فقط كانت معضلته: ماذا يمكن ان يفعل والميزانية المخصصة للنشاطات الثقافية في549 موقعا تخدم80 مليون مواطن لا تتجاوز27 مليون جنيه, أي بحسبة بسيطة نحو ثلاثين قرشا لكل مواطن!! أدب التقت د.أحمد مجاهد في حوار لا تنقصه الصراحة, عن امكانات الهيئة وهمومها وتطلعاتها أيضا. *كانت بداية الهيئة بمرسوم ملكي في مايو1948 بإنشاء مؤسسة الثقافة الشعبية تتبع وزارة المعارف, وبعد الثورة وتحديدا مع انشاء وزارة الثقافة, نقلت تبعيتها للوزارة, وأضفي وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة بعدا جديدا عليها بإطلاق شعار جماهيرية الثقافة, فهل ترون ان الهيئة بعد ستة عقود من تأسيسها وفت بالغرض منها؟! ** عندما انشأ ثروت عكاشة قصور الثقافة كان عددها آنذاك سبعة قصور تولي إدارتها عدد من كبار مثقفينا أذكر منهم فاروق حسني ومحمد غنيم وعز الدين نجيب, وكانت تجربة رائدة ركزت علي الثقافة الموجهة, ولم تكن هناك عناصر جذب أخري, فكانت قصور الثقافة وقتها مراكز ساطعة أخرجت نجوما سواء ممن كانوا يديرونها أو ممن تعاملوا معها واستفادوا منها, ومع نجاحها في مهمتها تنامي عددها فصار لدينا ما يقرب من549 موقعا ثقافيا. ميزانيتنا الآن220 مليونا, عندما توليت رئاسة الهيئة كان ما يخص النشاط الثقافي منها22 مليون أصبحت الآن27 مليونا, واعترف بانها ميزانية متواضعة جدا مقارنة بعدد سكان مصر, ولكننا نحاول مضاعفة هذا المبلغ بالتعاون مع المحافظات, ونلقي دعما كبيرا من معظم السادة المحافظين. وفي ظل الفضائيات الكثيرة وتنامي التيارات الرجعية, أصبحت الحاجة ملحة لزيادة ميزانيات الثقافة بوجه عام, والهيئة العامة لقصور الثقافة بشكل خاص, لانها المؤسسة الوحيدة المعنية بالتعاون مع محافظات مصر جميعا. * ما رؤيتك لكيفية تحقيق جماهيرية الثقافة وانتشارها؟ ** لابد ان نقف في منطقة وسطي ما بين ما نريد توصيله للشباب وبين ما يطلبه الشباب ويحرصون ويقبلون عليه. فإذا لم نقف في هذه المنطقة الوسطي فلن نلتقي أبدا. ونحاول في هيئة قصور الثقافة ان نجدد اسلوب التواصل مع الشباب بطرق كثيرة, في ظل قنوات الاتصال التي تصب في عقول الشباب الآن, فمثلا نوادي الأدب يمكن ان نتوسع فيها بشكل أكبر عبر نشرها علي شبكة الانترنت. * يقال إن دور المثقف المصري اختفي عربيا لانه لم يعد لديه أي ثقل محلي؟ ** ربما زاد الثقل الثقافي لبعض الدول العربية واتي هذا الثقل من خلال شيئين: منح جوائز أدبية وثقافية ضخمة أو إقامة مهرجانات فنية موازية ضخمة, ولكن دعنا نراجع الأسماء, حيث سنجد ان الذين يحكمون في هذه الجوائز ويضع لوائحها مصريون, وكذلك من يفوز بها مصريون بنسبة كبيرة, حتي المهرجانات السينمائية والفنية سنجد ان المصريين عنصر مهم ورئيسي في نشأتها. الدور الثقافي المصري دور تاريخي, يرتبط بالوعي الذي لا يتشكل في عام أو حتي مائة عام, الوعي الثقافي المصري ممتد منذ الحضارة الفرعونية مرورا بجميع الحضارات التي مرت بها مصر, وبذلك كل هذا التاريخ لا يمكن ان يتراجع! * اعتدنا دائما ان نحصر معني لفظة( ثقافة) في مفهوم ضيق هو ذلك المتصل بالإبداع الأدبي أو الفني, برغم ان معني الثقافة شمولي يشمل كل المعارف, فما جهود الهيئة لتصحيح هذا المفهوم الخاطئ؟ ** حصر الثقافة في نطاق ضيق كارثة حقيقية وهو ما سعينا الي تصحيحه عبر انشاء سلسلتين جديدتين, واحدة منهما عن الثقافة الرقمية, الكمبيوتر والانترنت والاخري عن( حكاية مصر) وظيفتها تعريف تاريخ مصر للشباب, ونحاول ان نحقق نوعا من التوازن, لأن الأدب والفن جزء من المكون الثقافي العام. وفي الهيئة توجد أنشطة خدمية في الحرف والفنون, واضفنا دورات في الكمبيوتر ودورات في اللغة الانجليزية مجانية في بعض قصور الثقافة, ونعتبرها أداة جذب وتواصل مع الجماهير. * القوافل الثقافية فكرة نفذها قبل قرون الأمير والأديب الأندلسي الصاحب بن عباد حين كان يستصحب في أسفاره30 جملا تحمل له كتب الأدب, فماذا أضافت القوافل الثقافية الحالية الي فكرة ابن عباد, وكيف ترون عملها بمنظور معاصر؟ ** أهتم بتفعيل القوافل الثقافية وأسافر دائما لاسيما في المناطق الحدودية, وذهبت الي حلايب وشلاتين, للمرة الأولي كرئيس للهيئة ووضعنا حجر أساس وشاهدنا فرقة حلايب وشلاتين وفي القلعة في شهر رمضان الماضي. لأول مرة مثلت حلايب وشلاتين بمعرض للفنون التشكيلية وأيضا بفرقة الفنون الشعبية والقوافل الثقافية تعمل علي الاطراف الحدودية التي تدخل في دائرة الأمن القومي, ونحن نسعي لأخذ ثقافتها التي تمثل مكونا رئيسيا من الثقافة المصرية ونعرضها في العاصمة, كما أننا بالمثل نعرض علي سكانها ثقافات العاصمة والمحافظات الأخري, وبالمثل حدث هذا في سيدي براني وسيوة, وأتت فكرة القوافل الثقافية بنتائج مهمة جدا تبشر بالخير. * الارتقاء بوجدان وفكر المواطن هدف من أهم أهداف الهيئة العامة لقصور الثقافة, ما مدي توفيق الهيئة في تحقيقه؟ ** نعم.. الارتقاء بوجدان الشعب وفكره هدف للهيئة, ولكن دعني أقل ان وزارة الثقافة ليست وحدها مسئولة عن تشكيل الوعي الثقافي للمواطن, فمثلا لدينا ثقافة إجبارية نأخذها من وزارة التربية والتعليم, تعقبها ثقافة نصف إجبارية نأخذها في التعليم الجامعي, فضلا عن ثقافة الإعلام التي لها جمال خاص لمزجها بالفن, ونأتي بعد ذلك الي الصناعة الثقيلة للثقافة التي تقدمها وزارة الثقافة وهي اختيارية, يمكنك ان تذهب أولا تذهب. إذن كل هذه الجهات( التربية والتعليم والتعليم الجامعي والإعلام) في تكامل أحيانا وفي تصارع أحيانا أخري لها دور في تشكيل وعي المواطن وثقافته. ووزارة الثقافة لها دور كبير ولكنه ليس الدور الوحيد, انها منظومة متكاملة لذلك فدورنا ان نصل الي نقطة وسطي, نستطيع فيها ان نجعل من الثقافة عنصر جذب للمواطن, وليس عنصر تنفير.