مواعيد مباريات اليوم السبت في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    الاَن رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي بالقاهرة 2025.. استعلم عنها فور ظهورها رسمياً    اليوم.. نظر محاكمة المتهمين في خلية "داعش العمرانية الثانية"    محاكمة أكبر متهم بتزوير الشهادات الجامعية والمهنية بوادي النطرون    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 6 متهمين فى واقعة انفجار خط غاز الواحات    تامر حسني يدعم كزبرة بعد أول حفل يجمعهما: «كمل يا وحش.. أخوك في ضهرك»    أغرب حكايات اضطراب النوم من داخل معمل «السلطان»    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 24 مايو 2025    122 ألفا و572 طالبا بالصف الثاني الإعدادي بالدقهلية يؤدون امتحاني اللغة الأجنبية والهندسة    عيد الأضحى 2025.. أسعار الخراف والماعز في أسواق الشرقية    نبيلة مكرم عن شيخ الأزهر:" ما بقلوش غير أبويا وما استحملش عليه كلمة"    أخصائية اجتماعية تكشف أسباب ظهور سلوكيات عصبية الأطفال    ميلاد جديد ل«تاريخ لا يغيب».. العالم يترقب «سيمفونية الخلود» على أرض الأهرامات    د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية    «ترانس جاس» تنفي شائعة تسرب الغاز بكفر الشيخ    هزة أرضية بقوة 3 ريختر تضرب جزيرة كريت في اليونان    "تاس": طائرة تقل 270 جندياً روسياً أُعيدوا من الأسر الأوكراني هبطت فى موسكو    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    تعاون شبابي عربي لتعزيز الديمقراطية برعاية "المصري الديمقراطي"    «مش شبه الأهلي».. رئيس وادي دجلة يكشف رأيه في إمام عاشور    نجاح مركز طب وجراحة العيون بكفر الشيخ في إجراء جراحة دقيقة لزراعة طبقية قرنية    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي    حملات أمنية لردع الخارجين عن القانون في العبور| صور    نشرة التوك شو| الاتحاد الأوروبي يدعم مصر ماليا بسبب اللاجئين.. والضرائب تفتح "صفحة جديدة" مع الممولين    خبيرة أسرية: البيت بلا حب يشبه "بيت مظلم" بلا روح    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    الحالية أكثر| 77 عامًا على النكبة.. وفرصة أخيرة لحل الدولتين    ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50%    حرب شائعات.. المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي معلومات مغلوطة بشأن تصدير المانجو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف خيمة تؤوي نازحين في منطقة الصفطاوي بمدينة غزة    حلمي طولان: تراجعنا عن تعيين البدري مدربًا للمنتخب لهذا السبب    واشنطن ترفع العقوبات عن موانئ اللاذقية وطرطوس والبنوك السورية    الضرائب: أي موظف يستطيع معرفة مفردات المرتب بالرقم القومي عبر المنظومة الإلكترونية    صور عودة 71 مصريا من ليبيا تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي    ترامب والشرق الأوسط.. خطط مخفية أم وعود حقيقية؟!    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تعلن قائمة المقبولين بمسابقة ال30 ألف معلم    الأرصاد الجوية: طقس الغد شديد الحرارة نهارا والعظمى بالقاهرة 37 درجة    مصر تعيد 71 مواطنا مصريًا من ليبيا    وفاة 3 شباب إثر حادث سير أليم بكفر الشيخ    سعر الذهب اليوم السبت 24 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 24 مايو 2025    إسقاط كومو لا يكفي.. إنتر ميلان يخسر لقب الدوري الإيطالي بفارق نقطة    "الظروف القهرية يعلم بها القاصي