عرضت بأمانة كتاب الصحفي الأمريكي هوارد فرنش الذي ظل طوال الشهور الستة الماضية ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولاياتالمتحدة وكندا, ووصفه كبير المعلقين في صحيفة نيويورك تايمز ريفيو بأنه واحد من أفضل الكتب التي نشرت عن إفريقيا, وليس هناك كاتب يستطيع تناول هذه القضية مثل هوارد فرنش الحاصل علي جائزة بوليتزر في الصحافة عن أفضل التحقيقات الصحفية التي كتبت عن أفريقيا. الصين بلا شك دولة صديقة لمصر, لكن صداقتنا لاتمنعنا من قول الحقيقة ونقد الأصدقاء, وأنا شخصيا مع ملايين المصريين أدين بالعرفان والتقدير لحكومة مصر السابقة التي رأسها المهندس ابراهيم محلب التي منعت هذا الزحف وهذا العدوان غير المنطقي وغير المبرر من جانب التجار الصينيين الذين ملأوا أسواقنا وشوارعنا طوال السنوات العشر الماضية بالبضائع الصينية المهربة سرا ومعظمها فاسدة, لم يدفع المهربون من الجانبين المصري والصيني مليما واحدا لحكومتنا ضرائب علي أرباحها. لقد أغرقت المنتجات الصينية السوق المصري وتسببت في إغلاق الآلاف من مصانع الأثاث بدمياط ومصانع الرخام والجلود والملابس الجاهزة ولعب الأطفال التي أعلن أصحابها الافلاس بعد أن صرخوا بالشكوي لحكومات حسني مبارك دون أن يستمع مسئول واحد لشكواهم. حتي الصناعات اليدوية والحرف الصغيرة تعرضت لغزو ظالم وتحول أصحابها إلي عاطلين بسبب عدوان الرفاق الصينيين, شكرا مرة ثانية للمهندس ابراهيم محلب السياسي الوطني الذي ضاق بالظلم الذي وقع علي المصريين من الأخوة الأصدقاء. وضعت حكومة الصين في العقدين الماضيين أفريقيا في مقدمة اهتماماتها, وقدمت لدول القارة منحا وقروضا بالبلايين من الدولارات, وشجعت الصينيين للخروج والاستثمارفي أفريقيا وذلك لضمان حصولها علي الموارد الطبيعية والطاقة بعد النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته منذ انفتاح الثمانينات. كان أولي بحكومة بكين اذا كانت حريصة علي علاقات طبيعية مع أفريقيا ألا تسمح إلا لرجال الأعمال من ذوي النوايا والسمعة الطيبة بالسفر والهجرة, فهؤلاء المهاجرون هم سفراء للصين في أفريقيا وكل ما يرتكبونه من تجاوزات في حق الأفارقة ينعكس علي صورة الصين في أفريقيا. ربما تكون الصين قد ضمنت الموارد الطبيعية الأفريقية, وربما استغلت فساد بعض حكام أفريقيا وضعف القوانين التي تسمح لرجال الأعمال بالتلاعب وقهر العمالة الأفريقية وتحقيق أكبر قدا من الأرباح علي حساب الأفارقة الفقراء رغم ثروات بلادهم, لكن من الطبيعي ألا يدوم الفساد ومن الطبيعي أيضا أن ينتخب الأفارقة في المستقبل القريب حكاما شرفاء وطنيين يرعون مصالح بلادهم وضمائرهم, وقتها ستتعرض مصالح الصين للخطر, ويبحث الأفارقة عن مستثمرين ومهاجرين جدد من حول العالم ممن يرعون ضمائرهم وسمعة البلاد التي جاءوا منها. الصينيون الذين هاجروا لمجرد النهب وتحقيق الثروة السريعة علي حساب الأفارقة لم يعد مرغوب فيهم وعليهم أن يعودوا الي بلادهم والي فشلهم. لكن قبل أن نلوم الصينيين علينا أن نلوم أنفسنا ونعترف بأخطائنا, وأن يساند الأفارقة في الشمال والجنوب دول القارة لحماية ثرواتها من الاستنزاف. يجب أن تعود مصر الي أفريقيا بنفس قوة الستينات, وأن تستعيد شركة النصر للتصدير والاستيراد دورها في إعمار أفريقيا وتنمية أفريقيا, وألا يترك المهنيون ورجال الأعمال المصريون الملعب الأفريقي للصين واسرائيل وغيرهما ونقف خارج الملعب نتابع ما يجري من استنزاف لثروات أفريقيا. اذا لم نتنبه الي الخطر, علينا أن نتوقع بعد عشرين عاما مائة مليون مهاجر صيني جديد في أفريقيا بعد قرار حكومة بكين هذا الأسبوع بالسماح للزوجين بانجاب طفلين بدلا من طفل واحد, وساعتها لن نلوم الا أنفسنا.