحدة التحريات المالية فى الشرطة العمانية، على نحو يعكس جدية السلطنة فى الابتعاد عن أدوار داعمة للأطراف التكفيرية والجماعات المسلحة المنخرطة والمتهمة بالقيام بالأعمال الإرهابية، الأمر الذى يشير إلى عدم تصنيفها ضمن ما تعتبره مراكز التفكير الأمريكية «نقاط تمويل» أو بيئة أكثر تسهيلا لتمويل الجماعات الجهادية. (u) عدم انخراط أى مقاتل عُمانى (باستثناء طالب عاش فى المملكة العربية السعودية وقاتل فى سوريا فى العام 2014) فى المجموعات التكفيرية الجهادية المنتشرة فى الجوار القريب، مثل تنظيم «الدولة الإسلامية»، الأمر الذى يختلف عن بعض دول الخليج الأخري، وتحديدا السعودية وبدرجة أقل كل من الكويت والبحرين فيما يخص تصدير المقاتلين المجاهدين، وهو ما يشير إليه المركز الدولى لمكافحة التطرف. (u) عدم إبداء رغبة عُمانية فى الاشتراك فى التحالفات الإقليمية المناهضة للإرهاب حيث تتبع السلطنة سياسة يغلب عليها الحذر فيما يخص مواجهة الجماعات أو التنظيمات الإرهابية فى المنطقة العربية، وهو ما اتضح جليا بشأن تحفظها على إنشاء القوة العربية المشتركة، التى دعا إلى تشكيلها د.نبيل العربى الأمين العام لجامعة الدول العربية والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي، ومازال هناك عدد من القضايا العالقة بشأن تدشينها. فقد صرح وزير الدولة للشئون الخارجية يوسف بن علوى فى تصريحات صحفية فى 27 يوليو 2015 «إننا نعول كثيرا على أن تتمكن الدول العربية من إنشاء القوة العربية المشتركة للأغراض والضرورات القائمة فى الوقت الحالي»، وأضاف «أن بلاده لن تشارك فى تلك القوة وفقا للنظام الأساسى للقوات المسلحة العُمانية، الذى يحظر عليها أن تعمل خارج إطار مجلس التعاون الخليجي، ولا يمكن أن تدخل فى هذه التجمعات». المقاومة بالجملة (u) غياب مشاركة سلطنة عُمان (وكذلك الكويت من دول الخليج) فى التحالف الدولى بقيادة الولاياتالمتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» (والذى يضم 65 دولة)، بل اتخذت السلطنة موقفا وهو دعم التحالف ليس ضد داعش ولكن ضد الإرهاب بمجمله، بحيث اكتفت عُمان بإعلان دعمها للتحالف الدولى ضد الإرهاب والتطرف بحسب ما جاء فى كلمة ألقاها يوسف بن علوى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى العام 2014 دون الحديث عن طبيعة الدعم. هناك مجموعة من التفسيرات التى توضح عدم وصول خطر الإرهاب إلى السلطنة، حتى نهاية العام 2015، وفقا لما يلي: احتواء المعارضة (u) الاحتواء المبكر لبؤر المعارضة المسلحة الداخلية، وتحديدا أعضاء «جبهة ظفار لتحرير الخليج العربي»، التى قاتلت القوات العمانية النظامية، سواء التى تتبع الجيش أو الأمن، فى بداية حكم السلطان قابوس فى عقد السبعينيات من القرن الماضي، ورغم انتصار قابوس عليهم بدعم من القوى القبلية وإيران، فإنه أراد إنهاء الانقسامات الحادة والحروب الداخلية بالعفو الشامل عن جميع من قاتل الدولة وراغب بالعودة إلى سلطة الحكم وإعادة كل المنفيين الذين تمت معاملتهم كغيرهم من المواطنين، بل تبوأ بعضهم مناصب حكومية بارزة. تجريم الطائفية (u) تجريم الممارسات المجتمعية ذات الطبيعة الطائفية، إذ تنص المادة «130» من قانون الجزاء العمانى «يعاقب بالسجن المؤبد كل من يرتكب فعلا غايته إثارة حرب أهلية فى البلاد، ويعاقب بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على عشر سنوات، كل من روج لما يثير النعرات الدينية أو المذهبية أو حرض عليها أو أثار شعور الكراهية أو البغضاء بين سكان البلاد»، وهو ما يعد نهجا مبكرا ومتقدما مقارنة بسياسة دول خليجية تشهد نوعا من «الكراهية المذهبية» كلغة فى التعاملات بين طوائف مجتمعية، الأمر الذى يبرز جليا فى شرق السعودية والبحرين والكويت. (u) الطبيعة الحذرة للسياسة الخارجية العُمانية التى دأبت على الانكفاء على الذات، وعدم التورط فى أى شكل من أشكال التدخل العسكري، بصرف النظر عن الذرائع والأسباب، فسلطنة عُمان لم تشارك فى أى عملية عسكرية خارج حدودها إلا فى حرب تحرير الكويت عام 1991 وهى المشاركة التى حتمتها التزاماتها باتفاقية درع الجزيرة التى تنص على «الحماية المشتركة والمتبادلة بين دول التعاون الخليجي»، مما أبعدها عن التغذيات الارتدادية لاستخدام القوة العسكرية فى التحركات الخارجية، مثلما تعانى منه المملكة العربية السعودية من التهديدات القادمة لها من اليمن وسوريا. وهنا، تجدر