والداني".. بيراميدز يوضح تفاصيل شكواه للمحكمة الرياضية بشأن انسحاب الأهلي أمام الزمالك    صلاح سليمان: مباراة بتروجت مهمة للزمالك لاستعادة الانتصارات قبل نهائى الكأس    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    "الثقافة" تصدر "قراءات في النقد الأدبي" للدكتور جابر عصفور    نابولي يهزم كالياري بهدفين ويحصد لقب الدوري الإيطالي    تعرف على نتائج المصريين فى اليوم الثانى لبطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    وزير الزراعة: صادرات مصر الزراعية إلى السعودية تتجاوز 12% من إجمالي صادراتها للعالم    قبول 648 مدرسًا جديدًا ببني سويف ضمن مسابقة 30 ألف معلم    نصائح لتجنب الارتجاع المريئي، و7 أطعمة تساعد على تخفيف أعراضه    أخبار × 24 ساعة.. حصاد 3.1 مليون فدان قمح وتوريد أكثر من 3.2 مليون طن    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    بحضور انتصار السيسي، "القومي لذوي الهمم" ينظم احتفالية "معًا نقدر"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستاذ محمد حسنين هيكل
قاد ثورة للوصول إلي عصر الصحافة العصرية ويطالب الشباب بثورة صحفية جديدة
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 12 - 2015

من اول يوم دخل الاستاذ هيكل الي الاهرام ربما كان أول الخيارات التي طرحها علي أهلها انه لابديل عن صحافة عصرية بأصول وقواعد, والأهرام مهمتها تشكيل الرأي وبناء الفكر وليست مجمعا استهلاكيا والصحفي المشغول بالبحث عن الانفراد بالخبر وتحليله يجب ان يكون مثقفا ومسيطرا علي ادواته الفكرية والمعرفية والمهنية ويجب أن يتخلص تماما من حياته البوهيمية..
سألت مرة الاستاذ هيكل عن الروشتة التي حول بها الاهرام الي بستان عالمي للمعرفة فدعاني وجيلي للثورة عليه وعلي الروشتة التي طبقها ومدرسته الصحفية التي اسسها لأنها تمت في زمان يختلف وكانت لها ظروفها, و طلبت منه النصيحة بمناسبة بلوغ الاهرام عامه الأربعين بعد المائة فيقول: هذا هو مصدر الخطر ويفرض عليكم واجبات لابد ان تؤدوها وثورة لابد ان تقوموا بها, والأهرام الذي وصل الي مكانة لم يصل اليها إلا صحف ومؤسسات قليلة حول العالم وفي مصر فإن المؤسسات التي تجاوز عمرها ال140 سنة بعد الأهرام لا تتجاوز أصابع اليدين وقبل ان يكون طول العمرنقطة للتفاخر, فهو مسؤلية وليس ترخيصا لاطلاق الشعارات القديمة.
وهذه محاولة للإجابة عن سؤال اللحظة: كيف استلم الأهرام وخطط وبني ووضع نموذجا لنهضة صحفية مازلنا نحتاجها الي اليوم.. وما هي تصوراته لمستقبل صحافة الخبر والتحليل التي اسسها؟
...........
تسلم الاستاذ هيكل الاهرام عام1957 وهو يصارع الهبوط ليس فقط في مستوي التوزيع الذي لم يكن يزيد عن عدة الاف من النسخ ويقل كثيرا عن الصحافة الجديدة التي كانت تخطف الاهتمام وتتماشي مع العصر,
ولكن تخلف الاهرام ايضا كان في تمترسه خلف عدد من الشعارات التي كان يغطي بها عجزه عن ملاحقة العصر, من بين هذه الشعارات التي كان لها بريقا وقتها; ان من لم ينشر نعيه في الوفيات كأنه لم يمت.. ومنها كذلك الخبر الذي لم ينشر في الاهرام كانه لم يحدث والواقع ان هذه الشعارات التي كان لها صدي بشكل ما كانت تغطي عدة حقائق عن الأهرام وقتها.
-- كانت الجرائد مواقع للبوهيمية التي كانت تشبه حياة الفنانين وكل المهن المرتبطة بالإبداع, فكان رأي الاستاذ هيكل ان أي جورنال يحترم نفسه ويحترم زمانة مطلوب يكون فيه نظام وإما يكون مكتب رئيس تحرير ومعه صالة تحرير محترمة بدون كلام فاضي زي الواحد ونص وغيره واما بلاش.
