كل آمال قطاع السياحة الآن معلقة على الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للسياحة برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي.. للبحث عن حلول جذرية للمشكلات المتراكمة والعقبات التى تعترض انطلاق الصناعة الوحيدة القادرة على علاج أزمات الدولار وارتفاع قيمته أمام الجنيه الذى بدأ مسلسل السقوط نحو الهاوية..وفى الحقيقة لا أدرى إن كانت الحكومة الحالية أو وزراء المجموعة الاقتصادية يعلمون أن قطاع السياحة هو أملهم الوحيد لعلاج التشوهات فى المنظومة الاقتصادية أم لا؟ وإنه بقليل من الدعم والمساندة سوف تتدفق العملات الصعبة على البنك المركزى لمواجهة الأعباء المتراكمة على الموازنة العامة للدولة. تصريحات محافظ البنك المركزى هشام رامز الأخيرة حول أسباب تراجع الجنيه وارتفاع سعر الدولار..تؤكد أن صناعة السياحة هى طوق النجاة الوحيد المتاح الآن أمام الحكومة. ولكن السؤال الأهم هنا هل قامت الحكومات المتعاقبة منذ قيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو وحتى الآن باتخاذ أية إجراءات لدعم قطاع السياحة ومد يد العون له حتى يقوم بدوره فى دعم الاقتصاد المصرى وتقويته وتحفيزه لتمويل الجهاز المصرفى بالعملات الأجنبية؟. الحقيقة هنا أن جميع الحكومات التى مرت علينا شاركت فى تراجع الحركة السياحية إلى أدنى مستوى لها فى الأسعار او الأعداد الوافدة ..شاركت جميعها فى خنق القطاع حتى بات لا يجد ما ينفقه على تطوير منشآته السياحية فتحولت جميع الفنادق بلا استثناء إلى مبان متهالكة جعلت منظم الرحلات يفرض الأسعار التى يريدها..وجعلت السائحين يكتبون الآلاف من التعليقات السلبية عن السياحة فى مصر..جميع الوزارات والهيئات والمحليات نظرت إلى قطاع السياحة باعتباره منجم ذهب، فنجد وزارة المالية تجيش موظفى الضرائب العقارية للحجز على المحال والفنادق وفاء لقيمة ضريبية لم تحدد بعد!. كما اتخذت البنوك موقفا موحدا ضد إقراض قطاع السياحة بأكمله دون النظر الى أن هذا القطاع يوفر وحده ما يقرب من 25% من العملات الأجنبية لها..ولم تلتفت لاستغاثاته من أجل الحصول على قروض لصيانة الفنادق وتجهيزها بالشكل الذى يؤهلها بفرض اسعار مرتفعة على شركات السياحة الأجنبية. والمحليات على قائمة تلك الأجهزة التى لا ترحم قطاع السياحة فعندما تحتاج إلى سيولة تلتفت إليه لتحصل منه على أموال تحت مسميات مختلفة..كان آخرها على سبيل المثال فرض رسوم على الشواطئ التى تستخدمها الفنادق لخدمة السائحين..على الرغم من أن هذه الرسوم لم تذكر من قريب أو بعيد عند تخصيص الأرض للمستثمر. أكثر من 17 وزارة وهيئة تشرف على الفنادق والمنشآت السياحية..وكل جهة لها طلبات واشتراطات وترسل من وقت إلى آخر لجانا ومديرين وموظفين لا هم لهم إلا تحصيل الرسوم المقررة أو غلق المنشأة ووقف تراخيصها..كل هذه الجهات لعبت دورا كبيرا فى قيام بعض المستثمرين بالفرار من السوق وغلق الفندق وتسريح العمالة. لن تستطيع وزارة السياحة وحدها أن تعيد الحركة السياحية إلى مصر كما كانت قبل الثورة..بل يجب أن يعاد النظر بجدية فى إستراتيجية عمل بنيتنا الأساسية..والتى لا تعنى فقط الطرق والمطارات والموانى بل تبدأ بمساعد الشرطة الذى يستقبل السائحين وبضابط الجوازات وحامل الحقائب فى المطار وأيضا فى الفندق..والأمر الذى احترت فى تفسيره أن هناك مجندا من الشرطة يراجع جواز السفر بعد «ختمه» من ضابط الجوازات..وهو ما لم أجده فى أى دولة زرتها..ناهيك عن سائقى التاكسى الذين يتخطفون السائحين بمجرد تسلم حقائبهم..ويفرضون تسعيرة غير عادية تصل إلى درجة الابتزاز مما يجعل السائحين يحتفظون بهذه الذكريات وينقلونها لأصدقائهم ويكتبونها على مواقع التواصل الاجتماعى..مما يؤدى فى النهاية إلى تصدير صورة سلبية عن السياحة فى مصر. ولا تتحمل الحكومة وحدها عبء المشكلات التى تتعرض لها صناعة السياحة فى مصر..بل أن قطاع السياحة يتحمل الجزء الأكبر منها..لأنه انشغل بخلافات داخلية ولم يعرض مشكلاته بجرأة ..ويعملون جميعا فى جزر منعزلة يبحث كل منهم على ضالته دون النظر لمصلحة القطاع. ووزارة السياحة على سبيل المثال ألغت برنامج دعم الشارتر فى عهد الوزير السابق خالد رامى..ثم جاء الوزير الحالى هشام زعزوع ليمضى فى اتجاه إعادته مرة أخرى تشجيعا لمنظمى الرحلات ودفعهم لتيسير رحلات إلى مصر..وأصبح السؤال الدائر الآن فى القطاع هل نلغى الدعم أم نبقى عليه؟ ولم يكلف أحد منهم نفسه عناء البحث عن الفائدة من دعم منظم الرحلات الأجنبى..فى الوقت الذى أصبحت فيه مصر فى ظل هذا الدعم أرخص مقصد سياحى فى العالم بعد إيران. هذا معناه أن قطاع السياحة يدعم شركات السياحة الأجنبية بمنحها أرخص الأسعار على الإقامة بالإضافة إلى دعم الطائرات التى تقل السائحين، فى حين أن المنطق يقول أن يتم توجيه هذا الدعم الذى وصل إلى نحو 250 مليون جنيه العام الماضى ..إلى زيادة الطلب على مصر من خلال حملات ترويجية مكثفة وإيجاد أحداث تسلط الأضواء على منتجنا السياحى ودعوة المشاهير والصحفيين وكبريات الصحف والمجلات العالمية وإقامة حفلات لنجوم الفن فى العالم..ولعل تجربة إمارة دبى ليست بعيدة عنا فهى تمتلك «أجندة» من المناسبات لا تهدأ ولا تنام..وتضم أحداثا متلاحقة من المناسبات تجذب جميع الشرائح من العالم أجمع. إذا أين «أجندة» مصر السياحية؟ أين استراتيجيتنا لنصل بعدد السائحين إلى 20 مليون سائح عام 2020؟ اننا لا نملك حاليا إلا بيانات نضعها أمام رئيس مجلس الوزراء وتنشرها الصحف ونعلنها للرأى العام.. وجميعنا نعلم انها لن تتحقق حاليا أو مستقبلا.. ولن تراها أيضا الأجيال القادمة..لأننا ببساطة لا نملك الأدوات اللازمة لتحقيقها. الرئيس عبد الفتاح السيسى سوف يرأس بنفسه المجلس الأعلى للسياحة وهذه أولى الخطوات الناجحة تجاه عودة مصر لوضعها الطبيعى على خريطة السياحة العالمية..ونتمنى أن يتم مناقشة جميع المشكلات التى تعيق قطاع السياحة عن أداء دوره..وأن تقوم كل الوزارات بدعمه ومساندته حتى يصبح بحق قاطرة التنمية الاقتصادية فى مصر خلال الفترة المقبلة. ولكن لكى يقوم هذا المجلس بدوره فإنى اناشد وزير السياحة هشام زعزوع أن يختار أعضاءه على مستوى رئاسته..وفقا لحجم أعمالهم وإسهامهم فى جلب السائحين بالنسبة لشركات السياحة..وكذلك بالنسبة لقطاع الفنادق أن يختار من سيشاركون فى اجتماعات المجلس وفقا لحجم استثماراتهم فى القطاع ورءوس أموالهم..لأن هؤلاء يعلمون جيدا العقبات الحقيقية التى تواجه السياحة فى مصر ولديهم احتكاكات مباشرة بمنظمى الرحلات فى الدول التى تصدر الحركة السياحية إلى جميع مقاصدنا. ولا أريد هنا أن أطرح أسماء حتى لا يغضب من لا يذكر اسمه..ولكنى على يقين من أن وزير السياحة يعرف قدر كل من يعملون بالقطاع ..ومن منهم حقق نجاحات فى الداخل والخارج واستطاع الصمود رغم الأزمات المتلاحقة التى تعرضت لها السياحة..وانه لن يجامل أحدا ولن يلتفت إلى أصحاب الصوت العالى الذين يبحثون عن كرسى بجوار الرئيس أو الذين فشلوا فى إدارة شركاتهم الصغيرة ويريدون أن يشاركوا فى صناعة وإنجاح المشروع القومى للسياحة! أثق انه لن تتكرر تجربة المجلس الاستشارى.