يعد تعاون «الجنوب - الجنوب» إحدى الآليات المؤسسية الجديدة لسياسات قديمة جرت فى النصف الثانى من القرن العشرين، وهو ما برز جليا مع انعقاد مؤتمر باندونج، حين تم تأسيس حركة عدم الانحياز، ثم تطور إلى حوار الجنوب - الجنوب فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حتى وصل إلى تعاون الجنوب - الجنوب «SSC». وكان الهدف من تكوين تلك التجمعات الجنوبية هو إبراز الاستقلالية فى السياسة الخارجية لدول الجنوب فى مواجهة سياسات الإملاء المفروضة من دول الشمال، وتوسيع دوائر النقاش حول القضايا الكونية، ورفض هيمنة المؤسسات الاقتصادية الغربية وتعميق شبكة المصالح التجارية والتدفقات الاستثمارية وتطوير أليات التواصل الثقافية. وفى هذا السياق، تستضيف العاصمة السعودية الرياض «قمة أسبا» اليوم وغدا، بمشاركة 22 دولة عربية و12 دولة من أمريكا الجنوبية (الأرجنتين - بوليفيا - البرازيل- شيلي - كولومبيا - الإكوادور - جويانا - بارجواى - بيرو - سورينام - أوروجواى - فنزويلا)، لزيادة أوجه التعاون فيما بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية فى مختلف المجالات، وهو ما سوف يتبناه «إعلان الرياض» فى ختام القمة الرابعة الحالية، وإن كانت الجلسات التحضيرية للقمة كشفت الفجوة بين أطراف القمة حول الأزمتين السورية والليبية والتدخلات الإيرانية فى الشئون الداخلية لبعض الدول العربية، فضلا عن التحفظات حول أوضاع حقوق الإنسان فى بعض الدول. من هذا المنطلق، تخصص صفحة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحليلين مكملين لبعضهما، الأول للدكتور معتز سلامة رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز حيث يؤكد أن ثمة شراكة متنوعة يمكن للدول العربية أن تدشنها مع دول أمريكا اللاتينية، رغم مساحات التباين العربية - العربية والعربية - اللاتينية إزاء بعض القضايا الإقليمية، وتتمثل قضايا التوافق بين الدول العربية واللاتينية فى التوحد فى مواجهة الإرهاب وإعادة الاعتبار للدولة الوطنية وتعزيز العلاقات الشعبية ودعم القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة ودراسة النماذج اللاتينية كتجارب يمكن الاستفادة منها عربيا. والمقال الثانى للأستاذة أمل مختار الباحثة فى شئون أمريكا اللاتينية بوحدة العلاقات الدولية بالمركز إذ ترى أن المصالح الاقتصادية هى الدافع الرئيسى لانتظام انعقاد القمم العربية - الجنوب أمريكية بحيث تجد وفود أمريكا اللاتينية، سواء تابعة لحكومات أو لشركات القطاع الخاص فى تلك القمم، فرصة مهمة لفتح أسواق جديدة فى الدول العربية، كأسواق بديلة بشكل مؤقت، عن الأسواق الأوروبية التى تعانى من أزمة اقتصادية، فضلا عن الكساد فى السوق الأمريكية، الأمر الذى ينعكس فى مؤشر محدد وهو اختلال الميزان التجارى لصالح دول أمريكا اللاتينية، وبصفة خاصة البرازيلوالأرجنتين التى تعد من أكثر الدول نشاطا فى علاقاتها التجارية مع الدول العربية.