كتاب الأخ العزيز الأستاذ سامي متولي مدير تحرير الأهرام الذي يفيض بالحب للأهرام علي مدي خمسين عاما, لم يكن في الواقع حبا من طرف واحد بل كان حبا متبادلا بين سامي متولي وبين كل من عرفه ورافقه في رحلة البحث عن المتاعب بالأهرام. ................................................................... عندما التحق سامي متولي بالأهرام في عام1958 ضمن أول دفعة من خريجي قسم الصحافة بكلية آداب القاهرة, كان عدد الصحفيين بالأهرام لا يتجاوز الخمسين صحفيا معظمهم تتراوح أعمارهما بين الأربعين والخمسين, وحتي تنجح ثورة تحديث الأهرام التي قادها الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس التحرير لم يكن أمامه سوي الاعتماد علي الأجيال الجديدة من الشباب, فالشيوخ لايقومون بثورة بل يرفضون بطبيعتهم التغيير, ولتحقيق هدفه ألحق الأستاذ هيكل بالأهرام عشرين صحفيا من خريجي أول دفعة من قسم الصحافة بآداب القاهرة, جري توزيعهم علي كل أقسام التحرير بالجريدة وكان من بينهم سامي متولي ونخبة من أفضل الصحفيين حبا للمهنة والتزاما بأخلاقياتها وآدابها. لكن سامي متولي كان ينفرد عن الجميع الي جانب موهبته وكفاءته المهنية التي يعترف بها كل من عاصره بدماثة نادرة في الخلق وحب يفيض به علي كل من حوله. طوال خمسين عاما لم أجده غاضبا أو مستفزا عندما تدفعنا أحيانا هموم مهنتنا الي الغضب. لم أسمع منه طوال هذه السنوات لفظا نابيا أو خادشا للحياء. هذا الانسان الجميل الذي أشعر وأنا أتحدث اليه بالأمان والسكينة عندما أدخل الي مكتبه غاضبا أوشاكيا من تجاوزات بعض الزملاء, في لحظات أشعر بالهدوء بل وبالخجل, فكلماته تقول أنه لاشئ في هذا العالم يستحق الغضب. كنا مع سامي متولي سعداء بالعمل في الأهرام وخرج من جيلنا أفضل صحفيين سوف تظل بصماتهم مطبوعة علي صفحاته وجدرانه ذكرهم الزميل العزيز في كتابه: صلاح منتصر ومكرم محمد أحمد وفهمي هويدي وآخرون. كل واحد من هؤلاء مع سامي متولي يمثل مدرسة صحفية في حد ذاته وكل منهم كان الأهرام بالنسبة اليه بيته الثاني. أعطوا كثيرا للأهرام وكانوا سعداء بعطائهم لأسرتهم الثانية. الأهرام بالنسبة لسامي متولي ولجيلنا لم يكن مجرد مؤسسة صحفية نعمل بها ونتقاضي في نهاية الشهر مرتبا مقابل هذا العمل, كانت دماؤنا تختلط بالأحبار التي تطبع بها الجريدة. انتماؤنا للأهرام كان يفوق أي مصالح شخصية. والالتزام والانتماء والتفاني في العمل كانوا من خصال هذا الجيل, ورفضنا العمل خارج الأهرام مهما تكن المغريات. والذين تركوا الأهرام ليتولوا رئاسة مؤسسات صحفية أخري عادوا اليه بمجرد انتهاء مهمتهم. وكان سامي متولي القدوة في هذا الانتماء والالتزام. كان أول من يدخل مكتبه في السابعة صباحا ويغادره اذا كانت الأحداث تسير طبيعية في الخامسة عصرا. طوال العشرين عاما الماضية أسند الأستاذ ابراهيم نافع كل مسئوليات ادارة التحرير الي سامي متولي الي جانب عمله الصحفي ومتابعته لجلسات مجلسي الشعب والشوري. كان سوء حظ سامي متولي أن يتعامل مع وزراء وشلة حسني مبارك وأسوأ نظام سياسي شهدته مصر في العصر الحديث. وكان قادة مجلس الشعب الذين دخل أغلبهم المجلس بالتزوير من مصادر أخباره, لكن سامي متولي نجح في أن يفرق بين مسئوليات مهنته وواجبه تجاه الأهرام وبين هذه المصادر. كانت علاقاته بالجميع طيبة رغم أنه لم يكن ضمن الشلة ولم يكن عضوا في الحزب الوطني ولا حزب مصر أو هيئة التحرير. كان عضوا فقط في أسرة الأهرام ينتمي الي قادة الرأي الشرفاء الذين لايبحثون عن المناصب والمصالح لكنهم يحرصون علي أن تظل قامتهم عالية وقيمتهم لاتقدر بمال. أوصي الأجيال الجديدة من الصحفيين وكل طلاب الصحافة أن يقرأوا كتاب سامي متولي فمن سطوره سيجدون الطريق للنجاح والتفوق في مهنتهم ويرفضون الانحناء للسلاطين والأغوات.