استيقظت المملكة على أصوات وضجيج فى كل مكان، فقد مات«شهريار» ولا يعرف أحد سبباً لموته المفاجئ، وقد ذهبت التفسيرات والأقاويل إلى أن وراء الأمر مؤامرة قد تكون «شهرزاد» هى التى دبرتها له, حيث انه فى اليوم السابق لموته أعلن فى البلاد كلها عن البحث عن عروس جديدة «لشهريار» لأن «شهرزاد» انتهت من كل حكاياتها ونضب معينها, وقد حاولت جاهدة أن تعثر على أى حكاية فى ثنايا عقلها أو فى بطون الكتب التى كانت تلتهمها، فلم تجد. وقد صاحب هذا الإعلان أيضا صدور حكم الإعدام فى «شهرزاد» وكان اليوم هو يوم تنفيذ الحكم. انقسمت المملكة. وحدثت بلبلة بين الناس، ولم يستطع احد السيطرة على مجريات الأحداث سوى «مفتاح سر التاريخ» بحكمته ورجاحة عقله, وكذلك «نظام الأنظمة» والد شهرزاد. وقد قاما بتخدير الشعب وجعلا طبيب القصر يعلن على الملأ أن موت الملك «شهريار» كان موتاً طبيعياً وانه قضاء الله وقدره وعلى الجميع الانصياع له. وأكثر من ذلك, فقد تم الإعلان عن تنصيب «شهرزاد» ملكة لدرء التهمة عنها, وكذلك للعمل على استقرار أحوال البلاد, وحتى لا تكون مطمعاً للأعداء الذين يجولون حولها كأسود جائعة فاغرة أفواهها لأول سقطة... فرحت «شهرزاد» بالمنصب أكثر من حزنها على وفاة زوجها. وأول قرار اتخذته هو إعدام «مسرور» فى ساحة عامة, حتى تهدأ النساء المتبقيات فى البلاد. وذلك لتكسب تعاطفهن ومساندتهن لها فى الحكم. حقق لها القرار ما أرادت وأصبحت «شهرزاد» ملكة بإجماع الشعب كله. لم يعترض عليها أحد, ولكن هذا لم يمنع حقد نساء المملكة عليها, لأنها سدت عليهن طريق الاقتراب من الملك الجميل ولو حتى ليوم واحد فقط وبعد ذلك يحدث لهن مايحدث! وصاحب قرار إعدام «مسرور» تعيين «مسرورة» زوجته سيافة للمملكة الجديدة, لتنفيذ الأحكام التى تصدرها الملكة. مرت الأيام وتلتها الشهور والسنون حتى ملت «شهرزاد» المملكة والحكم والناس والإطار الرسمى الذى سجنت نفسها فيه وفكرت: ماذا تفعل؟ فاهتدت لفكرة لم تكن لتخطر لها على بال. قررت الزواج. لم تبذل «شهرزاد» مجهوداً فى إقناع والدها بذلك, أو حتى قاضى القضاة الذى كان معترضاً لأن من سيتزوجها سيؤول له الحكم حسب نظام المملكة. ولم يفت هذا «شهرزاد», لذلك اشترطت على من يتقدم للزواج منها ألا يصيبها الملل منه, وأن يأسر لبها كل ليلة بحكاية جديدة حتى تعطيه مقاليد الحكم.. وتتابع على «شهرزاد» رجل بعد آخر, وكانت أقصى أمنية لكل منهم تتحطم بعد يوم أو يومين على حد سيف «مسرورة»، حتى لم يتبق فى المملكة كلها أى رجل سوى «مفتاح سر التاريخ» الذى زجت به إلى السجن عندما اعترض على تكرار زيجاتها واتهمها بمحاولة القضاء على الرجال انتقاماً من زوجها السابق «شهريار». حتى أبوها فاجأه المرض ولم يلبث أن مات بعد أيام, ولم تجد« شهرزاد» بداً من تعيين النساء فى مناصب الحكم والعفو عن «مفتاح سر التاريخ « حتى يسجل هذه المرحلة الحاسمة فى تاريخ المملكة, وكذلك لتستشيره فى أمور كثيرة تخص المملكة لا تعلم عنها شيئاً, حتى تستطيع أن تستمر فى الحكم وتحافظ على المملكة.. لم يكن مستغرباً أن تسمع عن منصب قاضى القضاة أو قائد الجنود أو شاهبندر التجار, وكذلك باقى المناصب فى المملكة، كلها من النساء. وتحول مجلس الحكم إلى ثرثرات كثيرة ونميمة, وأحيانا يمتد إلى صراخ بعض صاحبات المناصب. ووصل الحد إلى لطم الخدود والولولة حيث لا يكون للمسألة المطروحة للمناقشة على مجلس الحكم حل أو مخرج, فى حدود خبراتهن وعلاقتهن بمسائل المملكة.. تسرب اليأس إلى «شهرزاد»، كما تسرب إلى صاحبات المناصب، ولم يجدن طعماً لحياتهن فى ظل غياب من يدير دفتهن وبوصلتهن. انتشرت الفوضى وعم الفساد البلاد, فهرعت «شهرزاد» إلى «مفتاح سر التاريخ» حتى يجد لها حلاً لذلك, ولكن لم يستطع، ولم تعرف شهرزاد ماذا تفعل فى ظل هذه الفوضى وهذا الفساد الذى عم الكبيرة والصغيرة فى المملكة حتى طال «مسرورة» ذاتها, التى اكتشفت أنها تتعاون مع جهات خارجية لتسريب نساء المملكة لرجال خارج المملكة أو دخول الرجال سراً إلى المملكة للقيام برى الأرض الجرداء والتى تكاد أن تلتهم المملكة كلها.. فى ظل هذه الأثناء قفز إلى سرير «شهرزاد» «على الزئبق»من قلب حكاياتها القديمة مع «شهريار». أعجبها كثيراً بحكاياته التى كانت تظن أنها تعرفها كلها وبهرتها فحولته وقوته حتى أسرها وملك عليها لبها. ولم تستطع أن تستغنى عنه أو عن ألاعيبه كل ليلة, ولا تنام إلا مع صياح الديكة كل صباح. انقلب الوضع وسيطر «على الزئبق» على مجريات الأمور فى المملكة كلها, وكذلك على نسائها اللائى أعجبن بالرجل وقوته وذكائه، وأيضا تولى مقاليد الحكم وأخذ يأمر وينهى فى الجميع وكرر ما فعله « شهريار»، فكان يتزوج كل يوم امرأة وفى الصباح يقتلها هو بنفسه. ولم تسلم« شهرزاد» نفسها من هذا المصير. جاء اليوم عليها, وعندما رفع يده بالسيف إلى اعلى ليفصل عنقها صاحت على صوت الديكة... فتحت عينيها بصعوبة وجدت أمامها الملك «شهريار» غارقاً فى نومه كعادته كل يوم و «مسرور» يقف خلفها منتظراً تنفيذ حكم الملك.