وتفسير صحافة الواحد ونص لا يخلو من طرافة.. فقبل الاستاذ هيكل كان مكتب انطون الجميل باشا رئس التحرير يتحول الي بوفيه, وكل الناس قاعدة حواليه يتكلمون ويأكلون, كان مكتبه يجتمع فيه كل ليلة السياسيون والصحفيون مصطفي وعلي أمين يفوتوا وتحلو السهرة, وكامل الشناوي كأنه فاتح مطعم من الساعة الخامسة حتي السابعة, يفرش مكتبه بالورق وتنزل صواني الفتة وييجي السجؤ والجبن والبسطرمة وسيارة الركيب تقف امام الاهرام بصواني الكباب والكوارع, ويلتف حولها طوغان وحفني محمود وعبد الجليل أبو سمرة, وغيرهم, وعندما تولي هيكل رئاسة الاهرام قال: بلاش كلام من ده, وزعل كامل الشناوي وأصر هيكل مفيش عربية الركيب كل يوم بتنزل كرشة, بل كان احد الشعراء عنده تجارة خاصة اسمها واحد ونص يلتف حوله الصحفيون لأنها كانت تجارة مرتبطة بالمزاج, ويطلبوا من مطعم بولس بيض مقلي وسجؤ و ويتخلي الاساتذة عبد الحميد سرايا وممدوح طه وصلاح هلال عن وقارهم, كله بياكل واضطر هيكل ان يدخل في مواجهات. علي هذه العادات التي خدعته اجواؤها في البداية. لكن كان لابد من وقفة لوقف هذه السلوكيات البوهيمية.
- وأصحاب الأهرام كانوا غرباء عن مصر وقد اتخذوا قرارا بإصدار صحيفة وأن تعيش هذه الصحيفة. فكان لابد أن يتناولوا كل القضايا بحياد وحرص وحذر شديد.ولولا هذا الحرص ربما كانت الأهرام ما عاشت الي اليوم, لكن كان ذلك علي حساب التفاعل مع قضايا الحياة اليومية للناس.
- الصحافة في العالم المتمدين كله تنشأ لمواجهة الحكام أما عندنا فالصحافة نشأت لتشجيع الحكام ولتبليغ الناس ماذا يريد الحكام, علي طريقة نشأة الشعر العربي القديم جزء في مدح الامام والامير والملك وجزء يريد ذهبه!
- منذ أيام الفراعنة ونحن عندنا ثنائية الفرعون والكاهن والحاكم والقسيس. واخيرا شهدنا بعضهم حاول أن يقنن الاستبداد بالسلطة بإيهام الناس أنه يحكم بما أنزل الله وجارنا يحاول أن يحكم بسلطة الكاهن والحاخام!, فهذه المنطقة خرجت من تحت حكم الفراعنة ثم الإغريق والرومان والأتراك والانجليز عندهم استسلام غريب لما جرت به المقادير.
- وفي الصفحة التي كتبها في الاهرام انطون الجميل في نهاية حكم الملك فؤاد قال: الملك فاروق يتبوأ, لم يشيد بالرغبة او الإرادة الشعبية ولا مؤسسة ولا دستور,وهذا الخلل في الاداء الصحفي تسبب في خلل في خيارات الناس,.. وفي الأداء الصحفي فكانت الصحافة مرتبطة باللغة وجمالياتها ولكن الحادث والخبر ليس هو الموضوع.....
