خلال جولة انتخابية زار فيها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مدينة بايون أول مارس 2012 وجد الرجل نفسه فجأة مطوقا داخل تجمع من أبناء المدينة ظنا أنهم جاءوا للترحيب به ولكنهم فجأة امطروه بوابل من الصياح والاهانات اضطره للاختباء منهم في أحد البارات. وبعد أسبوع واحد تكرر ذات المشهد العدائي في مدينة سانت جيست سانت رامبرت بوسط فرنسا. وهذا ما جعل مجلة "تايم" الأمريكية مستندة بجانب مثل هذه الحوادث إلي عدد من استطلاعات الرأي العام التي تجري في غير صالح الرئيس ساركوزي تتساءل مع اقتراب موعد الجولة الانتخابية الأولي يوم الاحد 22 أبريل ما الذي يجعل رئيس محترما دوليا مثل ساركوزي يقف علي اعتاب الهزيمة داخل بلاده في انتخابات هي حرة بالضرورة؟! نحن نعرف أن ساركوزي هو الذي قاد الحملة التي أدت إلي تدخل حلف شمال الاطلنطي "الناتو" عسكريا في ليبيا للمساعدة علي الإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي تحت زعم حماية المدنيين من بطش الآلة العسكرية للديكتاتور الليبي. وساركوزي أيضا هو الذي ساعد علي وضع الخطة المنسقة لانقاذ بنوك الاتحاد الأوروبي من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008. وحديثا جدا وضع تحويل الضمانات المالية المطلوبة لانقاذ الدول الأوروبية المأزومة بسبب ثقل الديون وهي عملية انقذت منطقة اليورو من التفكك مثلما انقذت العالم كله من خطر الانهيارات المالية. ولكن الغريب أن استطلاعات الرأي وأن أظهرت تفوق ساركوزي علي منافسه الاشتراكي فرانسو هولاند في الجولة الأولي فإنها ترجح فوز هولاند في الجولة الثانية فكيف يحدث هذا من رجل دولة له كل هذه القدرة علي الحشد علي المستوي الدولي أمام هولاند الذي لم يسبق له أن تولي أي منصب قومي حتي علي مستوي فرنسا ذاتها وما الذي يضطر ساركوزي إلي الاختباء من الجماهير الغاضبة داخل بار دون أن يقدر علي مواجهة غضبها؟ والرد المقتضب علي هذه الأسئلة: أنه الاقتصاد!! فرغم أن كثيرا من الفرنسيين يحمدون لرئيسهم تعاونه مع ميركل لانقاذ العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" فإنهم ينعون عليه أنه تسبب في زيادة الديون الفرنسية زيادة كبيرة صحيح أن ساركوزي كان يتبع سياسة اقتصادية محافظة خلال مدة رئاسته الأولي ولكن تزايد الانفاق العام رفع حجم الديون السيادية من 1،6 تريليون دولار عام 2007 أولي سنوات حكم ساركوزي ليصبح الآن في نهاية مدته الرئاسية أكثر من 2،2 تريليون دولار حسب أرقام نهاية 2011 وهذا معناه أن الدين العام الذي لم يكن يتجاوز ال 64،2% من إجمالي الناتج المحلي الفرنسي عام 2007 صار بنهاية 2011 يمثل 85،3% من الناتج المحلي الإجمالي وقد زاد احباط ملايين الفرنسيين من ثقل وطأة الدين العام في أواخر العام الماضي عندما وجدوا ساركوزي يواكب دعوة ميركل لدول أوروبا إلي ربط الحزام باتخاذ حزمة إجراءات تقشفية فرنسية بلغ حجمها 24،6 مليار دولار. وقد ازداد مزاج الفرنسيين سوداوية عندما بدا لهم أن قرار خفض الانفاق العام الفرنسي لم ينقذ سمعة فرنسا ولا درجة تصنيفها الائتماني التي خفضها وكالة ستاندارد آند بورز من درجة AAA الي AA والآن صارت فرنسا تواجه توقعات بضعف معدل النمو الاقتصادي وانخفاض مستوي الدخول وارتفاع معدل البطالة الذي يتوقع أن يتعدي ال 10% هذا العام ويقول توماس كلاو رئيس مكتب باريس التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن انجازات ساركوزي الخارجية لم يعد لها معني لأن الناخبين لا يهمهم كليا سوي انجازاته في الداخل. وقد نفر الناخبون أيضا من ساركوزي بسبب سمعته باعتباره رئيسا للأغنياء وهي تهمة ظهرت لأول مرة عندما قرر الرجل خفض الضرائب عام 2007 وهو خفض استفاد منه الأغنياء في المقام الأول أضف إلي ذلك أن غرام ساركوزي المعلن بالمال وصداقاته لبعض من أغني أغنياء فرنسا قد رسخا في أذهان الناس صوته كشخص مرفه ومحب للمتع خصوصا بعد زواجه من الموديل كارولا بروني التي هي بدورها مليونيرة.. وقد حاولت كارلا أخيرا الدفاع عن زوجها بنفي هذه الصورة عنه قائلة لأحد الصحفيين: "نحن اناس متواضعون". ولا غرابة والحال كذلك أن يشعر جمهور الناخبين بأن مزيدا من إجراءات التقشف ينتظرهم إذا بقي ساركوزي في قصر الاليزية لفترة رئاسية ثانية وأنهم يفضلون اذا كان هذا التقشف محتما أن ينفذه رئيس يشعر بأوجاع الناس. وهذه ميزة تصب في صالح المرشح الاشتراكي هولاند الذي لا يركب سيارة فارهة ولا يبدو متغطرسا مثل ساركوزي. وهنا يذكرنا المحلل السياسي الفرنسي نيكول باتشاران بأن ساركوزي لم يخف أبدا ولعه بل وجوعه إلي النجاح واللمعان بكل مافي ذلك من زفازف كما لم يخف رغبته في اقتباس النموذج الاقتصادي الأمريكي الذي يشجع الابتكار ويعتمد عليه. وبايجاز يقول باتشاران إن كل الأشياء التي يصبها الناس علي ساركوزي هي سبب شهرته كسياس غير