قد لا يعلم الزائر لدار الثقافة الجديدة بوسط المدينة, الواقعة علي بعد خطوات من ميدان التحرير, أن ذلك المكان الفسيح في إحدي بنايات القاهرة العتيقة، إنما يحظي برعاية وأبوة روحية من جانب المثقف الكبير صنع الله إبراهيم وفاء وعرفانا لاسم مؤسسها المثقف الراحل محمد يوسف الجندي, الذي صبغ الدار منذ نشأتها قبل عقود بلون يساري واضح سيطر علي أغلب عناوينها; لتصير مقصدا للدارسين والباحثين والمهتمين والمنتمين للتيار اليساري في مصر والعالم العربي. قبل أسابيع وفي ظل أجواء صحوة فرضتها الأحداث علي الدار, أقام صنع الله ومن حوله احتفالا بذكري ميلاد الجندي, وكانت الاحتفالية هي الشغل الشاغل لصنع الله إبراهيم, الذي دعا إليها رفقاء طريق مرت محطاته بمعتقلات عرفتها مصر في ظل حكم عسكري شمولي لم تبرأ منه بعد. يومها, كان صنع الله يدور في الدار مطمئنا, لدرجة موافقته علي الحديث للقناة الثقافية التابعة لتليفزيون الدولة- وهو المقل في حواراته بصفة عامة- مستمعا بشغف لقصص يسردها بعض الحاضرين عن صديق العمر المشترك واليسار والثقافة والأحوال في مصر, وفجأة يذكره أحدهم بموقفه العلني الرافض لجائزة الرواية العربية في عصر فاروق حسني مبارك, فيغمض صنع الله عينيه و يستكمل كلامه عن همومه كمثقف ووفائه كصديق وأحلامه لوطن أكثر حرية وتعددية وإبداعا, بينما تحط عيناه الحادتان كيمامتين وديعتين فوق صورة بالأبيض والأسود لمحمد يوسف الجندي استقرت فوق مدفأة عتيقة توقفت عن العمل منذ زمن. هناك في المكان الذي يضم كتب ماركس ولينين ومترجمات روسية وتشيكية ومجلات الصين اليوم والطليعة21 وغيرها من كتب لنجيب سرور وصنع الله إبراهيم ومحمود أمين العالم وعلامات اليسار المصري, ستجد اليوم شبابا من جامعات مصرية حكومية وأجنبية يتركون خلفهم- لبعض الوقت- مقاهي البورصة والبستان والتكعيبة لينضموا إلي جلسات نقد الكتب وقراءة الشعر التي أصبحت الدار تستضيفها بصورة شبه أسبوعية تحت رعاية ومحبة صنع الله إبراهيم ليصبح المكان أشبه بنقطة نور جديدة في وسط البلد أسهم في إضاءتها مدير الدار الفنان علي الفارسي.