التمثيل التجاري: ملتزمون بالشفافية وانتقاء أفضل الكفاءات لاختيار الملحقين التجاريين 2025    28 أكتوبر 2025.. الدولار يواصل التراجع أمام الجنيه ويسجل 47.41 جنيه للبيع    بدء تشغيل شاشات العرض بالميادين لبث المواد التوعوية عن المتحف المصري الكبير    إيران: احتمال تعرضنا لهجوم أمريكي قائم في أي وقت    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بتروجت في الدوري المصري والقنوات الناقلة    جيسوس وكونسيساو.. من الصداقة للإقصاء اليوم في كأس خادم الحرمين    تامر عبدالحميد: "حسين لبيب تقدم باستقالته من رئاسة الزمالك"    التحقيق في ذبح شخص لزوجته بعين شمس: قتلها بعد 3 أشهر من الزفاف    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع رقص ب«ملابس خادشة» في الإسكندرية    هل يتم تصوير جزء ثان من مسلسل بالطو؟.. أحمد عاطف يحسم الجدل    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    الصحة: برنامج علمي متكامل للفرق الطبية ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    استعدادات مكثفة لمتابعة جاهزية المراكز الانتخابية قبل انطلاق انتخابات النواب بقنا    إعصار ميليسا يودى بحياة 3 أشخاص فى جامايكا    ب25 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    ضبط (100) ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    مصرع شاب بصعق كهربائى فى الفيوم    «بسبب فاترينة سجائر».. «أمن القليوبية» يكشف ملابسات مشاجرة بين طرفين في شبرا الخيمة    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان إيطاليا الاعتراف بدولة فلسطين    وزير الإسكان يتابع مشروعات مياه الشرب والصرف ضمن مبادرة «حياة كريمة»    رئيس تحرير "البوابة نيوز" تهنئ الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بالاحتفال ب"اليوبيل الماسي" على تأسيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    «بلغهم بالتليفون».. شوبير يكشف تفاصيل صادمة في أزمة إيقاف «دونجا» ودور عامر حسين    «الرعاية الصحية» تدشن قسمًا جديدًا للرعاية المتوسطة بمستشفى الكرنك الدولي بالأقصر    تأكد غياب رباعي الأهلي عن السوبر.. وموقف إمام عاشور (تفاصيل)    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    العرض المسرحي مسكر كامل العدد بملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي    رابط حجز تذاكر دخول المتحف المصري الكبير    ميسي يكشف عن موقفه من المشاركة في كأس العالم 2026    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بعد مرور 75 دقيقة من بدء تعاملات اليوم    وزير الداخلية التركي: لا خسائر بشرية جراء زلزال باليكسير    18 مكتبا بريديا تعمل السبت المقبل لصرف المعاشات بالقليوبية (جدول)    نزلات البرد وأصحاب المناعة الضعيفة.. كيف تتعامل مع الفيروسات الموسمية دون مضاعفات؟    جامعة حلوان تطلق حملة للتبرع بالدم    جولة مسائية لمساعدي وزير الصحة بمستشفى بولاق الدكرور لمتابعة أعمال بدء التشغيل التجريبي    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 بمحافظة السويس    الزراعة والبيئة والري يناقشون تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي في مصر    وزارة الصحة تكشف خطتها للتأمين الطبي لافتتاح المتحف المصري الكبير    وزيرة التخطيط تشارك في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» بالسعودية    "بعد رسول العاصفة".. كيف تمهد روسيا لعصر الصواريخ النووية الفضائية؟    