- وللحق فقد حرص اصحاب الاهرام علي تطوير صناعة الصحافة فادخلوا الصور لاول مرة واحضر تكلا باشا ماكينات الجمع السطرية والطباعة بالالوان وقد كان هذا التطوير مرتبطا بحرص شديد في اختيار معاونيهم, فقد كان انطون الجميل باشا ليس فقط من نفس الملة بل كان سكرتير اللجنة الاقتصادية في مجلس الشيوخ, وهي مؤسسة شرعية معترف بها, كانت اختياراته موفقة صحيح كان اختيار المالكين من العائلة لكن الأعضاء المصريين كانوا علي درجة عالية من الكفاءة والاستكانة وكانت معايير الاختيار دقيقة حتي يحافظ علي حياد الأهرام, كانت خلطة غريبة تركت الساحة لبروز صحافة أخري بالتميز والظهور مثل صحيفة الجهاد وصحفيين مثل أبو الفتح والرافعي والتابعي, ودياب, وكانت هناك مدارس جديدة في الصحافة مسمعة وواكلة السوق مثل مدرسة مصطفي وعلي أمين القائمة علي الاثارة والخبر الشعبي ومدرسة التابعي القائمة علي جمال اسلوبه الصحفي والحكايات وبعض النميمة والابهار في مجلة الحمامصي, وكانت المقارنة باستمرار لصالح الصحف المصرية, وكان أصحابها رأسمالية صغيرة صحيح ولكن كانت تعرف قواعد السوق وتتعامل بجرأة,
قطعا كما يواصل الاستاذ هيكل كانت مدرسة التابعي مدرسة أسلوب وليست مدرسة حركة, لم يهتم كثيرا بالريبورت أو التقرير الخبري لكنه كان يركز علي الروايات والحكايات والدخائل, وهي المدرسة التي طورها الأستاذ مصطفي أمين بعد ذلك وأضاف لهاgossip أي النميمة التي تنتشر وتروج وسط الطبقة المتوسطة, وكانت موجودة في دخائل السلطة حكايات عن النحاس باشا وماذا فعل محمد محمود في أوروبا وكل الفترة التي قضاها في الدراسة6 أشهر وكانت مهمة الاستاذ هيكل وقتها ان يخرج الاهرام من دائرة الحذر والاحساس بالاغتراب والحساسية فكان عليه أن يمصر الاهرام ويزيل شبهة الطائفية باختيار مسلمين في الوظائف الادارية العليا
والي جانب التمصير والأسلمة, لاحظ باستمرار انهم كانوا حريصين علي اختيار ناس امعات أو علي الأقل لا تعمل مشاكل باستثناء مسلم واحد وهو أحمد الصاوي محمد وهو اول رئيس تحرير مصري للأهرام, لم يكن في جرأة محمد أبو الفتح مثلا بل كان إما مسافرا أو هادئا وساكنا وغير مثير للجدل والقلق.
وكان لابد ان يدخل الاستاذ هيكل مدرسة الحركة بدلا من مدرسة التسكين والاستسلام الي شعارات وليدة الحذر منها شعار ان من لم ينشر نعيه في الاهرام فكأنه لم يمت.. فتساءل كيف والملايين التي لا تستطيع الاعلان ألم تمت؟.. وعلي نفس الوزن ان الخبر الذي لم ينشر في الاهرام كانه لم يحدث وعندما سمع هذه الخدعة من الغمراوي باشا علق بان هذا كلام فارغ, واسس مدرسة الحركة في الاهرام وكان نواتها مجموعة من اوائل قسم الصحافة منهم امال بكير ومحمد باشا وفهمي هويدي وسامي متولي وماهر الدهبي وحسني جندي او من الشباب الواعد في صحف واماكن اخري مثل سناء البيسي وتوفيق بحري وسلامة احمد سلامة وابراهيم نافع ومحمد حقي واحمد بهجت
واستطاع في خلال شهور ان يجعل الاهرام تحتكر صناعة الخبر الحقيقي وتنفرد وتفرض اسلوبها في الوصول الي عمق الخبر وصناعته وتحديد نوعية الخبر الذي يستحق النشر البعيد عن الاثارة والتهويل والنميمة..وانطلاقا من قاعدة لا راي الا علي قاعدة خبر تميزت مدرسة الاهرام بالمقال التحليلي والتفسيري الذي يتناول بالشرح والتحليل والتفسير القضايا القومية الكبري.
