بباريس بضاحية مونتروى «شرق العاصمة»، استقبل معرض الكتاب للناشئة والأطفال رواده «160٫000» زائر وبمشاركة "450" ناشراً من كافة أنحاء العالم، متبنيا محورا رئيسياً عنوانه :"العلاقة بين الواقع والخيال"، لتعليم الأطفال التفرقة بينهما والتعامل والاستفادة منهما، فجاءت رواية "أليس فى بلاد العجائب" موضوعاً رئيسياً فى المعرض عبر لوحات ورسومات مختلفة تحكى معها عوالم مدهشة تخلط بين الواقع والخيال. صالون الكتاب الذى بدأ فاعلياته من 2 - 7 ديسمبر الحالى عاش حالة خاصة جداً هذا العام فرضتها أحداث الإرهاب التى وقعت مؤخراً بفرنسا والتى ألقت بظلالها على وجه عاصمة النور والجمال .. الجمال يتحدى الإرهاب استقبلتنا صالات المعرض بحفاوة بالغة.. حالة من الفرح تسود الأروقة .. المعرض بأدواره الثلاثة يعج بالزحام .. الأطفال بصحبة الأهالى .. الكتاب والناشرون يشاركون الاحتفالية .. طوابير الأطفال الطويلة فى انتظار توقيع من المؤلفين على الكتب التى قاموا بشرائها .. صوت الموسيقى يصدح فى أرجاء القاعات .. لوحات وجداريات ملونة ومبهجة على الجدران.. عروض مسرح العرائس.. ورش رسم وتلوين.. هل هو تحدٍّ للإرهاب؟ أم أنه إصرار على المضى والاستمرار فى طقوس الحياة اليومية العادية وكأن شيئاً لم يكن؟ أم لعلها رسالة من الحكومة الفرنسية تبثها عبر صالون الكتاب؟ فى كل الأحوال كان المعرض يمثل لى نقطة نور مضيئة تنتصر للحياة والثقافة والإبداع .. طرحت تساؤلاتى هذه على سيلفى فاسالو مديرة المعرض، فأجابتنى قائلة : تعرض الصالون هذا العام لضغوطات شديدة بسبب أحداث الإرهاب التى وقعت فى باريس مؤخراً والتى تسببت فى حالة حقيقية من الذعر والخوف بيننا جميعاً، وأُقيم صالون الكتاب على خلفية هذه الأحداث، فكان قرار الحكومة الفرنسية لأول مرة فى تاريخ المعرض بمنع الزيارات الجماعية للمدارس والاكتفاء بصحبة الأهالى لأطفالهم .. بالطبع تأثر صالون الكتاب كثيراً بهذا القرار، فجمهورنا الحقيقى هو أطفال المدارس والذى يمثل قطاعاً كبيراً من رواد المعرض.. على أى حال كان علينا تفهم واحترام قرار حكومتنا.. لكنها لحسن الحظ تراجعت عنه، وسمحت بزيارات المدارس فى اليوم الثالث، ربما جاء القرار متأخراً بعض الشئ ولكن لابأس, سارت الأمور بعد ذلك بصورة طبيعية.. وتضيف مديرة صالون الكتاب قائلة : كان الظهور الأول لصالون الكتاب للناشئة والأطفال عام 1984. وقتها كان معرضاً صغيراً يشارك فيه عدد محدود من الناشرين، لا يتعدى الخمسين، أما اليوم, وقد ذاع صيته واكتسب مكانة بين معارض العالم المتخصصة فى كتب الأطفال، فقد صار قبلة للناشرين من كل بلدان العالم. وتأتى فرنسا فى المقدمة- من حيث المشاركة- تليها بلجيكا وسويسرا وبقية البلدان الفرانكوفونية, ثم كندا، توجد أيضاً مشاركة عربية من لبنان والمغرب.. ويتضامن صالون الكتاب مع دور النشر الصغيرة ويضعها فى الصدارة .. فهى, كما أكدت لنا سيلفى فالسو, الجديرة بالدعم والمساعدة.. تقول: "الصالون يقدم دور النشر الصغيرة الوليدة لسوق الكتاب وللقارئ أيضاً، ويضعها على قدم المساواة مع دور النشر المعروفة التى لا تحتاج فى الحقيقة إلى دعمنا .. ربما هذا هو الدور المهم الذى يقدمه المعرض هنا". والمدهش فى الأمر أن أحد أساليب دعم دور النشر الصغيرة هو إلغاء التخفيضات على الكتب! فالتخفيض أمر تستطيع القيام به دور النشر الكبيرة الثرية، ومن ثم تصبح جاذبة للقارئ ،حيث يذهب إليها متجاهلاً دور النشر الصغيرة التى لا تستطيع أن تقدم للقارئ هذا الامتياز. عالم واحد أثناء تجولى فى أرجاء صالون الكتاب، استوقفتنى عناوين الكتب لدور النشر المختلفة.. معظمها يطرح فكرة أننا نعيش فى كوكب واحد: الأرض, وأن مشكلاتنا بالتالى واحدة, بغض النظر عن العرق واللون والانتماء. هذه الرؤية العالمية الموحدة تبدت لى بوضوح وأنا أتأمل أغلفة الكتب والرسومات واللوحات واللافتات المختلفة التى تنتشر فى صالات المعرض: السلام.. الحرب.. الأرض.. الماء.. المواطنة.. التسامح.. مفردات تكررت كثيراً على أغلفة الكتب وكأنها تحث الأطفال على اكتشاف عالمنا والتعرف على مشاكله المختلفة. "ارسم