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    طارق قنديل: ميزانية الأهلي تعبر عن قوة المؤسسة.. وسيتم إنشاء فرعين خارج القاهرة    «حداد»: إعلان الرئيس الفلسطيني الأخير استباقا لمحاولات «فصل الضفة عن غزة»    تركيب الإنترلوك بمدينة ديروط ضمن الخطة الاستثمارية لرفع كفاءة الشوارع    استقرار اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 28اكتوبر 2025 فى المنيا    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    المتحدث باسم حماس: سلمنا 18 جثمانا إسرائيليا ويتبقى 13.. و10آلاف فلسطيني لا يزالون تحت الركام    بعد حلقة الحاجة نبيلة.. الملحن محمد يحيى لعمرو أديب: هو أنا ضباب! أطالب بحقي الأدبي    عالم الآثار الياباني يوشيمورا يتسلم دعوة حضور افتتاح المتحف المصري الكبير    جاهزون.. متحدث مجلس الوزراء: أنهينا جميع الاستعدادت لافتتاح المتحف الكبير    ترامب يتوقع زيارة الصين العام المقبل ويرجح استقبال «شي» في أمريكا    تحرك طارئ من وزير الشباب والرياضة بعد تصريحات حلمي طولان (تفاصيل)    «العمل» تُحرر 338 محضرًا ضد منشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لاديمقراطية بدون ديمقراطيين
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 04 - 2010

ساحة سياسية حافلة بالصخب والصراع وتبادل الاتهامات‏.‏ يدور أطرافها الراغبون في التغيير حول أنفسهم‏.‏ ينتجون حركات ومنظمات من أجل التغيير‏.‏ تتكاثر هذه المنظمات عبر التوالد الذاتي‏. ولكن بلا جديد في الأغلب الأعم‏,‏ وكلما بدا أن أحدها يمكن أن يجمع الشتات‏,‏ لا تمضي أيام حتي يعلن غيره‏.‏
وليس هذا إلا مظهرا جديدا من مظاهر أزمة النخبة السياسية والثقافية التي حملت لواء الاصلاح علي مدي نحو ثلاثة عقود‏,‏ فلم تنتج تقدما يساوي حتي ثلاثة أشهر من العمل الجاد‏.‏
فكان ضعف أداء هذه النخبة‏,‏ أو النخب المتناثرة المبعثرة‏,‏ ومازال‏,‏ مسئولا عن الفراغ السياسي والفقر الديمقراطي الراهنين‏,‏ إلي جانب القيود السلطوية‏.‏
فلم تكن هذه القيود إلا وجها واحدا لأزمة التطور الديمقراطي‏.‏ أما الوجه الآخر فهو هشاشة تكوين وضعف اداء النخبة‏(‏ أو بالأحري النخب‏)‏ السياسية والثقافية سواء التي عملت في إطار الأحزاب أو انضمت إليها‏,‏ ثم خرجت منها أو بقيت مستقلة من البداية‏.‏
ولأن الضعف لا ينتج قوة‏,‏ كان طبيعيا أن يأتي أداء الأجيال الجديدة في النخب السياسية والثقافية الداعية للتغيير أكثر ضعفا‏.‏ كما ازداد العمل السياسي عشوائية وارتباكا‏.‏ وساهمت ثورة الاتصالات في ذلك من خلال أثرين أحدثتهما في الساحة السياسية‏:‏ أولهما فتح الباب واسعا للمشاركة عبر الانترنت من خلال مواقع ومدونات شتي‏,‏ فأصبح العمل السياسي في الفضاء أكثر منه علي الأرض‏.‏
وأدي هذا إلي تنامي شعور زائف بالاشباع السياسي من خلال نشاطات ذات طابع افتراضي‏,‏ حتي إذا كان لها أثرها في الواقع‏.‏ أما الأثر الثاني فهو ما يمكن أن نطلق عليه فوبيا الكاميرا‏.‏ فقد انتشرت الفضائيات‏,‏ واشتد ولع الناس بها‏,‏ وازداد عدد الساعات التي يقضونها أمامها‏.‏ وانعكس ذلك علي السياسيين والمثقفين بقضية التغيير‏,‏ فأصبح الهدف الأول لنشاطاتهم هو تصويرها وبثها تليفزيونيا بغض النظر عن النتائج التي تؤدي إليها في الواقع‏.‏
فلم يعد مهما حفز الناس للمشاركة في مؤتمرات وندوات ولقاءات تعقد من أجل الاصلاح وتسعي إلي التغيير‏.‏ فالمهم هو أن تكون الكاميرات حاضرة للتصوير‏.‏ وحدث في بعض النشاطات أن كان عدد الكاميرات الموجودة أكبر من عدد الأشخاص الحاضرين‏.‏
ولذلك‏,‏ فبالرغم من أن القيودة الشديدة التي فرضت علي العمل السياسي في ظل التعددية المقيدة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي خفت نسبيا في السنوات الخمس أو الست الأخيرة لأسباب عدة ليس هنا موضعها‏,‏ لم يحدث تحسن ملموس في أداء النخب السياسية والثقافية التي تحمل لواء الاصلاح‏.‏ فقد تكاثرت نشاطاتها وتبعثرت‏,‏ وازداد إنتاجها للجماعات والتحالفات المؤقتة‏,‏ ولكن في غياب الفعل السياسي المؤثر‏.‏
وإذا كان خطاب هذه النخب يقول إن القيود هي أساس مشكلة التطور الديمقراطي‏,‏ ففي امكان غيرهم أن يذهب إلي أن هذه القيود لم تفعل فعلها المؤثر إلا بسبب هشاشة أداء أنصار التغيير وعجزهم عن إدراك مقتضيات تحقيقه‏.‏
