شهدت القاهرة الأسبوع الماضي اجتماعات اللجنة التوجيهية لمشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، والتى تم فيها عرض النسخة النهائية من دراسات ما قبل الجدوى للمشروع والتى قامت بها وزارة الموارد المائية والرى وبالتعاون مع وزارة النقل وبالتنسيق مع منظمتى الكوميسا والنيباد، كما شهد الاجتماع أيضا الموافقة على بدء مرحلة جديدة تتعلق بإعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التفصيلية للمشروع، والتى سيقوم بها مكتب استشارى دولى متخصص ومقرر لها ان تستغرق عامين. وقد تم تدبير جزء من تمويل تلك المرحلة عن طريق البنك الافريقى . وبذلك يتجدد الحلم القديم لربط دول حوض النيل بعضها البعض عن طريق النهر العجوز، الذى يتعايش على ضفافه أكثر من 250 مليون نسمة موزعين على احدى عشرة دولة. والحقيقة ان هذا المشروع يستعيد من الذاكرة وسائل النقل والتواصل المختلفة التى ربطت مصر بدول حوض النيل وبالقارة الافريقية. فتذكر كتب التاريخ الرحلات البحرية التى كانت توفدها الملكة الفرعونية حتشبسوت الى بلاد بونت الواقعة شرق افريقيا لجلب البخور عبر البحر الأحمر، والى القوافل التجارية التى كانت تنطلق من سيوة وأسوان ودراو سالكة دروبا صحراوية الى السودان ثم تواصل طريقها حتى الجانب الغربى من القارة الافريقية حتى تصل الى مالى وموريتانيا وساحل العاج، تحمل المنسوجات القطنية والسكر، وتأتى بالصمغ والعاج والذهب. وسائل الربط القديمة كانت تواجه مشكلة الشلالات فى النهر والتى كانت تمنع السفن من اجتيازها، وبالتالى كان تواصلها عبر حلقات قصيرة ومنفصلة، مثل الحلقة بين اسوان ووادى حلفا، والسودان وجنوب السودان، وجنوب السودان واوغندا، وحلقة الدول المحيطة ببحيرة فيكتوريا بعضها البعض. تأتى فكرة المشروع الجديد لتجعل نهر النيل حلقة واحدة، بدءا من بحيرة فيكتوريا وحتى البحر المتوسط شمالا، لتحدث طفرة اقتصادية وتجارية وثقافية بمزيد من التقارب بين دول الحوض، وبمزيد من الزيارات التى تتيح تحقيق التقاء ثقافى وحضارى بين الشعوب التى يجمعها حوض نهر واحد. كما سيأتى مشروع الممر الملاحى ليتمم مشروع النقل البرى الذى بدأ مع السودان من خلال معبر قسطل البرى، وربما يكون متحف النيل الدولى الذى تقيمه وزارة الموارد المائية والرى بمدينة اسوان، ليكون منارة ثقافية لدول حوض النيل، يعرض حضارتها ويحتضن أنشطتها المختلفة، ربما يكون هذا المتحف مكملا ثقافيا وحضاريا لمشروع الممر الملاحى الجارى تنفيذه. يتضمن المشروع إقامة ممر ملاحي للسفن التجارية الصغيرة والمتوسطة لتنشيط التجارة البينية بين تنزانياكينياأوغندا رواندا بوروندى الكونغو الديمقراطية جنوب السودان السودان مصر بطول يتجاوز أربعة آلاف كيلومتر خلال المسافة من النيل الأبيض حتى البحر المتوسط، مع تأهيل عدد من المراسى المقامة حالياً على طول مجرى نهر النيل وإنشاء مراسى وموانى جديدة وطرق سريعة وسكك حديدية، مما سيتيح مرونة وسهولة فى نقل الحبوب والبضائع والسلع والمنتجات الزراعية والحيوانية بين دول الحوض، للمساهمة فى تحقيق الأمن الغذائى لدول حوض النيل، وأيضا العودة بالنفع الملموس على اقتصاد دول الحوض المصدرة لتلك المنتجات. ويمكن ان ينضم للمشروع فى مرحلته الثانية إثيوبيا التى نرحب بوجودها حتى تتحق وحدة النهر بفرعيه الأبيض والأزرق بشكل عملى سيتواكب مع تنفيذ المشروع فتح مصر مراكزها التدريبية بوزارتى النقل والموارد المائية والرى للمتخصصين من دول حوض النيل لتلقى دورات تدريبية فى تصميم وتشغيل وصيانة منشآت النقل النهرى والسفن والمراسى والموانىء النهرية ومجالات تكنولوجيا النقل النهرى، وكذلك تبادل الخبرات حول آليات تشجيع التجارة والسياحة البينية والشحن والحفظ والتخزين وتسويق المنتجات والسلع. هذا المشروع سيضفى مزيدا من الأهمية الجيوسياسية لمنطقة دول حوض النيل على وجه الخصوص، والقارة الإفريقية عامة، ويعود بفوائد تتجاوز بمراحل تكلفته المادية التى تقترب من ال 10 مليارات دولار، باعتباره أداة ربط جديدة وفاعلة بين منطقتي جنوب وشمال البحر المتوسط شاملا الاتحاد الاوروبى. ويتم حاليا التنسيق مع هيئات التمويل الدولية والبنوك العالمية لتمويل المشروع بقروض ميسرة يتم استرجاعها بعد تشغيل المشروع على عدة سنوات، كما ستسهم الدول المستفيدة والقطاع الخاص بجزء كبير من تكلفة المشروع. ومن المتوقع أن يتيح هذا المشروع فرصة توافق سياسي حول إنشاء آلية إقليمية يمكن توظيفها في مراحل لاحقة لتصبح نواة لآليات أخري اوسع واشمل على مستوي القارة الإفريقية في مجال النقل النهرى. ان مشروع الممر الملاحى هو جزء صغير من حلم طموح يشمل القارة الافريقية كلها، ويؤكد الرؤية المصرية التى يتبناها ويدعمها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وبصورة تحقق التنمية الشاملة لمختلف الدول وتوسيع الروابط الاقتصادية والاجتماعية لشعوب دول الحوض، بل ولشعوب القارة الإفريقية بكاملها.. حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء. لمزيد من مقالات د.حسام مغازى