سألت الاستاذ هيكل: اين ذهبت صحافة الخبر ؟
الصحافة الان صارت في اغلبها تعتمد علي كم الاخبار وهي صحافة ملو المقطف, مطلوب التخلص من قيود صحافة الخبر وهي المدرسة التي راجت في زمن آخر وجاء التليفزيون ثم جاءت الفضائيات واخيرا الصحافة الالكترونية فسلبت الصحف هذه الميزة, وهذه الصحافة معرضة للمخاطر اكثر من اي وقت آخر فاي قارئ صار صحفيا وللأسف احترف الصحافة صحفيون لا يقرءون وبالتالي لا يستطيعون تجاوز شكل وسطح الخبر, نحن الان مسبوقين بالخبر وعناصره فالجرائد لها مواقيت في اول او اخر النهار والي الآن الصحافة المصرية لم تدرك هذه الحقيقة وان الصحافة الالكترونية لاترحم ولن يوقف صحافة الاشاعة والفيسبوك الا ثورة وهي مطلوبة وضرورية يقودها الاهرام لأنه هو القادر عليها أو أي صحيفة أخري في تطوير آلياتها ومسارات العمل بها أولا ثم تصرف علي اعداد الصحفي الشامل المثقف القادر علي ان يصل بتحليله ورؤيته وفهمه لأبعاد الاحداث والاخبار الي مالا تصل اليه عين الكاميرا, فهذه فرصة النجاة للصحف, من سطحية وتسرع الصحافة الالكترونية التي تتقوقع خلف الاثارة لتحقيق أعلي معدل من القراءة أو الترافيك, ويكرر الاستاذ دائما أن صحافة ملو المقطف لا تبني أمة ولا تشكل وجدان قارئ ولا تعيش,
.................
.................
والأستاذ هيكل يؤمن بخلود الكلمة وأن القلم هو الباقي أما الكراسي ومن عليها فهم زائلون.. وقد أنتج معظم إبداعاته من الكتب السياسية التي شغلت الدنيا وأكدت لعقود ان مؤلفها بقي أهم صحفي في العالم رغم أنه بعيد عن الكرسي, وهذه الزاوية هي سر إعجابه يوما بوصفي له أنه يعيش في حديقة لها قصر, عن وصفه بأنه يعيش في قصر له حديقة, وشأن كل عاشق للحرية والتحليق وعازف عن الاقتراب بأكثر مما ينبغي حتي لا يكون أسيرا للجدران والأدوار والقيود صنع موسوعيته الفكرية ورؤيته وخبرته الصحفية.. وسألني فيه أيه معاك تاني؟
قلت له: لقد جربت ومارست العمل تحت كل أنواع الملكية الصحفية, عملت في صحافة الشركة وهي الايجبشيان جازيت التي كانت تملكها الشركة الشرقية للدخان عام1942, ثم عملت في الصحافة الحزبية حين انتقلت إلي آخر ساعة التي كانت تعبر عن حزب الوفد, بعدها انتقلت الي الأهرام وكانت صحيفة أسرة يملكها أحفاد المؤسسين سليم وبشارة تقلا عليهما رحمة الله, ثم صارت الأهرام صحيفة قومية.. صحيفة هدفها الحفاظ علي الدولة, فقاطعني: الدولة ليست بضاعة لكي نحافظ عليها فهي الكيان الشامل الذي يعيش بقوة التاريخ والبقاء من قبل الأهرام بآلاف السنين بل قل كان هدفها التعبير عن إرادة ومصالح شعب وإدارة وطن, وواصلت السؤال الذي شعرت أنه طويل جدا وفي هذه الفترة التي امتدت لأكثر من15 سنة بدأت رحلتك صحفي للجريمة ثم ذهبت لتغطية الحرب في العلمين وهي ذروة المآسي التي عاناها شعب مصر وكانت القاهرة علي مسافة غير بعيدة عن مركز الحرب في العلمين, وبعد الحرب عملت