الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وعضو مؤسس لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا اختاره مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة «الأهرام» فى تقريره عن الحالة الدينية فى مصر الصادر عام 1998 كأحد أربعة مجددين كانوا أساتذة وتخرجوا من كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وهم الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق، والدكتور نصر فريد واصل، مفتى مصر الأسبق، والدكتور محمد رأفت عثمان، والكاتب الإسلامى الراحل الأستاذ خالد محمد خالد. وهو واحد من كبار علماء الأزهر المستنيرين الذين يميلون فى فتاواهم نحو الوسطية والاعتدال ويربطون بين مقاصد الشريعة الاسلامية وما يسعد الناس فى حياتهم ويتماشى مع واقعهم المعاصر دون إفراط او تفريط. يرى ان الاعلام المصرى يمر الآن بأسوأ حالاته ويسهم فى تراجع منظومة القيم والاخلاق ويساعد بدور كبير فى نشر الفتاوى والآراء المتشددة بسبب استضافته لغير المتخصصين فى الفقه وعلوم الدين والشريعة. ويؤكد الدكتور رأفت عثمان فى حواره مع «الأهرام» أن تجديد الخطاب الدينى لابد أن يبنى على أسس الشريعة من الدعوة بالطريقة الحسنة، واحترام الآخرين فى الفكر والتوجه، وأن يكون الحوار خاليا من التهوين من شأن المخالف. وقال إنه ليس من المصلحة ضم الأوقاف إلى الأزهر وان تعدد جهات الدعوة الإسلامية يخدم المصلحة، وأن الأزهر يكفيه ما به وما عليه من أعباء. والى نص الحوار . ما هى معوقات تجديد الخطاب الدينى حتى الآن رغم كثرة ما نراه من مؤتمرات وندوات وبيانات لا تقدم ولا تؤخر؟ تجديد الخطاب الدينى إنما يكون أولا بتناول الموضوعات المتصلة بحياة الفرد والجماعة والدولة تناولا دينيا مبنيا على أسس الشريعة من الدعوة بالطريقة الحسنة التى بينتها الآية الكريمة: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن)، واحترام الآخرين فى الفكر والتوجه، وأن يكون الحوار خاليا من التهوين من شأن المخالف. ومن التجديد أن يكون الخطاب الدينى بأسلوب العصر عن طريق التعبير الخالى من الصعوبة اللفظية، وأن يتناول كل القضايا التى يموج بها العالم الآن فى مجالات شتى فى الاقتصاد، والطب، والبيولوجيا، كمعاملات البنوك والطرق التى استجدت فى استثمار المال، والتجارب على الخلايا الجذعية، والتحكم فى نوع الجنين، والعلاج الجيني، والتبرع بالأعضاء، والبصمة الوراثية ودورها فى إثبات النسب والجرائم، وغير ذلك من قضايا جدت فى حياة الأفراد والجماعات وتحتاج إلى بيان حكم الشرع فيها بعيدا عن التعصب لتوجه معين، مع ملاحظة مقاصد الشريعة ومبادئها العامة من التيسير. وكيف يمكن مواجهة تضارب الفتاوى وما سببها؟ أحد أسباب التضارب فى الفتاوى هو دخول كثير من غير المتخصصين فى الفقه الإسلامى فى الفتاوى، وساعدهم فى ظهور فتاواهم الإعلام بكافة صوره، من صحافة، وفضائيات وغيرها، فكان من الطبيعى أن تتضارب الفتاوى ما دام الكثير منها ليس مبنيا على الأساس العلمى المطلوب فى كل من يتصدى للإفتاء، فالفتوى ليست أمرا سهلا هينا حتى يصح لكل من قرأ كتابا أو كتابين مثلا فى الفقه أن يفتي، بل لابد أن يكون المتصدى للإفتاء عالما بالقدر المعقول باللغة العربية، ويعلم أصول الفقه، وهو قانون استنباط الأحكام، وأن يكون عالما بمقاصد الشريعة، وبالقواعد الفقهية العامة، وهذا فى الأمور المستجدة التى تحتاج إلى إعمال الفكر فى بيان حكم الشرع فيها، وأما الأمور العادية التى يعايشها الناس ولا جديد فيها، فليس على المتصدى للفتوى إلا أن يرجع إلى ما يقوله الفقهاء فيها، وكتب الفقه موجودة ويمكن الرجوع إليها، بشرط أن يكون فاهما لما يقوله الفقهاء فى كتبهم. ولماذا تراجع دور رجال الأزهر فى وسائل الإعلام؟ لم يتراجع دور الأزهر الشريف فى وسائل الإعلام، وإن كان ليس بالصورة الواجبة، ووسائل الإعلام هى التى يجب عليها أن تتوسع فى طرح القضايا على علماء الأزهر المتخصصين فى الناحية التى تظهر فيها القضية، فى أى مجال من مجالات الحياة للفرد والجماعة والدولة، اقتصاديا، وطبيا، وسياسيا، وغير ذلك، فإذا كان هناك قصور فهذا من قبل وسائل الإعلام وليس التقصير من علماء الأزهر الشريف. وإلى متى تظل ساحة الإعلام الدينى خالية بعد رحيل الشيخ الشعراوي؟ وكيف نقدم داعية مستنيرا لوسائل الإعلام؟ الشيخ الشعراوى رحمه الله تعالى لا يوجد له إلى الآن نظير لتفسير القرآن الكريم، لكن عطاء الله لا ينفد، والذى يقول إنه لن يوجد مثل الشعراوى رحمه الله نقول له: لقد ضيقت واسعا. والداعية المستنير يجب أن يكون مؤسسا علميا من بداية مراحله التعليمية فى الأزهر، حتى نهاية التخرج فى إحدى كلياته الشرعية والعربية، كما أنه يجب أن يكون مدربا على التعامل مع معطيات العصر للاستفادة بها فى نشاطه الدعوي، وتنظم له دورات تدريبية بين كل فترة وأخرى، كما يجب تنمية الملكية الثقافية عنده، تجليه وتوسعه فى القراءة فى شتى المجالات، حتى يكون عنده خلفية للموضوع الذى يراد له أن يتكلم فيه، ويمكن أن يتحقق ذلك بإمداده مجانا بالكتب العلمية المتنوعة، وإقامة ندوات لموضوعات معينة بين كل فترة وأخرى، تطرح فيها الآراء وتناقش المناقشات العملية البعيدة عن التعصب لرأى معين أو لطائفة خاصة. ما رأيك فيما سمعناه عن ضم الأزهر مع وزارة الأوقاف فهل يكون ذلك لصالح تجديد الخطاب الديني؟ ليس من المصلحة ضم الأوقاف إلى الأزهر ولا علاقة للضم أو عدمه بتجديد الخطاب الديني، ومن المصلحة التعدد فى الجهات التى تقوم بالدعوة إلى الله تعالى، وتوجيه الناس التوجيه الشرعي، وأعباء الأزهر كثيرة جدا. هل المناهج الدراسية فى الأزهر لها علاقة بالتطرف؟ على العكس من هذا، فما يدرسه طالب الأزهر فى المراحل التعليمية المختلفة، يؤهله للبعد عن التطرف، ويعوده على قبول الآراء المتعددة فى المسألة الواحدة، فطالب الأزهر يدرس المسألة التى تتعدد فيها الآراء الفقهية، ويبين له ما يستند إليه كل رأي، دون تعصب لرأى معين، بل يجد الآراء مختلفة حتى فى الفقه الواحد، ففى الفقه الحنفى يدرس آراء متعددة، وكذلك فى الفقه المالكى والشافعى والحنبلي، ويتعود على أساليب الكتب التى يدرسها فيرى أن المؤلف فى الفقه الحنفى عندما يذكر رأيا للشافعى مثلا أو مالك أو غيرهما، يقول وقال الشافعى رحمه الله، وقال مالك رحمه الله، فلا يجد طالب الأزهر تعصبا لرأى معين. ولماذا لم يكفر الأزهر تنظيم «داعش» الإرهابى حتى الآن؟ تبين كتب السنة الشريفة أن من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا يجوز الحكم بتكفيره بمعصية لا تصل إلى درجة الردة عن الإسلام، فقد روت كتب السُنة أن أسامة بن زيد رضى الله عنهما، كان فى قتال لجماعة من المشركين، فقال أحد هؤلاء (لا إله إلا الله) ومع ذلك قتله أسامة، وعندما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لام أسامة، وقال له: كيف بك (بلاإله إلا الله يوم القيامة؟!) وقال أسامة: يا رسول الله لقد قالها لينجو من القتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا شققت عن قلبه؟!