أغنية".. دعوة طرحتها دار نشر "ليتل فيلاج" لتشجيع الأطفال على الرسم عبر كلمات أغنية قريبة من قلوبهم.. وهكذا يصبح الطفل مبدعاً منذ سنواته الأولى المبكرة.. "اقرأ الكتاب وحدك ".. دعوة أخرى تطلقها دار نشر الكترونية "جروند", تبثها لتشجيع القراءة عبر الصوت والصورة . كتب الفلسفة تلقى رواجاً كبيراً فى صالون الكتاب, تتصدرها دار نشر "ميلان" والتى تحاول تبسيط العلوم الفلسفية بكلمات سهلة ورسومات جذابة. لفت نظرى عنوان كتاب: "أسئلتى الأولى الكبيرة" ، وفيه يقدم الكتاب عشر حكايات أو ربما عشر أسئلة موجهة للطفل, تتناول حياتنا اليومية وتدعو فى الوقت نفسه إلى التفكير والتأمل. أما دار نشر "لى بتى بلاتون" فهى تقدم للطفل فكر أهم رموز الفلاسفة الكبار مثل جان جاك روسو.. فولتير.. كانط.. كارل ماركس.. وغيرهم. "أسيا .. حلم طفل".. لافتة كبيرة علقتها دار نشر "بيكيه" كدعوة للولوج فى عوالم وأجواء أسيوية ربما تبدو مختلفة عن الغرب. أما دار نشر "بول دو سافون" أو "فقاقيع الصابون"، وهو اسم غريب بعض الشىء، فقد طرحت كتبها تحت عناوين جديدة مبتكرة: "الكُتّاب.. من أنتم؟" "الفنانون.. من أنتم ؟" حيث تقدم بطاقة تعريف خاصة بالمؤلفين والفنانين الذين أثروا العالم. تجربة جديدة تخوضها دار نشر "لى بور جون" أو دار "الميناء الأصفر"، حيث تقدم كتبها باللغة الفرنسية ومعها الترجمة العربية فى نفس الكتاب، ويمكن للقارئ هنا أن يفتح صفحاته من اليمين أو اليسار. تقول ماتيلد شيفر مديرة دار النشر: تطرح الدار نصوصاً تحث على التواصل بين الثقافتين الفرنسية والعربية، كما أنها تتعامل مع رسامين وفنانين فرنسيين وعرب أيضاً، وتعد كتبنا بمثابة لقاء وجسر تواصل بينهما. من العناوين التى نذكرها هنا : "دولاب طارق" و "رباعيات صلاح جاهين". أليس فى بلاد العجائب بدا لى الأمر مدهشاً حقاً: اختيار رواية "أليس فى بلاد العجائب" للكاتب الانجليزى "لويس كارول" والتى صدرت عام 865ا, لتكون الرواية المحتفى بها فى صالون الكتاب لهذا العام. فرغم مضى كل هذه العقود الطويلة, لا تزال أليس بقصتها الخيالية المبهرة تشد الجمهور وتبعث على الإعجاب ... الأرنب الأبيض, بعصاه الطويلة وساعته التى يحملها بين يديه والجاكيت المربع الذى يرتديه, كان رمزاً للمعرض, تطالعك صورته أينما ذهبت.. فى كافة الأجنحة.. على الحوائط والجداريات الكبيرة.. وأيضاً مطبوعاً على الأكياس الورقية التى يوفرها المعرض لرواده. أما المعرض الكبير المقام فى الدور الأسفل، فكان يقدم لوحات عديدة رسمها فنانون مختلفون. تحكى بالتفصيل ما حدث لأليس, تلك الفتاة الصغيرة التى تصبح كبيرة وتعود مرة أخرى صغيرة ثم عملاقة.. حرس الملكة الذين ليسوا إلا أوراق الكوتشينة.. القط الصينى الذى يظهر فجأة ثم يختفى وتبقى ابتسامته معلقة فى السماء.. إلى آخر أحداث الرواية المبهرة. إنهم هنا يمجدون الخيال, ويفسحون المجال للأحلام. يغرسون فى نفوس الأطفال بذرة تنبت فتثمر معها عقولاً مضيئة قادرة على الإبداع والابتكار، مع التأكيد على الواقع بكل مجرياته وأحداثه؛ فهماالإثنان: الواقع والخيال يشكلان وجدان الإنسان. تعاون فرنسى مصرى فى البناية الكبيرة الرابضة بالحى الخامس عشر إلى جوار برج إيفل العظيم، كان لقائى معه: السيد ديديه ديتور المسئول عن نشر الكتب والترجمة بمؤسسة "المعهد الفرنسى". كان الترحيب حاراً بمؤسسة الأهرام العريقة التى أشرف بتمثيلها. حينما طرحت عليه آفاق التعاون الذى يمكن أن نتبادله بين بلدينا، واضعة أمامه ثلاث نقاط محددة، أبدى ديتور استعداده التام لتبادل الخبرات والرؤى بين مصر وفرنسا: فى هذا الصدد يمكن إصدار كتاب شهرى مترجم بالتعاون مع المعهد الفرنسى لتبسيط العلوم والفنون والأداب للناشئة. وفيما يخص معركة الإرهاب التى تواجهها فرنسا ومصر معاً، يمكن إصدار كتب مشتركة للشباب تنبذ العنف وتنادى بالتسامح وتشرح مفهوم المواطنة والفكر النقدي. وفى نهاية اللقاء اتفقنا على إطلاق مؤتمر مشترك, بين المعهد الفرنسى والأهرام ، ندعو فيه المؤلفين والتربويين المتخصصين فى مجال التأليف والإبداع للوقوف على أحدث الابتكارات فى مجال كتب الأطفال.