لم يكن شاعرا معروفا قبل عام2013, حتي فاز بجائزة أمير الشعراء الإماراتية في موسمها الخامس, فأصبح أحد نجوم الشعر في الوطن العربي, إلا أن هذا في حد ذاته لا يصنع شاعرا, ولكن شاعرنا نجح خلال العامين الماضيين في طبع بصمته من خلال تجويد فنه ومن خلال الندوات والمؤتمرات والبرامج التي شارك فيها في كل أنحاء الوطن العربي, فأصبح عنصرا مؤثرا في حركة الشعر العربي في الوقت الحالي, إنه د. علاء جانب الذي أجرينا معه هذا الحوار... { بالرغم من إنجازاتك شعريا وإعلاميا,إلا أنك مقل جدا في إنتاجك المنشور, حيث لم ينشر لك إلا ثلاثة دواوين فقط في12 عاما من وأنا وحدي(2002) حتي لاقط التوت(2014).. ما سبب ذلك؟ {{ أنا أكتب الشعر منذ عام1986 لكني كنت مشغولا بإتمام دراستي في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر, حتي أنهيتها في عام1996 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف, ثم تفرغت للماجستير, وأيضا بدأت في الاستعداد للزواج, ولأنه لا توجد دار نشر تتبني الموهوبين فقد كان علي تحمل تكاليف طبع الدواوين, وكنت أحتاج لهذه الأموال لبناء حياتي الاجتماعية والعلمية. وهناك سبب آخر وهو أني حريص علي ألا أنشر من قصائدي إلا ما يستحق النشر, صحيح أن هناك قصائد جميلة تناسب المرحلة العمرية التي كتبت فيها, لكن السؤال هو: هل هذه الأعمال تصلح للبقاء؟ وهل يرجي منها أن تغير شيئا في الواقع الأدبي أو الثقافي؟.. ولهذين السببين فأنا مقل في نشر أعمالي. { ماذا عن ديوان متورط في الياسمين الذي أعلنت عنه منذ أكثر من عام ولكنه لم يصدر حتي الآن؟ {{ تأخر صدور هذا الديوان بسبب مشكلات إدارية لا دخل لي فيها. فكان يفترض أن يصدر في شهر مايو الماضي في معرض أبو ظبي للكتاب, لكن حدثت مشكلات في الطباعة فتأخر الديوان عن المعرض, فتراخيت في السؤال عنه, وكذلك تراخت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث التي تصدره, لأنه يبدو أنها تصدر الأعمال علي هامش المعرض, لكني أعتقد أن الديوان جاهز للصدور الآن. { عرف عنك ارتباطك بالفصحي, لكن الملاحظ أنك تكتب قصائد التأبين والرثاء بالعامية, حدثنا عن هذه التجربة.. {{ ليست قصائد الرثاء فقط, بل إن قصيدة هايدي وهي أشهر قصائدي كتبتها بالعامية. وهي قصيدة سياسية اجتماعية. ومن الناحية كتبت قصائد رثاء بالفصحي, وأنا لا أرفض العامية كبعض كتاب الفصحي لأني أري أن جوهر الفنون واحد, وأنا ابن الشارع المصري ومتشبع بالوجدان المصري, وقرأت لعمالقة الكتابة بالعامية وعلي رأسهم بيرم التونسي وصلاح جاهين وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم وغيرهم من شعراء العامية المصرية الذين تشبعت بهم, وأري أحيانا أن في أعمالهم ما يفوق كثيرا من الأعمال المكتوبة بالفصحي, وصحيح أن دراستي الأزهرية جعلتني أرتبط بالفصحي ارتباطا وثيقا, إلا أني لا يمكن أن أنفي تشبعي بالثقافة المصرية. { قسمت الشعراء إلي شاعر فاعل وشاعر منفعل.. ماذا تقصد بهذا التقسيم؟ {{ الشعراء الفاعلون هم الشعراء العباقرة أصحاب المدارس الذين يصنعون الحدث ولا ينتظرون وقوعه لكي يؤثر فيهم فيبدأون الكتابة, أما الشاعر المنفعل فهو الذي ينتظر حدثا يحرك مشاعره وذهنه لكي يبدأ في الكتابة, فالأول شاعر عبقري, والثاني شاعر جيد لكنه ينتظر من يحركه. فالمتنبي مثلا شاعر فاعل يمثل مدرسة أثرت في أجيال عديدة, وصنع أحداثا أدبية وأحدث حركة نقدية حول شعره, والشاعر المنفعل هو الذي يتأثر بهذا الشاعر الفاعل, ومن أمثلة الشاعر الفاعل في العصر الحديث أمل دنقل ونزار قباني اللذان أثرا في الأجيال التالية لهما. { ماذا أضاف لك الفوز بلقب أمير الشعراء؟ {{ استفدت كثيرا من فوزي بالمسابقة. وأول فائدة علي مستوي الشعر, فقد جعلتني أحتك بالمدارس الشعرية المختلفة لشعراء علي مستوي الوطن العربي,فتعرفت علي البيئات الشعبية والثقافية التي جاءوا منها, مما أثري تجربتي الشعرية, فمن الطبيعي أن يتطور شعري بعدها. هذا بالإضافة إلي الشهرة الإعلامية الواسعة, فبعد أن كنت شاعرا لا يعرف أحد عنه شيئا, أصبحت نجما في الفضائيات وعلي الشاشات, وتنتظرني الجماهير في الندوات. { أنت تنتمي إلي مؤسسة دينية وهي الأزهر الشريف, وهو ما سبب حالة من التناقض الإعلامي تجاهك, فبين دهشة أن يخرج أمير الشعراء من الأزهر, وبين فخر بكون هذه الموهبة موهبة أزهرية.. فما أثر أزهريتك علي إنتاجك الشعري؟ {{ أثر الأزهر علي كأثر الجينات في الجسم, لا يمكن لأحد أن ينكرها, فأنا أزهري ومن وسط كله تربي علي التعليم الأزهري, ولا يمكن أن أنكر فضل الأزهر علي, ولا أستطيع أن أتخلص من شخصيتي الأزهرية, ومعني التعليم في الأزهر أي حفظ القرآن في سن مبكرة جدا, فقد حفظت القرآن كاملا في المدرسة الأزهرية وأنا عمري12 سنة, والدراسة في الأزهر معناها الاهتمام باللغة العربية ودراسة التراث العربي والإسلامي والتفاعل معه, ومن خلال الأزهر تفتحت عيني علي اللغة والشعر, فقد تعلمت الشعر من شواهد النحو في كتاب شرح الندي وكتاب شرح ابن عقيل خلال دراستي في الأزهر, وكل هذا انعكس علي شعري, فأنا متشبع بالقرآن الكريم. { لك دراسات نقدية عديدة.. فأيهما يطغي عليك: الناقد أم الشاعر؟ {{ الشاعر طبعا, فحتي دراساتي النقدية أكتبها بروح الشاعر, فأنا أري أن ما أضعف النقد هو دخول غير المبدعين في العملية النقدية, فلابد أن يكون الناقد ممتلكا لحس الشاعر الذي يجعله يستطيع وضع نفسه مكان الشاعر, وإلا فسيكون ناقدا فاشلا, فسر نجاح الناقد هو أن يفهم أسرار الشعر والشاعر ويستطيع تقدير جهده المبذول وإحساسه فيما كتب, وهذا يحتاج إلي دراسة موسعة لشخصية الشاعر ونفسيته وثقافته وبيئته, بحيث يتمكن من تمثيل الشاعر أثناء الكتابة, وإلا فسيظلم الشاعر والشعر. والنقد فشل عندما تحول إلي علم تنظيري بحت, لكن عندما يكون نقدا تطبيقيا مبنيا علي واقع شعري فإنه يكون نقدا ناجحا, أما عندما يبني النقد علي افتراضات ذهنية يتحول إلي ما يشبه علوم الرياضيات, أي علم تجريدي بلا ملامح إنسانية. من أشعاره مطري يا مطرة خالعي أثوابنا.. كنا نغني نحن أطفال جنوبيون تغرينا السماء عندما تفرح بالرقص البدائي فتعطينا رغيفا من ضياء مطري ها نحن مغموسون في الأرض ورقاصون في الريح كأعواد الذرة مطري يشتط في أرجلنا( السامر) والمزمار والطبل الصعيدي وتحطيب الرجال السمر قرع الشوم بالشوم وصوت الملح فوق المجمرة مطري يا.. ننتشي حين علي أجسادنا تهطل أسماء صبايا ينبت الجلد براعيم إذا لامس خد الغيم كف الشجرة أمنا الشمس تنادينا لكي تمنحنا السمرة والبسمة والقلب السماوي وكي تغسلنا بالأغنيات المزهرة مطري يا سحب شدو..فتجيبين ونشدو: (مطري يا مطره...خلي القمحه ب عشره) كبري الجرن وهاتي لي حبيبا إن أم أخبرتني أنني صرت كبيرا بعد يومين أتم العشرة علاء جانب من قصيدة: السيرة الروحية لأغنية المطر