الإشارة إلى الحلول السياسية وليست الخيارات العسكرية التى تطرحها سلطنة عُمان فى التعامل مع الأزمات الإقليمية، وهو ما يتضح جليا فى أزمتى اليمن وسوريا، على عكس ما تتبناه عواصم خليجية أخري، الأمر الذى يجعل السلطنة بمثابة «الوسيط» فى تلك الأزمات. وكان ذلك ملمحا حاكما للسياسة العمانية منذ بدايات الحراك الثورى فى العام 2011، حتى لا تقيد نفسها بخيارات سياسية مسبقة فى مرحلة تتسم بالسيولة وعدم الاستقرار. تجنب الاستقطاب (u) ابتعاد السياسة العُمانية عن الانحياز لطرف ما فى البؤر الصراعية الداخلية المسلحة المشتعلة، بما جعل السلطنة بعيدة عن الاستقطابات والاحتقانات التى تتغذى عليها الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى أطوار نموها. وقد عبر وزير الدولة للشئون الخارجية العُمانى يوسف بن علوى فى مقابلة تليفزيونية سياسة بلاده قائلا «نحن لا ننحاز إلى هذا الجانب أو ذاك، بل نحاول أن ننقل لكلا الطرفين، ما نعتقد أنه جيد بالنسبة لهما»، الأمر الذى أسهم إلى حد كبير فى حفظ النسيج الداخلى من أى اختراقات خارجية». وفى هذا السياق، انتقد يوسف بن علوى السياسات الخليجية وتحديدا السعودية والقطرية فى دعم المجموعات المسلحة «غير المعتدلة» فى سوريا، حينما أشار فى أحد اجتماعات مجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى فى ابريل 2014 «ما الذى نستفيده من تدمير سوريا التى يوجد فيها مقاتلون من 80 دولة ويدعم بعضنا هذه الجماعات هل تريدون جبهة النصرة وداعش!». فهى لا تريد الاصطدام بالفواعل المسلحة أو التنظيمات الإرهابية. على الجانب الأخر، عبر يوسف بن علوى عن موقف بلاده إزاء الأزمة السورية، والذى يتركز على احترام مواقف كل الدول الأخري، بما فيها الموقف الإيراني، لصحيفة الحياة اللندنية فى 4 أكتوبر 2012 بقوله «إننا نحترم كل دولة فى العالم، لأن لديها مصالح تتصرف فيها كما تشاء. وبالتالي، إذا كان ذلك خطأ، فهى تتحمله، وإذا كان ذلك إيجابيا، فهى تتحمله. هذه هى السياسة العامة للسلطنة». كما توقع بن علوى فى لقاء مع الصحفيين والإعلاميين العرب المشاركين ملتقى المراسل الصحفى والذى نظمته جمعية الصحافيين العُمانية فى 12 أغسطس 2015 «أن يستمر الاقتتال الدائر فى أكثر من بلد عربى والذى فرضه الصعود الخطير للتنظيمات الجهادية المتشددة ما بين عقد ونصف وعقدين من الزمن قبل أن تصل هذه الدول إلى الاستقرار». فالهدف العُمانى هو تجنب الدخول فى صراعات مستقبلية مع جماعات مسلحة قد تقرر الرد مستقبلا على الدول التى شاركت فى التحالف الدولى ضد داعش. غير أن هناك اتجاها سائدا فى بعض الكتابات يشير إلى احتمالية محدودة لتغير موقف السلطنة إزاء داعش، لاسيما مع التوسع المتزايد للتنظيم الذى بات يهدد علنيا أمن دول الإقليم خاصة بعد الاعتراف الأمريكى بصعوبة المهمة وطول مدتها الزمنية لتحقيق الأهداف المرجوة، ومطالبتها لدول الإقليم بالدعم المباشر للتحالف، لاسيما من الناحية العسكرية. احتمال محدود ويستند هذا الاتجاه إلى أن عُمان ليست بعيدة عن التحالف (وإن لم تعلن الانضمام إليه رسميا) إلى ثلاث دلائل هي: (u) قيادة الولاياتالمتحدة للتحالف الدولى ضد تنظيم داعش، وهى أى واشنطن تعد حليفا رئيسيا ترتبط معه مسقط باتفاقيات استراتيجية تمس الأمن القومى العُماني، لاسيما فى ظل تقارير تشير إلى احتمالية التمدد الجهادى على الحدود العُمانية اليمنية. (u) إدراج هذا التحالف ضمن ترتيبات الأمن الإقليمى (رغم اتساع عضويته واكتسابه البعد الدولي)، وأبرز المنخرطين فيه هم دول الخليج، وعُمان جزء من هذه المنظومة، ولا يسعها الخروج عن الأطر الأمنية، رغم التغريد خارج السرب الخليجى فى بعض الأحيان. (u) إن الساحة الرئيسية لعمل التحالف هى الساحة السورية، وأن الهدف الاستراتيجى يتعدى تنظيم داعش ليشمل التنظيمات الجهادية السورية الأخري، على نحو يؤدى لإسناد نظام الأسد الذى تبدى السلطنة موقفا لينا تجاهه. خلاصة القول إن ثمة صعوبة كبيرة لتغير اتجاه عمان إزاء التحالف الدولى أو حتى التحالف الإسلامى العسكرى إذ إن سياسة سلطنة عُمان فى تعاملها مع الأوضاع الداخلية والتحولات الإقليمية والمتغيرات الدولية هى التى جنبتها خطر ويلات موجة الإرهاب التى عانت منها دول عدة، على مدى السنوات الفائتة، سواء بتصاعد التهديد الأمنى أو عدم الاستقرار السياسى أو إصابة الوضع الاقتصادي. فسلطنة عمان تمثل نموذجا يتعين دراسته بشكل مستفيض.