بالرغم من أن الصراع الاقتصادي علي ثروات أفريقيا محسوم لصالح الصين أكثر من أي قوة عالمية أخري, إلا أن بكين بدأت تستشعر أن صورتها الذهنية' سيئة للغاية' لدي الشعوب الأفريقية. ويمكن قراءة ذلك الشعور السلبي تجاه بكين التي يعتبرها البعض' قوة الاحتلال الجديدة للقارة' من خلال تصفح عدد من أبرز الصحف الأفريقية التي تناول بعضها هذه القضية الهامة وتحمل وجهة نظر سلبية, ومنها علي سبيل المثال لا الحصر:' الصين تمطر أسواقنا بالسلع الرخيصة المقلدة', إنها تصطاد وحيد القرن الأفريقي بطرق غير مشروعة', إنها تبني الاستادات والطرق التي تنهار بعد سنوات قليلة',' إنها تسرق معادننا النفيسة',' أنها جاءت لتحتلنا مجددا'. وبينما يعتبر البعض هذه التخوفات نتاجا للخوف المتأصل في نفوس الأفارقة من الدول التي تتدخل في قارتهم لتأخذ أكثر مما تعطي, فان هناك علي الجانب الاخر من يري أن جزءا من هذه التخوفات مشروع. وفي محاولة من جانب الصين الشريك التجاري الأول لأفريقيا باستثمارات بلغ حجمها أكثر من164 مليار دولار لاستخدام قوتها الناعمة لتحسين صورتها' المشوهة' في عيون الأفارقة. اعتبرت الأخيرة أن البديل الوحيد هو' الغزو الثقافي' ليري الأفارقة الوجه الحقيقي للصين صاحبة الحضارة العريقة وليست القوة الاقتصادية التي جاءت لاستنزاف موارد القارة. حيث بدأت بكين منذ2009 مشروعا ضخما للمنح الدراسية وصل بمقتضاه عدد الطلبة الافارقة في الجامعات الصينية لحوالي12 ألف طالب يدرسون علي نفقة الصين كما فتحت الباب أمام18 ألفا آخرين للدراسة علي نفقتهم الخاصة من أجل تحقيق هذا الهدف. هذه الجهود تأتي مكملة للعديد من المبادرات التي تسعي لتصحيح' الوجه القبيح' للصين, وبالرغم من أن البعض يعتبرها غير كافية ولكنها تستحق الملاحظة في كل الاحوال. فعلي سبيل المثال هناك تزايد ملحوظ في تغلغل نفوذ الإعلام الصيني في القارة السمراء لا يمكن تجاهله, فقد أصبحت وكالة الأنباء الصينية' شينخوا' أكبر وكالات الأنباء العاملة في أفريقيا, بينما تم تأسيس قناة' سي سي تي في' التليفزيونية الصينيية ومقرها نيروبي بطاقم أفريقي كامل, وفوق ذلك, قامت بكين بما يمكن تسميته استثمار ثقافيا في شكل' معاهد كونفوشيوس' وهي مراكز ثقافية لنشر الثقافة وتعليم اللغة الصينية أسست لتنافس المراكز البريطانية والفرنسية في كافة أنحاء القارة. ثم كللت هذه الجهود بالمبادرة الأكثر فاعلية وتأثيرا علي المدي الطويل وهي برامج المنح الدراسية الضخمة التي تقدمها الحكومة الصينية للطلبة الأفارقة منذ عدة سنوات. ويري العديد من الطلاب الأفارقة أن محاولة فهم الصين تعد امرا حيويا خاصة وأنه تسود بينهم قناعة أن الصين ستظل في الجوار لفترة, وأن عدد من يمكنهم التواصل مع التنين الصيني قليل للغاية, علي عكس أوروبا وأمريكا ذات الروابط التاريخية والثقافية العميقة بالمجتمعات الأفريقية, مقارنة بالصين التي مازالت لغزا. الجامعات الصينية من جانبها تشجع هذا الاتجاه من خلال الدفع باتجاه دراسة مناهج التاريخ والثقافة واللغة الصينيية كجزء من المنهج الدراسي للطلبة الأفريقيين. منظمو البرنامج يعترفون أن هناك عنصرا براجماتيا في هذه المنح الدراسية وأن هناك الكثير من سوء الفهم بين أفريقيا والصين, ومن ثم فأن هذه البرامج تشكل قناة جديدة للأفارقة للتعرف علي الصين الحقيقية, حيث يعد هؤلاء الطلبة جسرا بينهم وبين القارة الأفريقية, ولتأكيد ذلك يكرر المسئولون والأكاديميون الصينيون دائما مقولة أن الصين وأفريقيا في العالم الثالث جنبا إلي جنب, فكلها دول تعرضت لتمييز الغرب, وأنهم شركاء علي طريق التنمية. المفارقة أن الحكومة المركزية في بكين ليست هي الوحيدة التي تسعي لاجتذاب الأفارقة بل أنه أصبح اتجاها عاما حيث تري كل من الحكومة والشركات الصينيية فائدة من توثيق روابطها مع القارة السمراء من خلال تقديم المنح الدراسية أيضا, التي تستخدم في اطار ما يعرف بسياسة' الجزرة' لمكافأة الحكومات الأفريقية علي تعاونها, وفي نفس الوقت تلعب لعبة طويلة يري البعض أنها محاولة لشراء ولاء الطبقات الحاكمة في افريقيا عبر صنع قادة المستقبل علي أراضيها.