صحفيا للمسرح والبرلمان والسياسة وتعاملت مع أساتذة وخبرات متنوعة بدءا من اسكوت واطسون هارولد إيرل في الايجبشيان جازيت الي محمد التابعي في آخر ساعة ثم مصطفي وعلي أمين وقد كانا صحابي مدرسة صحفية مثيرة, كيف استفدت من كل هذه الرحلة الثرية والغنية في بناء وتأسيس مدرسة الأهرام الصحفية الحديثة التي ضمت والتحق وتخرج فيها رواد في الصحافة والادارة مثل أحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس وإبراهيم نافع وعلي حمدي الجمال ويوسف صباغ وصلاح هلال, ومازلنا نلهث ونحاول الحفاظ علي قيمها حتي اليوم.. ثم وجدتني أطمع في كرمه فخرجت عن الموضوع بشكل استغربت له وقلت: ألا تري أن اللعبة الدولية التي تعيشها مصر اليوم تشبه الظروف التي توليت فيها الأهرام بعد العدوان الثلاثي وانتصار مصر في معركة السويس, وتشبه الظروف التي حاصرت مصر أيام الثورة العرابية وقادت لاحتلال مصر واضطر الأهرام إلي أن يعالج الثورة العرابية في سطور ويأخذ موقفا منها لدرجة أنه وصف عرابي ورفاقه بالعصاة؟
فقال الأستاذ: لابد من وجود سياق لنشاطنا ولم يقل للحوار وأضاف: سنتعرض لكل هذا من خلال السياق العام هو استعراض صفحات الأهرام.. وهكذا بدأنا..
.......................................
وفي عدد الأهرام الصادر28 أكتوبر1876 انحاز محرر الأهرام إلي الباب العالي والدولة التركية في حربها مع روسيا, إذ خاب سعي الروس وحبطت نواياهم.. لخصه بيت كان عنوانا لافتتاحية طويلة:
كنا نحاذر من عدو أصفر
حتي بلينا بالعدو الأزرق
وكما ينتقد الأهرام في19 يوليو1878 الدولة العثمانية من الاستمرار في تقديم التنازلات والانصياع لمؤتمر برلين بالتنازل عن قبرص لانجلترا لأن ذلك يجعل لانجلترا سطوة عظيمة في البحر المتوسط ويفتح لها أيضا أبواب سوريا ومصر, ويمهد السبيل لمواصلة الاستيلاء علي الشرق مستقبلا.
نبوءة أقرب الي رؤية العين لأطماع انجلترا في منطقة المتوسط وتحينها للفرصة المناسبة للانقضاض علي الفريسة مصر وهي نبوءة للأهرام مبكرا بأهمية الجزيرة القبرصية للأمن القومي المصري وتضيف عمقا تاريخيا للعلاقات الخاصة التي يحرص الرئيس السيسي علي اقامتها مع قبرص واليونان التي مازالت تركيا تحتل جزءا منها حتي الآن
.. وقرأت:
تزينت وزهت أيامنا وصفت
بنور توفيق هذا الكوكب العالي
من يصدق أن هذا البيت الذي يمدح فيه محرر الأهرام الخديو توفيق في صدر موضوع عن هلاك الزراعات بسبب نقص المياه وسوء حال الفلاح حتي صار العود في أرضه نوعا من الحطب!
فعلق:.. وهنا تكمن قيمة الثورة التي قادها عرابي
كتبت من قبل عن الثنائيات.. عبد الناصر ومحمد علي في الاستقلال والتحديث وعن محمد عبده ورفاعة الطهطاوي في الاجتهاد والتنوير كيف جمعت بين عرابي العسكري وبين مصطفي كامل السياسي:
قال المهم القيم والمبادئ والغاية وليس لون الزي فقيمتهما في التنبيه وايقاظ الوعي, وقد ظلمت الظروف عرابي وقتها!