وفي غياب دراسة تسعي إلي تحديد وزن كل من العاملين‏(‏ القيود السلطوية وسوء أداء أنصار التغيير‏),‏ يظل كل من الاتجاهين في تفسير أزمة التطور الديمقراطي نوعا من الاجتهاد‏.‏
والأكيد أن ضعف هذا التطور نتج عن العاملين معا‏,‏ ومن تفاعلهما‏.‏ فما كان لأي قيد أن يؤدي إلي ما آلت إليه التجربة التعددية لو كانت النخب المعارضة والمستقلة أفضل أداء وأكثر تماسكا‏.‏ وما كان لضعف تكوين وسوء أداء هذه النخب أن يحدث كل هذا التأثير لو أن القيود كانت أقل‏.‏
إن نخبا أفضل حالا كان في إمكانها أن تطور منهجا أكثر فاعلية في التعامل مع القيود عبر التركيز علي نشر ثقافة سياسية ديمقراطية في المجتمع خلال المرحلة الأولي للتعددية المقيدة أكثر من الاهتمام بالتصعيد الذي لم تملك مقوماته لإرغام نظام الحكم علي إزالة هذه القيود أو تخفيفها‏.‏
ولأن هذا لم يحدث‏,‏ فقد وضع التطور الديمقراطي بين مطرقة القيود المفروضة عليه ونفاد صبر الرئيس الراحل أنور السادات بسرعة شديدة وسندان أداء النخب السياسية والثقافية المعارضة التي لم تحسن إدراك دورها في هذا التطور‏,‏ فساهمت في تعويقه عبر انصرافها عن نشر ثقافة الحرية والتسامح والتعدد واحترام الآخر والحوار والحل السلمي للخلافات‏.‏
وإذا رجعنا‏,‏ بسرعة‏,‏ إلي النظرية الديمقراطية نجد عدة مناهج في مجال الاصلاح المرتبط بالتحول الديمقراطي‏,‏ وتحديد مقدمات تقدمه أو تخلفه‏.‏ وأهم هذه المناهج اثنان ينطلق أحدهما من منظور ثقافي‏,‏ ويقوم الآخر علي نظرة نخبوية دون أن يغفل الأول حيوية دور النخبة أو يتجاهل الثاني أهمية تأثير الثقافة‏.‏
المنهج الأول لا يري امكانية لتطور ديمقراطي مطرد ومستقر ما لم تنتشر الثقافة الديمقراطية وقيمها الأساسية مثل التعددية وقبول الآخر والتسامح والحوار والتنافس السلمي‏.‏ ويري هذا المنهج أن الثقافة السياسية أهم من المؤسسات والهياكل والأبنية‏.‏ بل يجعله القاعدة أو البنية الأساسية التي يقوم عليها أي بناء ديمقراطي‏,‏ وتعمل في ظلها الأحزاب والمجتمع المدني‏,‏ وتجري في رحابها الانتخابات دون حاجة إلي إجراءات أو قواعد إضافية لضمان حريتها ونزاهتها‏.‏
أما المنهج الثاني فهو يقوم علي أن التطور الديمقراطي يتوقف علي طبيعة الجماعة أو النخبة السياسية‏,‏ أي قادة الاتجاهات والقوي السياسية المختلفة في الحكم والمعارضة‏,‏ ومدي قدرتها علي الوصول إلي تفاهم أو تراض عام حول هذا التطور والأسس التي يقوم عليها ونجاحها في تجنب الانقسامات التي تنجم عن الخلافات بينها‏.‏ فهذه الخلافات تهدد‏,‏ إذا تجاوزت مستوي معينا‏,‏ استقرار النظام الديمقراطي المأمول أو تخلق مخاوف من امكان استئثار حزب أو آخر بالسلطة إذا وصل إليها عبر الانتخابات فلا يغادرتها‏.‏ فالأساس الذي ينطلق منه هذا المنهج هو أن النخبة السياسية التي تستحق الديمقراطية‏,‏ وتستطيع تلمس الطريق إليها والمضي فيه قدما هي التي تتمكن من إيجاد تفاهم عام علي معالم هذا الطريق‏,‏ بما يحقق ثقة متبادلة بين أطرافها‏,‏ ويرسي تقاليد التكيف والتعاون والمساومة وصولا إلي وضع تزيد فيه مساحة التوافق علي مساحة الصراع‏,‏ وتتحول النزاعات الايديولوجية والعقائدية الجامدة بطبيعتها إلي خلافات علي برامج وسياسات محددة في إطار قواعد للعبة مقبولة من الجميع‏.‏
وعلي هذا النحو تبدو الثقافة الديمقراطية قاسما مشتركا جزئيا بين المنهجين‏,‏ مع اختلاف في نطاق هذه الثقافة أو المقدار اللازم توافره منها‏.‏ فالمنهج الأول يتطلب شيوعها في المجتمع‏,‏ بينما يشترط الثاني توافرها في أوساط النخب السياسية والثقافية‏.‏ ويبدو القاسم المشترك الأعظم بين المنهجين هو أنه يصعب التطلع إلي تغيير ديمقراطي كبير بدون عمل واع ومنهجي يقوم به سياسيون يؤمنون حقا بالديمقراطية ويمارسونها فعليا‏,‏ ويحرصون علي أن يكون كل منهم نموذجا لها‏.‏ وهذا منطقي تماما‏,‏ حيث لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين‏.‏

المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.