حالة من الخوف والترقب تنتاب أبناء الجالية العربية في بلجيكا، ولا سيما القاطنين بالعاصمة بروكسل، علي إثر اكتشاف أن ثلاثة من منفذي هجمات باريس الدموية ينحدرون من حي مولنبييك الشهير بالعاصمة البلجيكية، و الذي ينحدر أغلب قاطنيه من أصول مغربية ، علما بأن المغاربة يشكلون الجالية الأكبر هنا في بروكسل بين أبناء الجاليات الأخري، فيما يصل تعداد الجالية المسلمة في عموم البلاد الي ما يقرب من مليون فرد وفق احصاءات غير رسمية. حيث يتم حظر عمل الاحصاءات علي أساس الهوية الدينية. وبينما يقدر البعض عدد المغاربة بنحو 300 الف، تصل تقديرات اخري بالرقم الي نحو نصف مليون من اجمالي عدد سكان بلجيكا، الذين يزيدون قليلا علي عشرة ملايين . ويشعر من يسير في “ مولنبييك “ أنه في بلد عربي مسلم تماما، من حيث الكثافة السكانية العالية و انتشار اللغة العربية و الحجاب و مطاعم “ الاكل الحلال “، علي نحو يبدو معه المواطن البلجيكي غريبا هنا . علي هذه الخلفية زادت مشاعرالترقب بأوساط الجالية العربية بعد الاعلان عن أن السيارتين المستخدمتين في الهجمات تم تسجيل بياناتهما في هذا الحي القريب من وسط العاصمة و محطة القطار الرئيسية . وجاءت التصريحات النارية لوزير الداخلية في الحكومة الفيدرالية “ جان جانبون “ لتعزز من الانطباع الذي يتبناه حزب التحالف الفلاماني اليمني المتطرف، و الذي يهيمن علي الحكومة ، ولا يري في مولنبيك سوي “ قاعدة للتطرف وملاذ آمن للارهابيين “ . قال الوزير جانبون أنه سوف يتولي بنفسه ملف بلدية مولنبييك، وأضاف في تصريحات نقلها الموقع الالكتروني لصحيفة “ لو سوار “ : ما أريد أن أفهمه هو لماذا لا ينفع بداخلها ما ينفع بخارجها “، في إشارة منه الي نجاح سياسات محاصرة أنشطة التطرف في اقليم فلاندرز الشمالي ويعد معقل الحزب و تعثر تلك السياسات في اقليم بروكسل الذي تنتمي اليه البلدية المثيرة للجدل . وردا علي سؤال مخيف عما إذا كان يعتزم “ تنظيف مولنبييك “ ، لم يستأ أو يستنكر استخدام هذا التعبير المفزع و قال : هل أعتزم تنظيفها ..حسنا سوف نري ما يمكننا عمله ..لكن المؤكد أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر أبدا! “ ويمكن للمراقب أن يرصد تحول هجمات باريس الي فرصة يوظفها الحزب الحاكم سياسيا لمعايرة خصومه من احزاب اليسار والتوجهات الليبرالية، و التي تهيمن علي اقليمي والونيا و بروكسل بينما يهيمن الحزب الحاكم المعروف اختصارا ب” في إن - إيه “ علي اقليم فلاندرز الشمالي ذي النزعة الانفصالية فضلا عن تشكيله للحكومة الفيدرالية . وبينما يريد الأخير أن يثبت أن الاحداث الاخيرة أثبتت بعد نظره في تبني مواقف عدائية تجاه الأجانب والمهاجرين عموما - وعلي رأسهم العرب والمسلمين حيث تجلي ذلك علي سبيل المثال في منعهم من ممارسة ذبح الأضحية في عيد الاضحي الماضي بدعوي تعارض ذلك مع مباديء الرفق بالحيوان - فإن مسئولي اقليمي بروكسل ووالونيا لم يعودوا يجادلون لاثبات أن رهانهم علي سياسات ادماج المهاجرين العرب في المجتمع لا تزال مجدية . وعلي نحو غير مباشر ، يتهم وزير الداخلية المنتمي للحزب الفلاماني لمسئولي اقليم بروكسل الذي يتمتع - كما في الاقليمين الآخرين - بالحكم الذاتي بأن جميع منفذي العمليات الارهابية مؤخرا في بلجيكا أو فرنسا - التي تعد دولة مجاورة حدوديا و لها امتداد ثقافي حيث تعد الفرنسية اللغة الاولي لاكثر من نصف المواطنين - خرج بعضهم من مولنبييك أو مروا بها علي الأقل . و يضرب مثالا بالاعتداء علي المعبد اليهودي و مذبحة صحيفة شارلي ابدو . و ترد النائبة فرانسوا بيسكان رئيسة الحي : ليس صحيحا أن كلهم جاءوا من هنا ، الكثير من هنا ينتمون الي أحياء أخري ، وهذا الا يمنع أن علينا مضاعفة جهودنا بمجال سياسات الادماج حيث أنه الكثافة السكانية لحي ينتمي ثمانون بالمئة من قاطنيه للاجانب يشكل بيئة خصبة لذوي النوايا السيئة. ولم يكد غبار مذبحة باريس ينقشع ، حتي قامت قوات الامن بحملة مداهمات بحي مولنبييك أسفرت عن القبض علي سبعة عناصر من المشتبه بأنهم علي صلة بالهجمات الدموية . و علي الفور قامت الهيئة الوطنية لتنسيق مستوي التهديدات برفع مستوي التهديد الذي تواجهه البلاد من المستوي الثاني الي الثالث و هو ما يعني نزول المزيد من عناصر الجيش الي الشوارع للمشاركة في تأمين الفعاليات و الاحداث الرياضية والفنية الكبري، والتي من المتوقع أن تستضيف عددا كبيرا من الجماهير . و منذ بدايات العام الحالي وعناصر الجيش تشارك في تأمين السفارات والمؤسسات الدولية الكبري في بروكسل.