قالت جدتي يوما لوالدي جليل البنداري: أفضل أشوفك نجار أو ميكانيكي أو حداد علي انك تكون صحفي تنقل اخبار الناس وتروح النار الجرائد فائدتها تنظيف الزجاج وحرقت مكتبته الصغيرة التي كونها من دم قلبه في مطلع شبابه هكذا كتب في باب أنا والنجوم بجريدة الأخبار في17 سبتمبر1964 ........................................................................................................ وبعدا كلامها بسنوات قلت لوالدي وكان عمري10 سنوات كنت أتمني يكون زبالا عندما أجابني أنه لا يجد وقتا للجلوس معي لأنه احد أهم ثلاثة كتاب يقوم عليهم توزيع جريدة الأخبار مع علي أمين ومحمد التابعي. وعندما طلب مني الزميل أنور عبد اللطيف في ديسمبر2015 ان اكتب خطابا إلي والدي رحمه الله حادثت نفسي: كم ظلمنا جدتي وأنا هذا العبقري, الذي استطاع بموهبة فريدة أن يستمر حيا بأعماله بعد وفاته ب47 عاما, أي حوالي نصف قرن من الزمان. ومن هذه الأعمال الخالدة لجليل البنداري ما يرتبط منها بأفراح المصريين مثل أغنية يادبلة الخطوبة كما تقول حفيدته د. آية25 سنة وهي تلك الاغنية التي لا تستقيم بدونها حفلات الخطبة وأغنية سوق علي مهلك. والتي جاءه أثناء كتابتها خبر وفاة أحد الأصدقاء عبد الوهاب يوسف فكتب فيها: علي إيه تجري كفاية علينا. العمر بيجري من حوالينا. كان في عينيا وملو ايدينا. وبعد دقيقة مش في ايدينا. وهم كمن اغنياته الباقية اغنية تمر حنة التي يقول فيها تمر حنه خليت بنا وبعدت عنا والتي كانت سببا في شهرة فايزة أحمد ونعيمة عاكف وظهرت التمر حنة ايضا في فيلمه الذي كتب قصته بالسم نفسه تمر حنة والذي تحول الي مسلسل تليفزيوني في مسلسل رمضان الماضي من بطولة هيفاء وهبي وباسم سمرة. سيرة حياة جليل الدين محمد البنداري الذي ولد في ديسمبر1916 وتوفي في29 نوفمبر1968 عن عمرلا يتجاوز52 عاما بدأ حياته العملية في مصلحة التليفونات وتزوج والدتي التي كتب لها يوما اغنية ليصالحها بعد زعل وقع بينهما منايا في قربك اشوفك سعيد وقد غنتها ليلي مراد ويترك البنداري العمل في مصلحة التليفونات ويلتحق بالعمل في مؤسسة الأخبار التي تدرج بها حتي استطاع ان ينتج ويؤلف أول أفلامه الانسة حنفي الذي حقق نجاحا كبيرا وقد عرض أحد أحفاده الآن احمد مدير انتاج علي الفنان محمد هنيدي تمثيله مرة أخري فرفض قائلا إن الآنسة حنفي ارتبط باسماعيل ياسين فقط. تأثر في كتاباته بكل من بيرم التونسي وابن الرومي ووالدته هكذا كتب في باب أناء النجوم في1966/3/2 وأرسي قواعد مدرسة النقد الفني الخالي من العزومات والهدايا والمجاملات ياتري لوكان عايش الآن كان هيقول ايه ولا ايه ولا ايه هكذا قالت ليلي24 سنة احدي حفيداته. أما سراج من الاحفاد فقال كان نفسي أعيش في زمنه علشان اشوف النقد لمجرد النقد فزمني الآن الناقد بيتك علي الفنان الصغير ويمنع نفسه من نقد آخرين علشان كبار خيرني بينه وبين صفارة لعبة أهداها إلي محمد ضياء المغني والملحن في الستينيات وأجبرني علي الذهاب الي منزله لأعيدها إليه هكذا لاتنسي زوجته د. ليلي أنه أجبرها مرة أخري علي الذهاب في الثانية صباحا برفقته لترجع لأحد المطربين تمثالا صغيرا لبالرينا كان يرفض العزومات وكان يصر علي ان يدفع هو الحساب حتي لو كان من يعزمه الفنان الكبير محمد عبد الوهاب اجري في الخامس من ديسمبر1962 عام حوارا مطولا مع محمد حسنين هيكل رئيس مجلس إدارة الأهرام نشر في مجلة آخر ساعة عنوانه هيكل: الذي يندفع إليك من تحت عقب الباب وقال في المقدمة: إن بائع الخبز وبائع اللبن وبائع الفول المدمس يدقون عليك باب بيتك ويقلقون راحتك اما هيكل فيدفع للبيوت من تحت عقب الباب لأنه يستحي أن يقلق راحتك وقد قال لي الاستاذ هيكل من اكثر من30 سنة وانا أعرفه بنفسي قال اسمك اهداف جليل البنداري هكذا يجب أن تقدمي نفسك للآخرين . اما المستشار محمود فرج رئيس نيابة استئناف مصر فقد اجري معه حوارا في1963/8/10 في أخبار اليوم لحصول المستشار علي جائزة القصة السينمائية عن فيلمه أولاد بلدنا وسأله في الحوار عن أشهر القرارات التي اتخذها فحكي عن حكمه علي شاب بالحبس شهرا مع وقف التنفيذ لتقبيله زجاج قطار كانت تجلس خلفه فتاة وعندما سأله عن السبب أجاب المستشار: حتي لا يتمادي وعندما قال له لكنها جريمة ناقصة اجاب المستشار الجرائم الناقصة في الروايات البوليسية فقط أما هنا فالجريمة مكتملة( لا اعرف ماذا سيقول صاحب هذا الحكم الآن وكيف ستكون أحكامه مع تحرش الشوارع والمركبات العامة الآن؟ وصف البنداري المطرب الكبير عبد الحليم حافظ ب جسر التنهدات في كتاب يحمل هذا الاسم وسأله في حوار أجراه معه في1958 نشر في آخر ساعة عن رأيه في الموسيقي فأجاب شكلها وحش كان ذلك في عام1958 فما بالنا بالموسيقي الآن؟ . ووصف لبني عبدالعزيز بقطعة المارون جلاسيه ومحمد عبدالوهاب ب طفل النساء المدلل في كتاب يحمل هذا الاسم وهو صاحب تعبير لقاء السحاب عن لقاء أم كلثوم وعبدالوهاب في أغنية انت عمري وهو الذي اطلق لقب قارورة العسل علي الفنانة ليلي طاهر ولقب موجة قصيرة عن نجاة ومعبد الحب عن أم كلثوم وزائدة دودية لإحدي الفنانات ولو فكرت في وصف فنانينا الآن بهذه الأسماء فهل لدينا قطعة مارون جلاسيه ومن هو طفل النساء المدلل وجسر التنهدات أما الزائدة الدودية فهم كثر وعلي من نطلق لقاء السحاب الآن بعد انحسار العمالقة ؟ كان الكاتب الساخر أحمد رجب يسميه جحا القرن العشرين وكانت اهم مميزات البنداري كناقد فني خفة الدم والتلقائية وسرعة البديهة و قدرة فائقة علي الهجوم المتواصل علي جميع الفنانين لدرجة رفع قضايا ضده تنتهي بالتصالح لأن ربنا أنعم عليه بحب الناس. كانت يقود سيارة ماركة سيمه أصابتها ذبحة صدرية وإنسداد في الشرايين ولغط في الموتور هكذا كتب في1965/7/2 أخبار النجوم ليس لدي رصيد لطبيب ولا ميكانيكي أحتاج كتابة قصة جديدة فتكاليف التصليح80 جنيها وشوق وشفيقة وتمر حنة سددوا ديون قبل ذلك لازم اروح للبنك الأهلي( دار الكتب) رصيدي هناك حيث أبحث عن فكرة قصة اكتبها لأصلح السيارة ملحوظة: وانا أبحث في الأرشيف الفارغ من مقالاته باستثناء90 قصاصة في الاخبار وبحثا عن حديثه مع الأستاذ في أرشيف المؤسسة التي كان من أعمدتها بالدور الثاني ذهبت أنا أيضا لدار الكتب حيث العثور علي الذكريات المكتوبة لجيل العمالقة سهل وبجنيهات معدودة لكن قراءته صعبة لأن التصوير يصيبه شيء ما. لم يترك البنداري رحمه الله ميراثا من الأراضي والعقارات لكن ترك لنا اسما كبيرا نظيفا حسن السمعة د. عزة أصغر الأبناء قالت إن وجوده في حياتي كان صمام الأمان ولما مات كان عمري9 سنوات حياتي كانت بالتأكيد حتتغير في وجوده واتفق معها الحفيد أحمد لو كان عايش كان حيبقي لي ظهر في الوسط الفني. أما أحمد البنداري الإبن69 سنة فيقول( أنا لا أنساك وتوقفت عن قراءة الجرائد لأنك وتلاميذك رحلتم. وعمرو57 سنة قال: كان نفسي يسمعني أحكي له ما يجول بخاطري أنا مش شايف ناقد من أكثر من20 سنة. كان في مطعم مع الكاتب السياسي مصطفي الحسيني بروز اليوسف في سوريا ولم يحسن الجرسون ضيافتهما لما أغضب مصطفي الحسيني فعلق والدي أصله ماعداش علي مصر ومنها كتب محمد حمزة أغنية يا حبيبتي يا مصر لشادية هكذا حكي المذيع يوسف الحسيني ابن مصطفي الحسيني لحفيد جليل البنداري سراج الدين. أما حفيده محمد فقال كان نفسي أشوفه لأنه جدي صاحب باب أنا والنجوم في الاخبار وليلة السبت في أخبار اليوم بينام بالنهار ويعمل ليله لكن ذلك لم يمنعه من الذهاب معي إلي مدرسة الأورمان الاعدادية حينما طلبت منه ذلك. عتاب أبي كاتب المقالات في مجلات آخر ساعة والجيل والكواكب رغم أن حياته كانت دائما مع الفنانات والفنانين فإنه كان يرفض بشدة الملابس الخارجة عن الاحتشام. وكان مغرما بتراثنا الشعبي وعندما قرأ مقطع علي حسب وداد قلبي بحث عن وداد في بلدها فوجدها غازية أحبها الأمير يوسف كمال وكتب مسرحيته وداد الغازية التي عرضت علي مسرح البالون أحد مسارح الدولة ومن مسرحياته مسرحية الليلة العظيمة وشفيقة القبطية وبمبة كشر وأنا والنجوم ومن أغنياته تاكسي الغرام وأنا مالي يا بوي ومن أفلامه لوعة الحب شياطين الجو العتبة الخضراء وعدد من السيناريوهات. وللأسف فقد اختفت مقالات أبي من ملفه بالاخبار واسمه غير مدون مع شخصيات مصر المعاصرة علي موقع مكتبة الاسكندرية مع ان رصيده من الأفلام والمقالات والكتب يكفي. وفي النهاية يا والدي العزيز بعد أن استعرضت جانبا من ذكرياتي وجزءا يسيرا من ارشيفك المملوء بالفخر.. وعن حزني الشديد لغيابك عزائي ان حسك لسه في الدنيا!