ما حكم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف؟ وما هى ضوابط وكيفية هذا الاحتفال، خاصة أنه صدرت بعض الفتاوى قبل أيام قليلة من ذكرى مولده الشريف تحرم ذلك، وتدعى أن الاحتفال بدعة، بل وتحرم تلك الفتاوى السير بالموكب وحمل الأعلام والضرب بالدف، أو الوقوف فى حلقات الذكر، وتحرم كذلك شراء الحلوى وإهداءها؟. أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة: إن المولد النبوى الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشرى جميعه، والاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبى صلى الله عليه وسلم، ومحبة النبى أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري. وقال تعالي: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره..) التوبة:24. والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم هو الاحتفاء به، والاحتفاء به أمر مقطوع بمشروعيته، لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولي، وقد درج سلفنا الصالح منذ القرنين الرابع والخامس الهجريين على الاحتفال بمولد الرسول صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح. وقد ورد فى السنة النبوية ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بالنبي، صلى الله عليه وسلم، مع إقراره لذلك وإذنه فيه، فعن بريدة الأسلمي، رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إنى كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا). فإذا كان الضرب بالدف إعلانا للفرح بقدوم النبى صلى الله عليه وسلم من الغزو أمرا مشروعا أقره النبى صلى الله عليه وسلم وأمر بالوفاء بنذره، فإن إعلان الفرح بقدومه صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا- بالدف أو غيره من مظاهر الفرح المباحة فى نفسها- أكثر مشروعية وأعظم استحبابا. وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الشريفة جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صح أنه كان يصوم يوم الاثنين، ويقول: ذلك يوم ولدت فيه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام. أماما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادى بها فى المولد الشريف، فهو أمر جائز فى ذاته، وأما ما جرى عليه العمل فى بعض الأنحاء من عمل موكب يسير فيه المحتفلون بالمولد حاملين رايات يُنتَقَش عليها بعض الشعارات الدينية، ويتغنون فيها بالمدائح النبوية والقصائد الزهدية فلا حرج فيه مادام خلا عما ينافى الشرع من الاختلاط المذموم أو تعطيل المصالح العامة ونحو ذلك. وأما بخصوص الوقوف فى حلقات الذكر والتَّمايُل فى أثنائه، فنقول: إن الله تعالى طلب الذكر من المسلمين مطلقًا؛ فقال: (يا أيها الذين آمنوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا) [الأحزاب:41]، وقال مادحًا عباده المؤمنين: (الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِم)، آل عمران:191، فالحثّ على الذكر جاء على لسان الشرع الشريف مطلقًا، فالأصل أنه لا يُقَيَّد بحالٍ دون حال أو بوقت دون وقت. وروى عن الإمام على رضى الله تعالي، عنه أنه قال فى وصف الصحابة رضى الله عنهم: إذا ذُكِر اللهُ مادُوا كما تَمِيدُ الشجرةُ فى يومِ ريحٍ فانهَمَلَت أَعيُنُهم حتى تَبُلّ ثِيابَهم، وهذا الأثر صريحٌ فى أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا يتحركون حركة شديدة فى الذكر ومادام انضبط الذكر بالأدب، وعدم تحريف ألفاظ الذكر بما يفسد معناها فلا يظهر معنى فى المنع.