لماذا لم يرتكب تنظيم داعش عملا إرهابيا واحدا ضد أهداف إسرائيلية أو أمريكية، ولماذا لم تهتم الولاياتالمتحدة وأوروبا بإغلاق المواقع الموالية والتابعة للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة على شبكة الانترنت، رغم أن هذه المواقع هى الوسيلة الأساسية الآن لاجتذاب الشباب لصفوف تلك التنظيمات ؟ تساؤلات كثيرة تدور فى الأذهان الآن مع تصاعد الأعمال الإرهابية للجماعات التكفيرية والمتسترة برداء الإسلام، وتفتح الباب أمام رؤية أوضح لهذه الظاهرة. وفى البداية لابد من الإشارة بشكل تفصيلى إلى أن معظم التنظيمات المتطرفة والتكفيرية هى بالأساس صناعة غربية، وتخرج على وجه التحديد من رحم المخابرات الأمريكية والبريطانية، والتاريخ المعاصر والحديث يكشف لنا الكثير فى هذا السياق. ولم يعد سرا الدعم المالى الذى قدمته المخابرات البريطانية إلى حسن البنا للمساعدة فى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وفى كتابه الشهير «العلاقات السرية التحالف البريطانى مع الإسلام السلفى» يكشف الكاتب الصحفى البريطانى مارك كيتس عن تفاصيل كثيرة للعلاقة المستمرة والمتواصلة بين المخابرات البريطانية والإخوان. وفى يونيو عام 1952 صدر تقرير عن الخارجية البريطانية تحت عنوان «مشكلة القومية» رصد مخاطر المد القومى على المصالح البريطانية، وبعد شهر من صدور هذا التقرير اندلعت ثورة 23 يوليو بزعامة جمال عبدالناصر الذى شكل تهديدا لبريطانيا، خاصة بعد تبنيه سياسة عدم الانحياز، وقد وصفت الخارجية البريطانية سياسته بفيروس القومية العربية، وفى محاولة للتصدى له سعت بريطانيا لاستغلال الإخوان المسلمين للقضاء عليه. العديد من الوثائق تؤكد ضلوع المخابرات البريطانية فى محاولات قتل عبد الناصر والقضاء على نظامه ويشير بعضها إلى اتصال بين مسئولين بريطانيين ومنهم نورمان داربيشير، رئيس مكتب المخابرات البريطانية، فى جينف مع الإخوان المسلمين فى سويسرا فى إطار محاولات قلب نظام الحكم فى مصر. وهناك أدلة أخرى على اتصال بريطانيا بالإخوان فى عام 1955، عندما زار عدد من الإخوان الملك فاروق فى منفاه للتعاون معا ضد عبد الناصر، وفى أغسطس عام 1956 ألقت السلطات المصرية القبض على خلية جاسوسية بريطانية مكونة من أربعة أفراد اتصلوا بعناصر طلابية بتوجهات دينية بهدف التشجيع على القيام بأعمال تخريبية تمنح أوروبا مبرراً للتدخل العسكرى لحماية رعاياها. وعندما طارد عبد الناصر الإخوان بعد اكتشاف مخططاتهم الإرهابية، سافر بعضهم إلى أوروبا وبدأوا فى تأسيس شبكات دولية مقرها ميونخ برئاسة سيد رمضان. وهناك مصادر تؤكد أن المخابرات الأمريكية نقلت عشرات الملايين من الدولارات إلى رمضان فى فترة الستينيات، وهناك وثائق أخرى فى الأرشيف السويسرى تؤكد أن أنه كان عميلاً للمخابرات البريطانية والأمريكية، فى هذا الإطار ذكرت صحيفة (Le Temps) السويسرية أن ملفات رمضان لدى الحكومة السويسرية تتضمن الإشارة إلى علاقاته مع العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية. ومازالت لندن هى الملاذ الأوروبى الرئيسى لقيادات وأنشطة جماعة الإخوان الإرهابية حتى الآن، ولديها تأثير واضح على السلطات البريطانية. أما علاقة المخابرات الأمريكية وحليفاتها من بعض الدول العربية والإسلامية بتنظيم القاعدة منذ التشجيع على الجهاد ضد السوفيت فى أفغانستان وحتى انقلب السحر على الساحر، فأمرها أصبح معروفا للقاصى والدانى. وفى كتاب «مبادلة الأسرار: الجواسيس والمخابرات فى عصر الإرهاب» لمؤلفه مارك هوبند المراسل المختص بشئون الأمن السابق لصحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية، يكشف أن المخابرات الأمريكية بعد استفحال خطر تنظيم القاعدة والمجموعات الشبيهة، قامت بإعادة الاتصال ببعض الأشخاص من المقاتلين السابقين ضد الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان وتجنيدهم وزرعهم داخل التنظيمات الإرهابية. وفى العام الماضى ذكرت إذاعة صوت روسيا، أن أمير تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، أبو بكر البغدادى اعتقل من قبل القوات الأمريكية، فى وقت سابق من عام 2004 وكان يمكث فى سجن معسكر «بوكا»، ولكن تم الإفراج عنه فى وقت لاحق من عام 2009 فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما. و فى السياق نڤسه كشف الموظف السابق فى وكالة الأمن القومى الامريكية «إدوارد سنودن»، أن وكالة الاستخبارات الأمريكية وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة الموساد مهدت لظهور داعش . ونقلت مصادر تسريبات عن «سنودن» تؤكد تعاون أجهزة استخبارات ثلاث دول هى الولاياتالمتحدة، بريطانيا، وإسرائيل لإيجاد تنظيم إرهابى قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم فى مكان واحد فى عملية يرمز لها بعش الدبابير، وهى خطة بريطانية قديمة تقضى بإنشاء تنظيم دينى شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التى ترفض أى فكر آخر أو منافس له..كما كشفت تسريبات عن موقع «ذى إنترسيبت» :«أن البغدادى خضع لدورة مكثفة استمرت عاما كاملا خضع فيها لتدريب عسكرى على أيدى عناصر فى الموساد»! هل عرفنا الآن لماذا لم تهاجم داعش أى هدف أمريكى أو إسرائيلى حتى الآن؟ # كلمات: كلما تواضعت مطالبنا من الحياة ازدادت فرصنا للسعادة. عبد الوهاب مطاوع لمزيد من مقالات فتحي محمود