وأضاف: رغم ما فعله الانجليز في محاولات تغيير الثقافة المصرية وقد نجحوا بقدر ما عندنا لكنهم في اليابان فشلوا لأنها تغيرت لصالح الثقافة الأصيلة للبلد, لأن السياق الثقافي في الهند والصين واليابان لين لا ينكسر, لكن عندنا عقلية الجهاد ومفهوم الدين عندنا شيء مستقيم وقد احتمي به عرابي بشكل ما وهو احتماء صحيح ضد الأجنبي, لكن المصالح ورأس المال والديون غلابة في منطقة جري سباق عليها كثيرا.. ماك آرثر لم يستطع أن يكسر البنيان الثقافي الياباني لأنه طيع ومرن, أنت عندك عقلية الجهاد لديك طريقتان للنظر للأشياء كيف تراها انت وكيف يراها هو, منطقة لم تكن منتجة بل متاجرة حتي الآن,منطقة عندها استعداد للتبعية, الي أن يأتي حاكم ينحي أشياء ويطرح مجموعات قيم مختلفة غير قيمة خليها علي الله طبعا خليها علي الله مطلوبة حتي نشتغل وننتج ولا نكتفي بالتجارة, فالمتاجرة تعلم المساومة وهذه العقلية التجارية مازالت تحكم العلاقة حتي الآن!
........
ثم استعرض نتاج مجلس الشعب الأخير وتساءل هل هذا معقول؟
أعلم أنه لم يتم اللعب في الصندوق بأي حال لكن هذه اختيارات الناس في هذا الزمان, فالتزوير ليس شرطا أن يكون داخل الصندوق لكن تزوير المناخ العام للوصول الي نتيجة محددة هذا هو الأخطر, فمنذ هزيمة1967 لايمكن أن نعزل الصحافة ولا أي شيء عن محيطه المحلي والاقليمي.
............
رفعت العدد الذي تتصدره قصيدة لحافظ إبراهيم وقلت يمشي عرابي ويأتي حكومات الاحتلال وتعلن الأحكام العرفية ويعزل عباس حلمي لعلاقته بالأتراك ونسبه النمساوي فتتصدر الصفحة الأولي قصيدة لحافظ ينتقي منها الأستاذ:
هنيئا أيها الملك الأغر.. بلغت بنا الربوع فأنت حر
- هذا يؤكد ماقلناه وهو مبدأ الاستسلام للحاكم وفق مبدأ فأنت حر.
وفي وداع الملك فؤاد وبداية عهد الملك فاروق تصدر الصفحة الأولي مقال لأنطون الجميل يعبر عن نفس المعاني في استقبال حاكم جديد نثرا كما عبر عنها حافظ شعرا في استقبال السلطان حسين كامل, ولفت الأستاذ نظري الي معني كلمة تبوأ.
ثم يتذكر الأستاذ ضاحكا وكأن المشهد أمامه:
لازم أنطون باشا وقف الأهرام علي رجل حتي كتب هذه المقالة وداخل من الحمام وخارج من الحمام وشايل ملف وورقة تقع, ويطلب أكل والصواني تنزل..
قلت: تلاحظ يا استاذنا أن الصفحة بها خطاب من السفير البريطاني يحيي اعتذار ابن السلطان حسين لوالده عن عدم استلام الحكم وفي غياب نظام لانتقال السلطة بين الأسرة.
كشف الأستاذ: لا.. لا.. السفارة البريطانية اشترت ابن السلطان حسين كامل حتي يعتذر عن تسلم السلطة من والده لأنهم كانو يريدون الملك فؤاد!!
