إشراف: سجيني دولرماني في كل الانتخابات العامة التي جرت في دول أوروبية تواجه أزمات ديون سيادية أطاح الناخبون بحكومات ورؤساء قدموا لهم وعودا كاذبة, واختاروا أحزابا ومرشحين رئاسيين أكثر واقعية فيما يطرحونه من حلول لمشكلات معقدة حتي إذا تضمن ذلك خيارات وتضحيات صعبة لأن الكل يدرك أنه لا يوجد طريق سهل للخروج من الأزمات. ولكن الناخب الفرنسي الذي سيتوجه غدا إلي صناديق الاقتراع في الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة الفرنسية لن يجد أمامه مرشحا يكشف له بصراحة عن حقيقة الصدمة التي سيواجهها الاقتصاد الفرنسي قريبا, أو يعرض عليه أقل الطرق ضراوة للخروج من الأزمة. فجميع المرشحين في حالة إنكار أو علي الأقل يقدمون حلولا غير صالحة للتطبيق ومن ثم يزداد القلق الأوروبي من أن تكون فرنسا الحلقة القادمة في سلسلة صدمات منطقة اليورو. القول بأن فرنسا علي حافة صدمة اقتصادية يبدو أمرا غير واقعي أو مقبول لدي الكثير من الفرنسيين. فهي ثاني أكبر اقتصاد أوروبي بعد ألمانيا, وخامس أكبر اقتصاد علي مستوي العالم, وقواعدها الاقتصادية أقوي بكثير من الدول التي تواجه أزمات في الطرف الجنوبي من منطقة اليورو. وعلي الرغم من خفض مؤسسة ائتمانية واحدة للمصداقية الائتمانية لفرنسا فمازالت قادرة علي الاقتراض من أسواق المال العالمية بأسعار فائدة تقل عن إيطاليا وإسبانيا. كما أن فرنسا لديها عمالة متعلمة ومنتجة ومتطورة تكنولوجيا, وتدرج قائمة فورتين500 في قائمتها عددا من المؤسسات الفرنسية الكبيرة يفوق أي دولة أوروبية أخري, وتستند إلي قاعدة صناعية متقدمة وقطاع خدمات متطور وقادر علي المنافسة العالمية. ولكن علي الجانب الآخر تعاني فرنسا من حالة تناقض مزمن بين نمط اجتماعي يستند إلي تقديم خدمات ومزايا اجتماعية وتفتقد في الوقت نفسه القدرة علي خلق الثروات التي تمول مثل هذا المستوي من الإنفاق العام كما هو الحال في السويد مثلا. ولهذا فإن الموازنة العامة في حالة عجز منذ عام.1974 والإنفاق العام يبتلع نسبة56% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالمعدل المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذي يبلغ3,43%. وعلي الرغم من أن نسبة الدين العام إلي الناتج المحلي الإجمالي متقاربة بين ألمانياوفرنسا فوق مستوي80% إلا أن هذه النسبة في حالة هبوط في ألمانيا بينما هي في حالة صعود إلي90% في فرنسا. وتحذر مراكز أبحاث فرنسية من أنه إذا لم تتخذ القرارات الصعبة لخفض الإنفاق في العام الحالي والمقبل فإن هذه النسبة قد ترتفع إلي مائة في المائة في.2015 يضاف إلي ذلك أن البنوك الفرنسية تحتاج إلي عملية ضخ لرؤوس الأموال لتعويض ما خسرته من قروض قدمتها لدول أزمات الديون السيادية ولم تعد في حالة تمكنها من تمويل مشروعات كبيرة في الداخل كما كان الحال قبل الانهيار المالي, ومعدل البطالة لم ينخفض عن7% لمدة ثلاثين عاما وهو الآن عند أعلي مستوياته منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي مما تسبب في مشكلات بطالة مزمنة في الأحياء الفقيرة التي تحيط بالمدن الفرنسية الكبيرة. الصادرات الفرنسية أيضا تتراجع مقارنة بالدفعة التصديرية للاقتصاد الألماني مما جعل عجز الحساب الجاري الأكبر بين الدول الأوروبية. الكثير من هذه المشكلات كانت كامنة ولكن أمكن تفاديها بالاقتراض من أسواق المال العالمية ولكن هذا الاقتراض لم يعد قائما الآن وهو ما يجعل الاقتصاد الفرنسي مهيئا للصدمة ما لم يتم التعامل مع جذور الأزمة بالجدية الكافية. جوهر المشكلة جوهر المشكلة هو أن القدرة التنافسية للاقتصاد الفرنسي تقلصت علي مدي السنوات العشر الماضية. وتقول مجلة الايكونومست أنه في عام2000 كانت تكلفة العامل في فرنسا تقل بنسبة8% عنها في ألمانيا