لابد من يوم تتكشف فيه الحقائق، وتظهر فيه مكنونات الضمائر.. يوم يتميز فيه الحق من الباطل، ويتبين فيه الصادق من الكاذب.. يوم يحاسب الله سبحانه وتعالى فيه كل فرد على ما عمل من عمل، صغيرا كان أو كبيرا.. خيرا كان أو شرا. يقول تعالى: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ".(الأنبياء:47) وقال الإمام علي: "اليوم عمل، ولا حساب.. وغدا: حساب، ولاعمل".
ويقول الشاعر: "ولو أنا إذا متنا تُركنا.. لكان الموت راحة كل شيء.. ولكنا إذا متنا بُعثنا.. ونسأل بعده عن كل شيء".
ويقول الحسن البصري - رضي الله تعالى عنه -: "إن المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قدما ما يحاسب نفسه".
وعن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما -: قال: "ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا يلوم نفسه يوم القيامة.. وعن عكرمة: "تلوم على الخير والشر.. لو فعلت كذا، وكذا؟".
فالله - سبحانه وتعالى - عَدل، لا يظلم أحدا من خلقه، وحكيم يضع الشيء في موضعه. ومن عدله وحكمته ألا يسوي بين البر والفاجر، ولا بين المؤمن والكافر، ولا بين المحسن والمسيء، فإن التسوية بينهما منتهى الظلم، والسفه.
كذلك فإن الذين اهتدوا - وفقا للعلماء – "كلفتهم الهداية جهادا شاقا، وتضحيات مريرة، ومغالبة للهوى، ومحاربة للباطل، ومكافحة للشرور والآثام، وطال جهادهم، ودام كفاحهم حتى اللحظات الأخيرة من حياتهم".
فهل يستوى هؤلاء الأبرار مع التافهين الفارغين الفسقة، الذين استحبوا العمى على الهدى، وآثروا الغي على الرشاد، وتعجلوا حظوظهم الدنيئة، وشهواتهم الخسيسة، وظلوا ساردين في غَيهم لا يصدهم عنه صاد، ولا يأخذ بحجزاتهم أحد؟
لقد قضي كل من الفريق حياته: هذا يجاهد في سبيل الله ليعلى كلمته، وليرفع راية الحق، وليطهر الأرض من الشر والفساد؛ وذاك يجاهد من أجل شهواته، وغرائزه الدنيا، سائرا في ركب الشيطان، مؤتمرا بأمر نفسه الأمارة بالسوء.. فهل من العدل والحكمة أن يكون مصير هؤلاء جميعا واحدا؟
إن ذلك لا يجوز في العقل السليم، بل الله أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين.
قال تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ".(السجدة:18).
وقال تعالى: "يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ"."(الحاقة:18).