ثم قرأ الأستاذ قصيدة حافظ مرة أخري:
سلام ايها الملك الأبر بلغت بنا الربوع فأنت حر
قلت كلهم يقولون عن الحاكم نفس الأوصاف بكلمات مختلفة لكن:
هل شوقي أشعر من حافظ ؟
فرد بلا تردد قطعا... حافظ تجربة مجلية هناك فرق في التعرض للثقافات, شوقي تغزل في باريس من خلال حسناء وعاش زمنه وعبر عنه, واحتكاكه بالثقافة الفرنسية والأوروبية صقل موهبته
قلت حافظ ربما كان لامس هموم المصريين أكثر لأنه فقير؟
لامس الصراخ والنواح ويستطيع أن يندب زيهم, لكن شوقي عاش عصره وكان فيه فوران ثقافي وانفتح علي أوروبا فيه حاجة تانية أقول لك ولا تزعلش.
قلت: أرجوك!
قال الفرق بينهما هو الفرق بين طبق الفول والكافيار!
ولكنه عندما نفي شوقي فضل أن يذهب الي اسبانيا وليس باريس.
قال هذه اختيارات مجاملة من الحاشية وجدوا أنه سيستفيد من الأندلس أكثر.
لكن هل خدمته العودة مع بدايات ثورة1919 ولو لم ينف كان ظل شاعر القصر وليس شاعر الثورة؟
ممكن ولكن كانت له أيضا صولات أدت الي نفيه منذ البداية وكان طرفا موجودا ومؤثرا في الدعوة لليقظة الوطنية مع احتفاظه بالوفاء لعباس حلمي, وكان صادقا عندما قال:
أأخون اسماعيل في أبنائه وقد ولدت بباب اسماعيل
الوفاء ميزة و فضيلة في المبدع
فيه وفاء نفعي المتنبي بجلالة قدره كان يأخذ الصرة أو شيء موازي للصرة, كان مشكلة شوقي الوحيدة وعيبه وهو الباقي الوحيد من عصر معين أن يحصل علي الباشوية رغم أن الباكوية بجوار اسم شوقي أفضل مائة مرة من الباشوية
قلت جاء في الصفحة الأولي من الأهرام في اليوم التالي للثورة قرار رئيس مجلس الوزراء بالغاء الألقاب, هل يعني هذا رمزيا القضاء علي عصر بأكمله؟
كانت الألقاب محل جدل قبل قيام الثورة, فالألقاب في مصر كانت مرهونة بإرادة شخص واحد منذ أيام سيف الدولة وأسد الدولة وعضد الدولة في حين أنها في انجلترا تعرض علي مجلس اللوردات فممقدار ما يكون اللقب مصدر هبة بمقدار ما يكون التخلف, وختم الأستاذ ببيت من الشعر لمحمد ابن عمار الشبلي الأندلسي الذي لقب بزي الوزارتين السيف والقلم نسبة لإجادته فنون الحرب والقتال, الي جانب نظم الشعروالكتابة فقال:
ألقاب مملكة في غير موضعها.. كالهر يشكي انتفاخا صولة الأسد
...................
بصولة الأسد انتهي اللقاء مع صاحب البستان عميد أسرة الأهرام, الذي تحولت الأهرام في عهده وهو المؤسس الثاني لنهضة الأهرام الحديثة إلي بستان معرفي فريد داخل مبني من طراز معماري مريح ودافئ, حين احتضن القامات الثقافية والمعرفية التي نشرت إبداعاتها عبر صفحاته وبعد أن كان الأهرام يستتر بحذره الي حد الجمود خلف شعارات الوقار والرزانة والمصداقية صار بعد ثمانية عشر عاما من رئاسة هيكل مصدرا للمعرفة ومنارة للإبداع, فضلا عن احتكاره للخبر الدقيق تميز بتحليلاته التي تصل بالقارئ الي ما وراء الحدث..حتي قفزت ارقام توزيعه ومكانته الي مصاف الصحف الكبري التي لايزيد عددها علي أصابع اليد في كل انحاء العالم,..
.. وهكذا الأستاذ هيكل دائما أمام قارئ الأهرام.. ولاءاته المعنوية والعاطفية كما قال تتداخل مع التزاماته العملية والمهنية ومهما كانت ظروفه الصحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.