ولكن هي الآن أعلي بنسبة10% مما تسبب في تراجع الصادرات الفرنسية أو ركودها وارتفاع معدل البطالة إلي10% مقارنة بنسبة8,5% في ألمانيا. هناك إذن أسئلة صعبة ينبغي مواجهتها والتعامل معها فيما يتعلق بشروط العقد الاجتماعي ونوع المزايا وطريقة تمويلها, وكيف يمكن تخفيض تكلفة الخدمات الاجتماعية والأعباء الضرائبية حتي تستطيع الشركات الفرنسية التنافس علي المستوي العالمي ولا تهرب إلي مواقع أقل تكلفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. فرنسا كما تقول المجلة البريطانية تواجه الآن ذات الموقف الذي واجهه المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر في بداية عام ألفين والسويد في منتصف التسعينيات حين اصبح تطبيق العقد الاجتماعي مستحيلا وانهار ساحبا وراءه الاقتصاد كله حتي تم تطبيق الاصلاحات الواجبة. البحث عن الحلول المناسبة اصبح أكثر الحاحا الآن لأن المستثمرين في الأسواق يركزون علي طريقة إدارة الحكومات للأزمات بدرجة أكبر مع توالي الأزمات في منطقة اليورو. ومعني هذا أنه أيا كان الفائز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية فسيتعين عليه أن يتعامل مع مشكلات العجز المالي علي وجه السرعة وإلا سيكون رد فعل الأسواق سلبيا وتتحول فرنسا إلي حلقة جديدة في أزمات منطقة اليورو. ولا توجد طريقة للحل بدون خفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب ولكن البرامج الانتخابية للمرشحين ووعودهم البراقة لاتؤهل الناخب الفرنسي للخيارات الصعبة وهنا تكمن الأسباب التي ستزيد الموقف تعقيدا. كلا المرشحين الرئيسيين اليميني نيكولا ساركوزي والاشتراكي فرانسوا هولاند متفقين علي ضرورة تحقيق توازن الميزانية بحلول عام2016 للأول والعام التالي للمرشح الثاني, وكلا المرشحين يعتقد أن بإمكانه دفع الاقتصاد نحو النمو في الوقت الذي يدعو فيه ساركوزي إلي اجراءات تقشفية لتجنب الكارثة وفرض الضرائب علي الفرنسيين المتهربين في الخارج, ويطالب هولاند برفع مستوي الضرائب إلي75% علي الأثرياء, وفرض ضرائب علي تعاملات القطاع المالي ولا أحد من المرشحين يشرح كيف يمكن تحقيق ذلك والنمو في الوقت نفسه. ومعني هذا أن كلا المرشحين يعلم يقينا أنه لن يستطيع أن ينفذ جانبا كبيرا من وعوده وأن الوضع الاقتصادي الفعلي سيفرض علي المرشح الفائز تطبيق ما ينبغي لاصلاح الوضع المالي ولكن دون إعداد الناخب الفرنسي لهذه الخيارات الصعبة. هولاند سيجد صعوبة شديدة في توفير التمويل اللازم لخلق60 ألف فرصة عمل إضافية للمدرسين وسيضع نفسه في مأزق حرج إذا دخل في مواجهة مع ألمانيا لتعديل شروط معاهدة الاستقرار المالي الأوروبي المصاغ وفقا للشروط الألمانية باعتبار أن ألمانيا هي أكبر ممول لعمليات الإنقاذ في منطقة اليورو. والعودة بسن التقاعد إلي60 عاما سيعطي إشارة سلبية للأسواق بشأن نوايا الاصلاح. وعلي الجانب الآخر يزعم ساركوزي أنه يريد الارتفاع بمستوي القدرة التنافسية الفرنسية إلي مستوي ألمانيا ولكنه يرتد في كل وعوده الانتخابية عن الاصلاحات الواجبة وينتهج نهجا حمائيا مطالبا بما يصفه بالتصدي لوحشية العولمة ويطالب بفرض قاعدة شراء كل ما هو أوروبي وبإغلاق الحدود أمام دول منطقة شينجين ما لم تتخذ الاجراءات الواجبة لمنع الهجرة غير الشرعية. ساركوزي يتحدث أيضا عن خفض الانفاق العام بنحو23 مليار يورو لكنه لا يدخل في تفاصيل تحقيق ذلك. الناخب الفرنسي إذن لن يقترع غدا علي برنامج اقتصادي قابل للتطبيق, وسيختار فقط بين هولاند المثقف هادئ الطبع وساركوزي الجرئ المندفع دائما إلي جانب مرشحين آخرين علي يسارهم أو يمينهم. ولكن الفائز ستقع عليه مهمة حشد الفرنسيين حول برنامج مغاير للاصلاحات والتي بدونها قد تقع فرنسا فريسة جديدة لأزمة الديون السيادية. المحررة