رئيس الوزراء اللبنانى تمام سلام من بيت سياسى عريق، فهو إبن رئيس وزراء لبنان الأسبق صائب سلام، وقد تولى رئاسة الوزراء وسط جو عاصف من التجاذبات والإختلافات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين بعد11شهرا من تكليفه بتشكيل الحكومة. وقد شغل المنصب الكبير بعد توافق فريقى 14 و8آذار على اسمه ليكون رئيسا للوزراء خلفا لحكومة رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي،وسط عواصف إقليمية ودولية ونار مشتعلة فى سوريا للعام الخامس على التوالي، وقد ورث تركة ثقيلة من مشاكل المواطنين والوطن ومليونى نازح سورى يعادلون مايقرب من نصف عدد سكان لبنان، وقد أدار ولايزال يدير الحكومة فى لبنان بحنكة ابن البيت السياسى العريق جامعا بين يديه كل خيوط التوافق السياسى فى بلد يعيش فيه 18طائفة، وتتجاذبه الأمواج العاتية داخليا وإقليميا ودوليا وسط شغور رئاسى للعام الثانى على التوالي. "الأهرام" إلتقت رئيس وزراء لبنان دولة الرئيس تمام سلام فى السراى الحكومى الكبير وكان هذا الحوار حول مشاكل لبنان والقمامة والعسكريين المخطوفين لدى «داعش» والنصرة والشغور الرئاسى ومصر ودورها الذى تستعيده تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي. وفيما يلى نص الحوار: يقول البعض"غابت مصر عن لبنان فحضرت إيران" فإلى أى مدى يصدق هذا القول ،بعد تراجع الدور المصرى فى لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية؟ يجب الإعتراف بأنه لسنوات طويلة كان هناك غياب عربى على مستوى وحدة العرب وتواصلهم وتقدم الشعوب العربية، وكان لمصر قبل ذلك دائما الدور المميز والقيادى ،ومرت مصر بظروف صعبة جدا، اسهمت فى ضعف عربى شكل مجالا لإفساح الطريق أمام مستجدات أخرى،ومانشهده اليوم فى العديد من الدول العربية يدل على أن العرب لايعيشون فى ظل الماضى المجيد، بل مع الأسف يخوضون اختبارا كبيرا نأمل أن يخرجوا منه بكثير من الدروس والعبر،لمواجهة المستقبل المتطور جدا والسريع فى المنطقة والعالم، ويبقى لمصر دورها الكبير،ونتمنى لها الاستقرار والنجاح بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث نشهد العديد من المشروعات والمواقف التى لاتعزز مصر وتعطيها فرصا جديدة فقط ،بل نأمل أن تتكامل مع الدول العربية الأخرى لعودة العالم العربى إلى الذات. وهل تعتقدون أن الدور المصرى قد يعود لقوته فى لبنان فى ظل القيادة الحالية وانفتاح السفارة المصرية فى بيروت على كل القوى والتيارات السياسية فى لبنان؟ نتمنى أن يعود الدور المصرى إلى قوته فى كل العالم العربى والمنطقة، ولاشك أن للبنان علاقة خاصة مع مصر تاريخيا ووطنيا وقوميا وثقافيا وتربويا واقتصاديا، لأن مصر دولة كبيرة وهى أم الدنيا، وبالتالى فاللبنانيون لهم حصة كبيرة فى الحياة المصرية، كما أن لمصر دائما مكانة خاصة عندنا فى لبنان، ونتطلع إلى ذلك بكثير من الأمل. تواجه مصر ولبنان نفس الإرهاب ،فهل هناك تنسيق بين البلدين لمواجهة الإرهاب الذى ينتشر فى المنطقة؟ بلاشك هناك ديناميكية معينة للتنسيق بين أجهزتنا الأمنية والأجهزة المصرية، والعلاقة بينها تسير على قدم وساق، من حيث تبادل المعلومات والترقب والمتابعة لتحركات الإرهابيين ونشاطاتهم، وذلك بصفة يومية، وقد شهدنا فوائد عديدة لهذا التنسيق لما تم إحباطه داخل لبنان ومصر أيضا،ونأمل أن يتم تكثيف هذه العلاقات بين البلدين. فى كلمتكم خلال إعلان الحكومة اللبنانية فى 2014 دعوتم الجميع إلى التنازل لصالح مشروع الدولة والإلتفاف حول الجيش،ولكن الواقع يؤكد أن تعطيل الحكومة لايزال مستمرا.. فلماذا؟ تعطيل الحكومة أمر حديث، لأن هذه الحكومة عملت لمايزيد على عام ونصف العام بجهد مميز، حقق نتيجته الأمنية فى كل لبنان، وتم إقرار العديد من المشاريع ،وإتخذت إجراءات فى المجالات كافة،حصنت لبنان إلى حد بعيد من العاصفة التى تضرب المنطقة،ومؤخرا حصل بعض التأزم فى العلاقة بين القوى السياسية اللبنانية،مما أدى إلى تأخير إلتئام مجلس الوزراء وبالتالى تعطيله،وذلك لايمكن أن يستمر ،وستقوم الحكومة قريبا بعقد جلسة لمتابعة قضايا العباد والبلاد. وهل الحوار الذى دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه برى وجمع كل القوى السياسية له دور فى هذا التوافق الظاهرى الذى يعيشه لبنان حاليا؟ - الحوار الذى دعا إليه الرئيس بري،وأى حوار جماعيا أو ثنائيا أوثلاثيا بين القوى السياسية لاشك يؤثر إيجابا على الأجواء العامة ،وبالتالى يفسح المجال أمام القوى السياسية لتداول خلافاتها ،ومحاولة سحب بعض الخلافات من التداول ،وإحلال بعض التصور الإيجابى والبناء ،وهذا مفيد بشكل طبيعى للحكومة وللبلد. ولكن دعوة رئيس مجلس النواب للحوار جاءت تحت ضغط الشارع والحراك المدنى بسبب قضية القمامة المتراكمة منذ يوليو الماضى بدون حل،كما لم ينفذ مشروع وزير الزراعة اكرم شهيب لحل المشكلة بعدما إتفق الجميع على مشروع بإيجاد مطامر للقمامة حسب المناطق المختلفة....فلماذا لم تحل المشكلة حتى الآن؟ الحوار فعلا له علاقة باستفحال الخلاف السياسى بين القوى اللبنانية،اما مشكلة القمامة فهى مشكلة من بين بعض المشاكل الأخري،ولكنها برزت أكثر من غيرها لأنها تؤثر مباشرة على صحة وحياة الناس والمناخ العام فى البلد،وقد تفاقمت مشكلة القمامة نتيجة عدم التفاهم بين القوى السياسية على مدى سنوات، وأدت إلى مانحن فيه الآن، وهذا لم يمنعنا من السعى المتواصل لحل المشكلة، ووزير الزراعة اكرم شهيب يتابع هذا الأمر على رأس لجنة، وكدنا نصل إلى حل منذ ثلاثة أسابيع ،ولكننا إصطدمنا بخلافات سياسية داخلية، واليوم يبدو أننا ذاهبون إلى إعتماد آلية الترحيل، او تصدير القمامة، فى ظل عروض الدول الكثيرة التى تطلب هذه القمامة لتنتج منها الطاقة،خاصة وأن حجم القمامة فى العالم يعادل 300مليار دولار سنويا، وبالتالى هناك تنافس من الشركات الكبرى فى العالم لإستخراج الطاقة من هذه القمامة، واليوم نحن أمام عروض من بعض الشركات لتصدير القمامة إلى الخارج مرحليا لمدة تتراوح مابين عام وعام ونصف العام، وذلك حتى نعتمد حلولا جذرية داخل لبنان تتطلب هدوءا ودراسة ومناخا سياسيا إيجابيا وبناء لدعم أية خطة لحل مشكلة القمامة. وبسبب الحراك المدنى الذى إشتعل على خلفية القمامة بدون حل، هددتم أكثر من مرة بالاستقالة من الحكومة مالم يتحمل المسئولون مسئولياتهم الوطنية، فأين سيذهب لبنان إذا تمت الاستقالة فى ظل الشغور الرئاسى المستمر للعام الثانى على التوالي؟ من الطبيعى أن ألوح بالاستقالة مرة ومرتين فى مواجهة الإستعصاء والعقم على مستوى الأداء السياسى فى البلاد، لأننى أتحمل المسئولية من موقع وفاقى وتوافقى بين القوى السياسية، فإذا لم ترد هذه القوى السياسية أن تواصل وتتابع الأمر من خلال حكومة المصلحة الوطنية وهى حكومة إئتلافية بعد 11شهرا من فراغ حكومى وحكومة تصريف أعمال وعجز عن تشكيل الحكومة،فهذا شأنها،وأنا لست متمسكا بالكرسى والموقع، ولاأريد أن أساهم فى إستفحال الصراع السياسى، ومن هنا لوحت بالإستقالة ،وإذا إستقال رئيس الوزراء فى ظل الشغور الرئاسي، فلن يكون هناك مجال لتأليف حكومة جديدة، ولذلك كان تلميحى بالإستقالة لتنبيه القوى السياسية بأن الأمر لايمكن أن يستمر وسط هذا التعطيل. إستقبل لبنان منذ بداية الأزمة السورية فى 2011وحتى الان حوالى مليونى نازح سورى أى مايعادل نصف عدد سكان لبنان،وهذا يؤثر سلبيا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا على لبنان إذا لم تتوافر الظروف الحياتية الملائمة لهؤلاء النازحين، فكيف يواجه لبنان هذه المشكلة التى تستفحل يوما بعد يوم؟ بلاشك فإن نسبة النزوح السورى إلى لبنان عالية جدا وغير مسبوقة فى أية دولة فى العالم، وهذا يشكل عبئا اقتصاديا ومعيشيا وسياسيا على لبنان،ولم يكن لبنان مستعدا لذلك،وكان ولايزال المطلوب هو الكثير من المساعدة والدعم لتحمل هذا العبء، وإذا لم تكن المساعدة كما يجب، فسوف ينتج عن هذا الوضع امور شاذة وغير مستحبة، وأى شعب عندما يمر بضيق وفقر وتعثر معيشى فإنه يلجأ لأساليب غير مشروعة ،ومن جهة أخرى نحن لم نقصر ونحاول بشكل حثيث ان نعامل إخوتنا السوريين كأنهم فى بلدهم، ونؤمن لهم التعليم والصحة والغذاء والإيواء، وكل مستلزمات العيش الكريم، وهذا امر ملحوظ،لأن اللبنانيين بدون قرار رسمى إستقبلوا النازحين ،ولايتذمرون من ذلك أبدا. ولكن نشطاء النازحين دشنوا حملة إعلامية تحت عنوان"إخرجونا من لبنان" بعد مداهمة قوات الأمن والجيش لأماكن تجمعاتهم ومعاملتهم بقسوة فى الشمال والبقاع؟ نسبة هذه المداهمات قليلة جدا، وقد حدثت حرصا من لبنان على عدم تسرب الإرهابيين إلى هذه التجمعات، والغالبية العظمى من النازحين يعيشون بكرامة ،وفى وضع أفضل كثيرا من بقائهم فى سوريا وسط المعارك هناك، ولذلك نطالب الدول المانحة بالدعم والمساعدة للنازحين والمضيفين على حد سواء. فى خطابه الأخير بعد الحادث الإرهابى بالضاحية الجنوبية تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن تسوية شاملة بخصوص منصب رئيس الجمهورية وقانون الإنتخاب وحل المشاكل العالقة ،ولاقى خطابه وعرضه استحسانا من كل القوى السياسية وعلى رأسها تيار المستقبل ،مما يمهد لتسوية حقيقية تنهى الشلل السياسى الموجود،فهل يتفق الجميع على رئيس للجمهورية وقانون إنتخاب جديد وسط الإنقسامات الحادة بين فريقى 14و8آذار؟ - هناك مواقف معلنة بتوجهات إيجابية ومنفتحة،وتم تلقفها من الجهات الأخرى ،وهذا الأمر أشاع مساحة واسعة من الإرتياح لدى الجميع،خاصة بعد الإستهداف الأمنى الأخير بالضاحية الجنوبية،وترك جرحا بليغا فى الجسم اللبناني،ولذلك كان للإنفتاح بين القوى السياسية والرغبة فى التواصل أثره الذى واكب الحوار القائم والجهود المبذولة لحل المشاكل العالقة ،ونأمل ان يؤدى كل ذلك إلى مزيد من الإنفراجات ،وعلى رأسها توصل القوى السياسية إلى الإتفاق على شخصية معينة لشغل منصب رئيس الجمهورية. وبعد هذا الانفتاح والتواصل ومحاولة التوافق ترددت تقارير إعلامية تؤكد أن هناك قبولا وتوجها لاختيار رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية كرئيس توافقى يلقى ترحيبا وإن كان خفيا من كثير من القوى السياسية اللبنانية، بالرغم من إعلان فرنجية دائما أن مع ترشيح العماد عون كإختيار لفريق 8آذار لرئاسة الجمهورية، فهل يتفق الجميع لاختيار فرنجية للرئاسة بعيدا عن مرشحى 14و8آذار سمير جعجع وميشال عون؟ يمكننى القول إنه لن يكون هناك رئيس للبنان مالم يحدث توافق بين 14و8آذار يقود إلى الإستقرار على إختيار شخصية معينة لشغل منصب الرئيس، ولن يكون هناك رئيس بالتحدى يمثل فريقا دون الآخر، واليوم يدور كلام بكثافة حول رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ليكون رئيسا للجمهورية، وهذا أمر طبيعى فى جو السعى إلى توافق،ونحن نامل أن تصب كل الجهود بإتجاه إختيار شخص توافقى لهذا المنصب،لأن ذلك سيشكل المفتاح لعودة الحياة الديمقراطية بوسائلها وأدوارها كافة لتساهم فى وضع الأمور فى نصابها وإستقرار البلد. وهل تعتقدون أن منصب رئيس الجمهورية هذه المرة من الممكن ان يكون صناعة لبنانية بعيدا عن التجاذبات والتدخلات الإقليمية والدولية فى الشأن اللبناني؟ - هذا مانأمله، ويأمله كل وطنى مخلص،ولكن مابين الأمل والواقع يجب أن نكون موضوعيين، فلبنان بلد صغير تأثر ويتأثر دائما بالأحداث والتطورات المحيطة به، وبالتالى فلابد ان يكون هناك بعض التأثير الذى نأمل أن يكون إيجابيا لمساعدة الوضع الداخلى على حل أزماته، فضلا عن أى توافق أو تقارب أو حل سياسى فى المنطقة فى سوريا أو غيرها هو أمر مرتجى للجميع، لتقريب الشعوب والدول والتخفيف من الوضع المشتعل لبنانيا فى الوقت الراهن.