هل يمنح الفن نفوذاً لصناع الدراما في تقديم ما يحلو لهم من تفاصيل وسياقات وأحداث دون أن يضعوا في الاعتبار أن حرية الإبداع هي مسئولية قبل أن تكون حقا مكتسبا ؟ لا أحد يطالب الفنان أن يلتزم بالحكم والإرشادات الأخلاقية والإجتماعية بل أن المباشرة والخطابة غالباً ما تفسد روح أي عمل فني .. ولكن في نفس الوقت لا يمكن إغفال أن ثمة مساحة مطلوبة من القيم الإيجابية في أي عمل إبداعي حقيقي.. خاصة تلك التي تعرض من خلال وسيلة جماهيرية مثل التليفزيون تدخل البيوت بلا إستئذان ويراها أيضاً في نفس اللحظة ملايين المشاهدين فعلي الرغم من كثرة المسلسلات التي عرضت خلال شهر رمضان هذا العام فقد لوحظ أن هناك غياب للرؤية المجتمعية لدي كثير من القائمين علي العملية الانتاجية من منتج ومؤلف ومخرج، ففي نفس الوقت الذي نقر فيه جميعاً بما للدراما وخاصة التي تعرض في حلقات يومية من تأثير جاذب وطاغ ومُلح علي إذهان المشاهدين في مجتمع مازال يزيد عن ثلثه أميةً ولا تقوم مؤسساته التربوية المتنوعة بدورها المنشود .. عندئذ يصبح ما يعرض في هذا الجهاز المنزلي المسيطر هو المثل والقدوة . كما حدث تراجع نسبي في الحوارات المتدنية والسلوكيات المبتذلة التي إمتلأت بها كثير من مسلسلات العام الماضي .. وإن لم تخلو منها أيضاً بعض مسلسلات هذا العام . أيضاً ظهر خلال دراما هذا العام عددُ من الوجوه الجديدة من الجنسين في مختلف المسلسلات .. كما كشفت أيضاً عن بعض المخرجين الجدد الذين أضافوا إلي الشكل الفني إيقاعاً وتطوراً ولكن يبقي أن أضعف العناصر في كثير من الأعمال الدرامية لهذا العام مثل سابقه .. هو النص وهو الأساس الذي يُبني عليه كل العناصر الأخري .. ويبدو أن ظاهرة الثلاثون حلقة التي فرضتها دراما رمضان ومحاولة الكاتب ملء صفحات كثيرة في السيناريو تمتد علي مدي أكثر من 20 ساعة عرض .. بينما نري أحياناً أن الفكرة المطروحة في بعض المسلسلات لا تحتمل أكثر من نصف عدد الحلقات.. مما يضطر بعض الكتاب إلي اللجوء إلي الحشو والتطويل وإضافة خطوط ومشاهد وأحداث ميلودرامية مفتقدة للمنطق والتصديق .مما يضعف من المستوي الفني بل قد تتوه القضايا التي يتناولها العمل تحت وطأة تفاصيل كثيرة لا ضرورة لها. كما لاحظت إستمرار المسلسلات التي تُكتب للبطل الأوحد من كلا الجنسين وغالباً ما تكون مقتبسة من أعمال اجنبية دون الإشارة إلي المصدر (وهذا بالطبع يتناقض مع حق الملكية الفكرية التي تنُص عليها مواثيق حقوق الإنسان) الأهم أن مثل هذه الأعمال التي تعتمد في الأغلب علي الإثارة والتشويق وتركز في المقام الأول علي مهارات وقدرات البطل أو البطلة .. قد لا يري المشاهد فيها نفسه أو مجتمعه .. وترسل أيضاً رسائل ذات تأثير سلبي علي بعض المشاهدين خاصة من الشباب والصبية المولعين بتقليد البطل أو البطلة في السلوك والمظهر . وأيضاً في الوقت الذي تحاول الدولة فيه إرساء دعائم دولة حديثة ترتكز أركانها علي العلم وترسيخ التفكير العلمي .. نري في بعض مسلسلات هذا العام مشاهد وأحداث بل وأعمال تكرس للدجل والسحر والشعوذة . وأخيراً لابد أن يعي كل مبدع جيداً وهو ينسج فناً بالقلم أو بالكاميرا .. أن إبداعه هذا سيدفع مجتمعه للخلف أو ينطلق به للأمام ؟