من مساوئ النظام السابق كثرة التغيرات التي كانت تطرأ علي العملية التعليمية دون دراسة وبشكل عشوائي ودون الرجوع أيضا إلي رجال التربية أو الاستعانة بهم كمظهر فقط وعدم الأخذ برؤاهم التعليمية وتقديراتهم المهنية, فضلا عن الاستعانة في معظم الأحيان بأسماء من التربويين المنتمين للجنة السياسات وكان دورهم يقتصر علي إخراج المقترحات بصبغة تربوية زائفة. الواقع أن أحد أهم أهداف التغيير كان يكمن في إحداث بلبلة في المجتمع, ضمن عملية واسعة غرضها تغييب الناس عن القضايا المهمة أو تمرير بعض الأمور الشائكة. وقد نال نظام الثانوية العامة الحظ الأوفر من التغييرات العشوائية, حيث استخدم كورقة في أيدي السياسيين ولم يكن له علاقة آنذاك بالعملية التعليمية. وكان الأمل معقودا بعد الثورة علي تجاوز كل هذه السلبيات, لذلك فأنا لا أبالغ عندما اقول ان صدمتي كانت كبيرة عندما وافق مجلس الشعب علي تغيير نظام الثانوية العامة. لم تكن الصدمة في سرعة سلق القانون فقط, بل في الدعوة لتطبيقه في العام الدراسي المقبل. وقد تعجبت كثيرا لما أعلنه رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب من مبررات, أبرزها أن هذا النظام قد سبق الموافقة عليه بمؤتمر تطوير التعليم الثانوي لعام2008, ولم يذكر سيادته أن هذا المؤتمر الذي جمع نخبة من التربويين قدم مشروعا متكاملا لتطوير التعليم الثانوي ولم يقتصر علي الثانوية العامة فقط. وكانت العودة لنظام العام الواحد مرتبطة بمجموعة من التعديلات المصاحبة, والتي تنظر بصورة شاملة للعملية التعليمية. كما أن إعلانه إعادة الثانوية لنظام السنة الواحدة لتخفيف عبء الدروس الخصوصية, مسألة غير دقيقة. علي حد علمي أن الدروس الخصوصية ليس لها سنة معينة, ففي مصر تكاد تكون مقررة في كل المراحل التعليمية ابتداء من رياض الأطفال وحتي الجامعة. وهذا يعني أن هذا السبب لا يمكن أن يكون مبررا لاتخاذ هذا القرار المصيري, لأن قضية الدروس لم تعد قضية منهج أو مقرر أو امتحان أو ثانوية عامة, فقد أصبحت ثقافة مجتمع وأنا علي يقين أن أول من يقف في وجه إلغاء الدروس الخصوصية هم أولياء الأمور. ويكفي أن نعرف أن المصريين أدخلوا نظام الدروس الخصوصية في التعليم الأجنبي الذي يعتمد أساسا علي حضور الطلاب ونشاطهم, والذي يدعي بعض المدافعين عنه أنه انتشر هربا من الدروس الخصوصية. وهذه مغالطة ليس هنا مجال مناقشتها. هناك من يقول ان التعديل ربما جاء في إطار رؤية متكاملة لتطوير التعليم, وهو ما لا يمكن تصديقه لعدة أسباب. أهمها, أن التعديل شكلي وإجرائي فقط في نظام الثانوية العامة, كما أن متخذي القرار طالبوا بسرعة تطبيقه علي طلاب العام الدراسي المقبل ولم يضعوا في اعتبارهم أن تعديل نظام الثانوية العامة يتطلب مراجعة جميع المناهج والمقررات الدراسية ونظام توزيع الدرجات ووضع بعض المواد الاختيارية. كما لم يتم الاشارة إلي مشروع تطوير المرحلة الثانوية والذي تم مناقشته بطريقة سريعة في عهد الوزير يسري الجمل, ويقضي النظام المطور للمرحلة الثانوية بادخال مناهج ومقررات جديدة في جميع الصفوف الثانوية الثلاثة تغطي جميع المواد, ومن المفروض أن هذا المشروع مازال معروضا لتنفيذه. بالتالي ما هو المبرر الحقيقي الذي دفع مجلس الشعب الموقر لاتخاذ هذا القرار ومحاولة وتطبيقه في أسرع وقت, ضاربا عرض الحائط باعتراضات وزارة التربية والتعليم وكثير من التربويين؟ الحقيقة إنني أجد صعوبة في الإجابة, هل تم ذلك لجعل شهادة الثانوية العامة صالحة لمدة خمس سنوات من تاريخ حصول الطالب عليها, وأن هذا يخدم التوجهات الاقتصادية للأحزاب الدينية التي لها أغلبية في مجلس الشعب, والتي تؤمن بالرأسمالية والخصخصة كنظام اقتصادي, تسعي به لرفع يد الدولة عن تقديم خدمة التعليم واللجوء للنظام الخاص كشكل من الأشكال المربحة من التعليم, لاسيما أن عددا من أعضاء لجنة التعليم بمجلس الشعب يملكون مدارس خاصة بهم. لكن هناك أيضا من يري أن القرار يندرج تحت القرارت السياسية التي تتخذها الأغلبية في المجلس, لتحقيق أهداف قصيرة المدي تتمثل في تحقيق ارتياح نسبي لبعض فئات الشعب وإيهامهم أن هناك تغيرات تجري علي أرض الواقع تمس حياة المواطن وتقترب من مشاكله اليومية, بعد أن صدمت الجماهير بمجموعة القوانين التي تقدمت بها الأغلبية في الفترة الانتقالية, مثل الخلع وزواج الفتاة عند61 سنة, والتي كانت بعيدة عن احتياجات المواطن الحقيقية. وربما تكون الأغلبية بالمجلس وجدت مخرجا لها في تغيير نظام الثانوية العامة, وجري اتباع أسهل الطرق التي كان يطبقها النظام السابق, بل إنه تم بالأسلوب نفسه وربما باستخدام المفردات ذاتها. من هنا أشعر كتربوية بالتشاؤم. المزيد من مقالات د. بثية عبد الرؤوف