فيما نشرته بوصفه انفرادا طرحت إحدى الجرائد الخاصة تقريرا صحافيا يتضمن عددا من المعلومات والوقائع حول انضمام عدد من أبناء قيادات الإخوان إلى داعش، وأوردت عددا من الأسماء من بينها نجل برلمانى سابق بالإسكندرية، ونجلا شقيق أحد أعمدة الجماعة ممن أداروا على نحو واضح عملياتها الإرهابية الإجرامية فى العامين الماضيين، واللافت أن الأسماء جميعها هاربة من مصر، وتعيش لدى الخليفة الكوميدى أردوغان حليف داعش الأساسى فى المنطقة، وبما يعنى أن العصابات الداعشية تمرح بلا أدنى مساءلة أو وجل فى العاصمة العثمانية التى تبغى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وعضو الناتو الذى اتهمته الخارجية الروسية وفق معلومات موثقة بأنه يشترى النفط من داعش فضلا عن جعله يمر من خلال الأراضى التركية، وبما يكشف عن لحظة فارقة فى تاريخ العالم والمنطقة معا من جهة، وعن تحالفات شديدة التعقيد والاضطراب من جهة ثانية، لكن ألغاز هذه التحالفات ومغاليقها يمكن أن تفض بسهولة فى حال التعاطى الجاد مع عدد من الأطروحات النظرية الحاكمة للعالم الجديد الآن، من قبيل: محاولة تسييد النموذج الأمريكى وفرض نسق القطب الأحادى المهيمن على مقدرات العالم على نحو سرمدى وبما أفضى إلى مأزق حقيقى للنظام العالمى الجديد، وتوظيف الاستخبارات الغربية للقوى الإسلامية فى ضرب الفكرة الوطنية فى بلدانها، وعمل هذه القوى فيما بعد بوصفها مخلب قط للاستعمار الجديد، فى إطار فكرة التحالف القذر ما بين الرجعية والاستعمار، وتوظيف بعض اللاعبين الإقليميين والدول الباحثة عن دور فى احتضان المتطرفين ومدهم بالمال والسلاح ودفعهم لمواجهة الأنظمة فى البلدان الحضارية المركزية فى العالم العربى. كل هذه التصورات وغيرها كثير تمثل فى حقيقة الأمر المناخ العالمى العام الحاضن لصناعة الإرهاب والتطرف فى عالمنا العربى، لكن فى جوهر الأمر وعلى مستوى النقد الداخلى للذات العربية فإن هناك عددا من المشكلات السياسية والثقافية التى تجعل داعش والإخوان ينهلان من معين فكرى واحد، فليس ثمة فارق بين داعش والإخوان فى الإطار الأيديولوجى الحاكم لكليهما، بل إنه وفقا للسياق التاريخى ذاته فإن جماعة الإخوان تعد بمنزلة الحاضنة التاريخية لداعش وغيرها من الجماعات الدموية، والجماعة الإخوانية ذاتها تاريخها مسكون بالدماء سواء قبل ثورة يوليو المجيدة 1952 أو بعدها، حيث تمارس الجماعة فى اللحظات التى تحددها وحدها العنف والإرهاب بالطريقة الداعشية ذاتها، أو بعبارة دقيقة بالطريقة التى سلكتها داعش فيما بعد واتخذتها منهاجا لها، ويظل الفارق الجوهرى أن الوجه الدموى لداعش يظل مهيمنا على فضاء الصورة والمشهد طيلة الوقت، بينما الوجه الدموى للإخوان يقابله وجوه أخرى فى إطار التقية الإخوانية والالتفاف على حقائق التاريخ، ومحاولة اجتذاب أنصار جدد بتقديم وجه آخر يدعى الاعتدال بينما هو غارق حتى أذنيه فى التطرف وصناعة الإرهاب. لقد سعت الجماعة الإخوانية ولا تزال إلى السلطة بأى ثمن، فالصفقات حاضرة دوما، والاقتطاع من الأوطان معنى ومبنى لا يعد فى عرفهم شيئا ذا بال، فأرض الله واسعة وكلها ديار الإسلام، ومن ثم فلم يكن لديهم أى مانع أن يذهب جزء من سيناء العزيزة إلى غزة، ولم يكن لديهم أدنى مانع فى أن تضم السودان حلايب وشلاتين، فالوطن مفهوم غائم فى وعيهم، وغائب عن أدبياتهم، والخلافة الوهمية هوس مسيطر عليهم، والسلطة نصب أعينهم، وما يطلبه السيد الإمبريالى هم طوع إشارته وفى خدمته دائما، مادام يحقق لهم مصالحهم، ومصالح تنظيمهم الدولى الكهنوتى الذى يفوق فى غموضه التقرير البريطانى الأخير حول أن الانضمام إلى الإخوان يعد مؤشرا محتملا للتطرف!، والحقيقة أن الانضمام إلى الإخوان هو عينه الانضمام إلى داعش، وما بين الإخوان وداعش مثل الذى بين أمريكا وبعض العواصمالغربية الكبرى، حيث لا يمكنك الفصل أبدا، فالتوجهات والأطر الفكرية الجامعة والتصورات صوب العالم والممارسات الفعلية واحدة تقريبا. أما السياق الفكرى الحاكم لكل من داعش والإخوان، فيعد بمنزلة الجسر الواصل بينهما، فالجماعة الإخوانية الأم ترى أنها جماعة ربانية، وداعش ترى أنها تنفذ مراد الله، والجماعتان تعتقدان فى أننا نعيش فى مجتمع الجاهلية وأن الهداية تكمن لديهما، بوصفهما ممثلتين للسماء حصريا، فأتباعهما هم المؤمنون حقا، وغيرهم إما كفرة وإما عصاة فى أحسن الأحوال!!.وبعد.. يظل تشخيص الأزمة ركنا أصيلا من أركان حلها، غير أنه لن يجدى أبدا مادامت ظلت الخطوات المتبعة من الدولة المصرية منفصلة عن الواقع فيما يتعلق بتحديث التعليم وتطويره بما يتواءم مع اللحظة الراهنة، وإعطاء الثقافة مساحة واسعة من بلورة خطاب سياسي/ ثقافى تنويرى مختلف، والمؤسف أن المؤسستين التعليمية والثقافية بهما عطب كبير، وتتحركان بقوة الدفع الذاتي، فلا خيال جديدا، ولا خطط مختلفة، والدولة نفسها لم تمنح نفسها فرصة لمراجعة هذين الملفين المهمين لانشغالها بملفات أخرى تبدو فى عرفها أكثر حيوية وراهنية، فى ظل حراك دولى وإقليمى متسارع، وهذا جميعه يمكن تفهمه واستيعابه أيضا، وإن ظل أمام صانع القرار المصرى مسئولية تاريخية لاستعادة القوة الناعمة المصرية، وجعل الثقافة والتعليم جزءا مركزيا من مشروع الدولة الوطنية عقب ثورتين مجيدتين فى يناير 2011 ويونيو 2013 لم تحركا شيئا فى هذين المنحيين الأكثر أهمية فى معركة الأمة المصرية مع عصابات الرجعية والتطرف وقوى الإسلام السياسى المتحالف مع الاستعمار الجديد بسفور بالغ وانحطاط تاريخى لا مثيل له. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله