عودة الراعي، البابا تواضروس يحمل إلى القاهرة رسائل سلام من قلب أوروبا    باسل رحمي: إصدار 1492 رخصة مؤقتة لمشروعات جديدة    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم الجمعة    باكستان: مقتل 5 مدنيين وإصابة 29 بقصف عبر الحدود مع الهند    جنوب أفريقيا يواجه زامبيا في مباراة مصيرية بكأس الأمم الأفريقية للشباب تحت 20 عاما    الرمادي يجري تغييرات.. تشكيل الزمالك لمواجهة سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    النيابة تستكمل معاينة حريق المبنى الإداري بوسط القاهرة    حسين الجسمي يحقق 12 مليون في أسبوع ب فستانك الأبيض    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    لقاء خارج عن المألوف بين ترامب ووزير إسرائيلي يتجاوز نتنياهو    إصابة 5 أشخاص بحالات اختناق بينهم 3 اطفال في حريق منزل بالقليوبية    بيل جيتس يخطط للتبرع بكل ثروته البالغة نحو 200 مليار دولار    مروان موسى عن ألبومه: مستوحى من حزني بعد فقدان والدتي والحرب في غزة    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    طريقة عمل العجة المقلية، أكلة شعبية لذيذة وسريعة التحضير    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    وزيرة البيئة: تكلفة تأخير العمل على مواجهة التغير المناخى أعلى بكثير من تكلفة التكيف معه    ستحدث أزمة لتعدد النجوم.. دويدار يفاجئ لاعبي الأهلي بهذا التصريح    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    «أوقاف شمال سيناء»: عقد مجالس الفقه والإفتاء في عدد من المساجد الكبرى غدًا    تكريم حنان مطاوع في «دورة الأساتذة» بمهرجان المسرح العالمي    الخارجية الأمريكية: لا علاقة لصفقة المعادن بمفاوضات التسوية الأوكرانية    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    حبس المتهمين بسرقة كابلات كهربائية بالطريق العام بمنشأة ناصر    في ظهور رومانسي على الهواء.. أحمد داش يُقبّل دبلة خطيبته    الضباب يحاوط الأسواق.. تأثير النزاع بين الهند وباكستان على الاقتصاد العالمي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    تسلا تضيف موديل «Y» بنظام دفع خلفي بسعر يبدأ من 46.630 دولارًا    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    كيفية استخراج كعب العمل أونلاين والأوراق المطلوبة    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    بوتين وزيلينسكى يتطلعان لاستمرار التعاون البناء مع بابا الفاتيكان الجديد    زيلينسكي: هدنة ال30 يومًا ستكون مؤشرًا حقيقيًا على التحرك نحو السلام    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون .. وثقافة المقاولات
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 12 - 2015

هناك بلاد تهتم ببناء المنشآت والعقارات والحجر وهناك بلاد أخرى تصنع البشر والفرق كبير جدا بين أن تبنى عقارا وان تبنى إنسانا فإذا كان العقار يحتاج شهورا فإن بناء إنسان واحد يحتاج عمرا .. وكانت خطيئة أصحاب القرار فى مصر فى سنوات مضت أنهم جمعوا تلال الطوب والأسمنت فوق رؤوسنا وأقاموا منشآت معظمها آيل للسقوط ما بين الأبراج والمؤسسات والعشوائيات .. وفى الوقت الذى كانت كل وزارة تسعى لإنشاء برج جديد لمكاتب موظفيها كان آداء الموظفين يتراجع حتى أصبح وجودهم داخل المبنى أمرا مستحيلا وأصبحنا نملك عددا مهولا من المنشآت الخرسانية فى حين غاب البشر ..
لقد قام تاريخ المصريين عبر العصور على ثروة مصر من البشر كان الإنسان هو الثراء الحقيقى فى كل مجالات الحياة ابتداء بالفلاح الذى علم الشعوب الأخرى الزراعة وانتهاء بالعامل المصرى الذى ذهب إلى أبعد نقطة فى الكون يعلم ويبدع ويصنع الحضارة .. لقد تميز المصريون فى العمارة حين شيدوا المعابد والمساجد والكنائس ولكن مع لغة الحجارة تفوقوا فى الطب والهندسة والزراعة والحروب وكانوا نموذجا رفيعا فى الإبداع وتجميل الحياة .
أدرك المصريون من البداية ان قيمة الأشياء فى البشر وليس فى الحجر ولهذا كان البناء يقوم على العنصرين إنسان يبدع ومكان يصون .. وعلى مياه النيل نشأت اقدم حضارات التاريخ وكان هذا أسلوب حياة وحكمة شعب وقدرات إنسان ..
إن الغريب فى الأمر هى هذه القطيعة الذى شهدها مسار الأحداث فى حياة المصريين فى السنوات الأخيرة حين اهملنا الإنسان وتم توزيع ما لدينا من الأراضى سواء الزراعية او الصحراوية وتحولت هذه المساحات الشاسعة الى منشآت خرسانية وكانت اول المفارقات ان الأثرياء كانت لهم المنتجعات والفقراء كانت لهم العشوائيات وبدأت رحلة التوزيع الأعمى للثروة على هذا الأساس أناس قادرون وأناس عاجزون ولم يقم ذلك كله على منهج او تخطيط أو رؤى بل ساد فكر عشوائى متخلف فقدت مصر فيه اجمل ما لديها من الأراضى وأرقى ما لديها من الذوق وسقطت فى دوامة من الارتجال والعشوائية وغياب الرؤى ..
وهنا اتسعت تجارة الأراضى ورخصت اسعار البشر وزادت كمية الأحجار وتراجعت قيمة الأفكار ووجدنا مجتمعا يتعامل بروح المقاولات فى كل شىء ابتداء بالناس وانتهاء بالفكر والثقافة وكما سيطرت علينا المقاولات سيطرت علينا فى جانب آخر الخزعبلات والتفاهات والأفكار المريضة .
فى سنوات قليلة جدا خسرت مصر اغلى ما لديها من الأراضى الزراعية وسقطت فريسة منشآت حجرية وطينية كانت مساحة الأراضى الزراعية فى عهد الخديو إسماعيل 6 ملايين فدان ويقال انه أضاف مليونى فدان فى سنوات حكمه العشر .. وفى السنوات الأخيرة أكلت المبانى أكثر من 2مليون فدان من أخصب اراضينا الزراعية وفى رواية أخرى انها ثلاثة ملايين فدان .. وفى المقابل زاد عدد الأميين فى مصر ليصل الى 27 مليونا وفى رواية اخرى انهم اكثر من 30 مليونا
توسعت الدولة كثيرا فى توزيع وتجارة الأراضى وتركت عددا كبيرا من السماسرة يسطو عليها وبينما كانت كتل الأسمنت تسطو كل يوم على ضحية جديدة كانت قلاع الفكر والثقافة والوعى تتراجع .. ولهذا ينبغى ان نرصد مسيرة التراجع الثقافى وبجانبها وفى التوقيت نفسه التوسع العشوائى فى عالم المقاولات فى مصر .. حين سيطرت قلاع الأسمنت والحجارة على العقل المصرى انسحبت حشود الوعى والاستنارة وتحول المجتمع كله الى مقاول كبير يتاجر فى الأراضى والمبانى والعقارات ولم يكن غريبا ان تتوقف تقريبا كل مصادر الثروة فى العمل والإنتاج والتطور والزراعة المتقدمة لتتحول الساحة كلها الى تجار عقارات وشقق ومساكن.. وكانت المفاجأة ان القادرين فى مصر أصبحوا أباطرة العقارات والعاجزين فى مصر اصبحوا سكان المقابر والأموات .
لقد تراجعت قيمة الثقافة والفكر امام عالم المقاولات وبعد ان كانت مصر لا تعانى نقصا فى المساكن والبيوت تحكمت مجموعة من السماسرة فى سوق الأراضى والعقارات وبدأت رحلة جنى الثمار التى صنعت طبقة جديدة من اثرياء الحجارة بينما كانت هناك طبقة أخرى تئن من فقراء العشوائيات .
قد يسأل البعض وما هى العلاقة بين الثقافة والمبانى والعقارات .. أن هذا عالم الفكر وهذا فى دنيا التجارة .. وأقول حين سيطرت على الشارع المصرى ثقافة الحجارة اختفت تماما منظومة الوعى والاستنارة وسطا على المشهد مجموعة من التجار الذين تشكلوا فى ظل منظومة مختلة من الجشع وحب المال والسيطرة على موارد الدولة .. كان من الممكن ان يكون لهم دور فى بناء حصون أخرى غير الحجارة ولكن الجشع جعل منهم حشودا تحارب القيمة وتدمر الوعى وتنصب المال سلطانا على كل شىء ..
ان الغريب فى الأمر ان الدولة لم تشجع فقط هذا الخيار المتوحش بل انها سلكت الطريق نفسه وتحولت الى مقاول من الحجم الكبير وبدلا من ان يرتفع كل مسئول بالأداء والخدمات فى مؤسسته تحول الجميع الى مدرسة المقاولات لتشهد القاهرة اكبر مجموعة من المبانى المكتبية لحشود موظفين لا يذهبون الى اعمالهم ولا يؤدون دورهم بطريقة صحيحة وهنا ايضا كان العدوان الغاشم على تراث مصر العمرانى حين تحولت القصور والفيلات التاريخية الى اعمدة خرسانية وخسرت مصر فى أقل التقديرات ما يقرب من ألف قصر وفيلا خلال عشرين عاما
لقد جارت منظومة المقاولات على منظومة الفكر والثقافة وأصبح فكر المقاولات يحرك كل شىء فى المجتمع .. وسط سوق المضاربات تحول الفن الى مقاولات حتى ظهرت موجة فى السينما المصرية فى فترة من الفترات سميت بسينما المقاولات .. وتحول الإعلام الى تجارة رخيصة تبدأ بالمسلسلات الهابطة والغناء الفاسد وتنتهى عند مملكة الإعلانات وهى لا تعتنق فكرا ولا قيما ولا مسئولية .. وكان من السهل ان يسود منطق المقاولات فى لغة الحوار على الشاشات ثم يهبط منها الى لغة الشارع وتمتزج اللغتان لكى تصنعا معا اسوأ منظومة للغة الهابطة سلوكا وفنا وحوارا فى تاريخ الثقافة المصرية الرفيعة
فى الوقت نفسه كانت الدولة تتعامل مع ثقافة شعبها بمنظور غريب يقوم على التهميش وعدم الجدية بل والاحتقار فى احيان كثيرة .. لقد تم تهميش دور المثقفين لتحتل منظومة المقاولات صدارة المشهد واختفت رموز المجتمع الحقيقية فى الفكر والثقافة خلف ضباب الأسمنت وناطحات السحاب وتلال الحجارة وسيطرت على المجتمع روح من الانتهازية والجشع وسيطرة المال واختفت تماما روح الفكر والوعى والاستنارة ..
لقد أهملت الدولة بكل مؤسساتها دور مصر الثقافى برموزه وقدراته ووهجه كانت ميزانية الثقافة لسنوات طويلة تتجه الى الأفراح والمهرجانات وتخلت تماما عن عقل الأمة ممثلا فى شبابها حتى انتشرت خفافيش الظلام واستباحت عقول أبنائنا
لم تحتفل الدولة بأعياد العلم والفن والتميز والتفوق والثقافة الحقيقية سنوات طويلة واتجهت الأجهزة الثقافية الى تجارة الأسمنت والمنشآت التى أخذت مئات الملايين ولم تقدم غير الجهل والتخلف والخزعبلات .. تراجعت السينما المصرية مئات الخطوات وتراجع الغناء المبدع والمسرح الجميل وسيطرت على عقول الناس عصابة لإنتاج الفن الهابط بنفس أساليب منظومة المقاولات التى سيطرت على كل شئ .
كانت نتيجة ذلك كله هذا الإنتاج البشرى الحائر ما بين الخزعبلات وغياب الوعى وتراجع القيم فى الفن والسلوك والحوار والإبداع .. وقد ترتب على ذلك حالة من الفقر الشديد فى القدرات والمواهب التى تركت آثارا سيئة على الواقع المصرى فى كل المجالات .. نحن أمام واقع معقد اختلت فيه موازين الأشياء حين كان البشر افضل واعظم ما لدينا قدمنا مجتمعا حضاريا مميزا الإنسان أفضل ما فيه وحين سادت لغة المقاولات تشوهت أوجه الحياة فى الناس والسلوك والأخلاق ولا حل لدينا الآن غير ان نعيد المنظومة الى سابق عهدها فى التفرد والتميز والريادة ..
أولا : أن تعود ثقافة مصر إلى صدارة المشهد تمويلا وتخطيطا وإبداعا وقيمة .. حين أصبحت الثقافة فى آخر القائمة سقطت منا أشياء كثيرة وحين اصبحت للمثقفين حظيرة ثقافية تجمعهم على لغة المصالح والمنح والهبات دخلوا فى طابور منظومة المقاولات وفقدوا دورهم فى حماية ضمير المجتمع وأخلاقياته وثوابته .. والحل إن تعيد السلطة للثقافة قيمتها واهميتها فى ميزانية الدولة من حيث التمويل ومكانتها فى المجتمع من حيث التأثير وان تلغى هذا الزواج الباطل بين منظومة المقاولات وكل مجالات الحياة فى مصر ابتداء بتشكيل البرلمان وانتهاء بالفن الهابط والمسلسلات الرخيصة ..
ثانيا : وفى السياق نفسه يجب ان تعيد الدولة للمثقف المصرى مكانته فى المشهد العام حين كنت اراجع اسماء أعضاء مجلس الشعب الجديد لم أجد مثقفا مرموقا او صاحب فكر مميز أو رمزا ثقافيا كبيرا .. ويجب على الدولة ان تضع المثقف المصرى صاحب الدور والرسالة فى مقدمة الصفوف كما كان يوما .. يجب ان يعود عيد الفن بانتظام وعيد العلم ابتداء بالمدرسة وانتهاء بالوسط الثقافى كله .. ويجب ايضا ان يستعيد الإعلام المصرى اهتمامه بالثقافة وأن يفتح أبوابه - التى افسدها الفن الهابط - لرموز الفن الجميل والإبداع الراقى ويجب ايضا ان تشجع الدولة حشود الشباب من الكتاب الواعدين والفنانين الجادين وأن تنأى بهم عن سوق المزايدات والمقاولات والفن الرخيص ..
ثالثا : يجب ايضا ان تهتم الدولة بالمؤسسات الثقافية من حيث الدور والمسئولية والتمويل وألا تكون الثقافة آخر المحطات التى تصل اليها اهتمامات الدولة لأن رصيد مصر الحقيقى سيبقى دائما فى عقول أبنائها .
ليس معنى ذلك أننى اقلل من اهمية المنشآت الأسمنتية والعقارات لأن ملايين الشباب لا يجدون مسكنا ولكن العقارات لا تصنع عقولا ولا تهذب ضمائر ولا تزيد الإنسان وعيا انها حجارة صامتة ومن الظلم لمجتمع متحضر ان يترك زمام امره ومستقبله وحياته رهينة لسماسرة الأراضى وتجار المقاولات .. سوف تبقى ثقافة مصر تاجها الحقيقى وبناءها الشامخ حتى لو اقمنا الالاف من ناطحات السحاب لأن العقل المصرى هو ثروتنا الحقيقية
ونحن على أبواب مرحلة جديدة فى بناء الوطن يجب ان يكون بناء الإنسان هو قضيتنا الأولى والثقافة كانت ومازالت وستبقى مصدر الإشعاع والبناء الحقيقى فى كل زمان ومكان .


..ويبقى الشعر
بُعْدى وَبُعْدٌكِ لَيْس فِى إمْكَانى
فأنَا أمُوتُ إذا ابْتَعَدْت ثَوَانى
وأنَا رَمَادٌ حَائر فِى صَمْتِهِ
فإذا رَجَعْتِ يَعُودُ كَالبُركان ِ
وَأنَا زَمَانٌ ضَائِعٌ فى حُزْنِهِ
فإذا ابْتَسَمْتِ يَرَى الوُجُودَ أغَانِى
وَأنَا غَمَامٌ هَائِمٌ فِى سِرِّهِ
وَسَحَابَة ٌ كَفَّتْ عَن ِ الدَّورَان ِ
وأنَا نَهَارٌ ضَللتْهُ نُجُومُهُ
صُبْحٌ وَليْلٌ كَيفْ يَجْتمِعَان ِ
وَأنَا أمَامَ النَّاس لَحْنٌ صَاخِبٌ
وَأمَامَ حُزْنِى أشْتَكِى وَأعَانى
وَأنَا أغِيبُ عَن ِ الوُجُودِ إذا الْتَقَى
شَوْقِى وشَوْقُكِ فِى عِنَاق حَان ِ
أنا لا أرَاكِ دَقيقَة ً ألْهُو بِهَا
أوْ لَحْظَة ًحَيرَى بلا عُنوَان ِ
أنَا لا أرَاكِ قَصِيدَة ًمِنْ سِحْرهَا
سَكَرَ الزَّمَانُ وأطْرَبَتْهُ مَعَان ِ
أوْ مَوْجَة ً أغْفُو قَليلا ًعِنْدَهَا
فَإذا انتَشَتْ هَرَبَتْ إلَى الشُّطْان ِ
أوْ رَشْفَة ًمِن كَأس ِ عُمْر ٍ هَاربٍ
يَا وَيْحَ قَلبِى مِنْ زَمان ٍ فان ِ
هلْ أسْتعيدُ لدَيْكِ كلَّ دقيقةٍ
سرقتْ صباىَ وأخمدتْ نيرَانِى؟
مَنْ يُرْجعُ الطَّيْرَ الغريبَ لروضةٍ
نسيتْ عبيرَ الزِّهْر والأغْصان ِ
عُمْرٌ توارَى عانقتهُ دُمُوعُنا
عَبَرتْ عليهِ مواكبُ الأحْزان ِ
وَتَوَسَّدتْ أشواقنا أيَّامَهُ
وتلألأتْ مِن شَدْوه ألحَانِى
تبقينَ سرًّا فى الحَيَاة وفرْحَة
أسْكنتهَا قلْبى ودفْء حَنانى
أبْقيكِ فى صَمْتِ الخَريفَ سحابَة ً
كمْ عطَّرَتْ بأريجهَا وجْدَانى
عُمْرى وعُمْرُك قصة ٌ منقوشة ٌ
فوْقَ القلوبِ بأجْمَل الالوَان ِ
كمْ عشتُ قبلكِ ألفَ حلْم ٍ زائفٍ
كمْ كبَّلتنى بالْخدَاع أمَانِى
أنا لا ألُومُ العُمْرَ حينَ تبلدتْ
أيَّامُهُ سَأمًا عَلى الجُدْران ِ
لكنْ ألومُ الدهْرَ كيفَ تكسَّرَتْ
فى راحتيْهِ أزاهرُ البُسْتان ِ
يوْمًا حَسبْتُ بأنَّ آخرَ عهدنا
بالُحبِّ لحنٌ عابرٌ أشجانِى
وَالآنَ عُدْتُ كأنَّ لحْنِى ما ابْتدَا
وكأنَّنَا فى عُمْرنَا طفلان ِ
قدْ تسْألينَ الآنَ : ما أقْصَى المُنَى ؟
قلْبِى وقلبُكِ حِينَ يلتقيان ِ
إنِّى أعَاتبُ فيكِ عُمرى كلهُ
يَا ليْتَ عُمْرى كانَ فى إمْكَانِى.

«قصيدة اعاتب فيك عمرى سنة 2000»
[email protected]
لمزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.