، فأفراد هذا التنظيم الإرهابى بلغوا الغاية فى الإجرام وارتكاب المعاصي، فهم فجرة فسقة، ولو تمكن الحكام المسلمون من عقوبتهم فعقوبتهم لن تكون على الكفر، بل على جرائمهم الفظيعة من قتل النفوس وسلب الأموال وهتك الأعراض. هل لابد من فصل الدين عن السياسة؟ الدين له دخل فى تنظيم كل شئون الحياة، سواء فى ذلك شئون الفرد أو الجماعة أو الدولة، أو الدول بعضها مع بعض، فالإسلام شريعة لتنظيم حياة الناس، وعلاقاتهم بعضهم ببعض، وعلاقاتهم جميعا بالخالق تبارك وتعالى. لكن المطلوب فى السياسة أن تكون خالية من ذميم الصفات، فلا تدخلها الخديعة للناس، ولا الغدر بالعهود ولا التزوير، والكذب، والاستهانة بحقوق الفرد والجماعة، وفى النهاية لا فصل بين الدين والسياسة ما رأيك فى الوضع الإعلامى الحالي؟ الإعلام المصرى الآن فى أسوأ حالاته، ولابد من أن يقوم المسئولون عن الإعلام بعلاج هذه الحالة التى أصبحت تسيء إلى مصر، فالصحف مليئة بالهجوم على الأشخاص بالأساليب الرخيصة، والبرامج التليفزيونية أصبح الكثير منها غير مبال بآداب الحوار، ولا اعتبار بالكلمة، فتخرج الشتائم بين المتحاورين وغيرهم، كما حدث فى الفترة الأخيرة، ولا نظر من الذين يصدر منهم الألفاظ الخادشة للحياء أو المهينة للآخر، وأولادنا وبناتنا يشاهدون هذا الأسلوب الرخيص السيئ، وهم عرضة للتأثر بما يشاهدون ويسمعون، فالحالة أصبحت تحتاج من الدولة إلى التدخل بعمل ما لإيقاف هذا التدهور الأخلاقي، ولو بإصدار قانون يحمى النشء من هذا الوضع البالغ السوء. ما رأيك فى التشدد فى فتاوى الحج ورمى الجمرات والتى تحصد أرواح بعض الحجاج؟ أرى أنه يمكن التخفيف من حوادث موت الحجاج عند التزاحم فى مكان الرمى باتباع أمرين: أحدهما: أن تقسم الأعداد الكبيرة جدا من الحجاج إلى مجموعات متعددة، كل مجموعة تعطى رقما معينا، ولا يسمح لأى مجموعة أن تتوجه من أماكنها إلى المرمى إلا بعد الإذن لها من هيئة مشرفة على توجيه الحجاج، من رجال شرطة وعلماء دين وغيرهم، فإذا انتهت المجموعة من الرمى ورجعت إلى مكان إقامتها، يسمح للمجموعة التالية على أن يكون التوجه للرمى والرجوع منه ليس سيرا على الأقدام، وإنما عن طريق ممر آلى متحرك كما هو المشاهد فى المطارات، ويكون التوجه للرمى من طريق، والرجوع من طريق آخر. الأمر الثاني، بجانب ذلك لابد أن يؤخذ بالآراء المتعددة فى وقت الرمي، فالفقهاء القدامى لم يجمعوا على وقت الرمي، فيمكن توزيع أوقات الرمى على مجموعات الحجاج حتى لا يرمى الجميع فى وقت واحد. مخيمات منى هل يمكن تحويلها إلى عمائر؟ وهل هناك فتاوى ضد ذلك؟ موضوع مخيمات منى يحتاج النظر فيه إلى المقصد من المبيت بمنى، هل هو مجرد الوجود على أرض منى حتى لو كان هذا الوجود على صورة إقامة فى مبنى، أم أن المقصد هو التجرد من الدنيا وزينتها بالوجود على الأرض بالصورة البعيدة عن كل الزخارف الدنيوية كما هو الملاحظ فى أفعال الحج، وما دام لم يقم دليل على جواز الوجود بأى صورة حتى لو كان وجود الحاج فى مبنى، فإنه لا يصح القول بوجود مبان لإقامة الحجاج بمنى، لأن هذا لا يتفق مع معان كثير من أفعال الحج، التى تنبئ عن التجرد من متع الحياة، وتذكّر الآخرة.