قنبلة نووية فى يد جماعة إرهابية. إنه أقسى كابوس يحوم حول العقول فى أنحاء العالم. وقد أدرك الكثيرون تلك الحقيقة. وعلى مدى سنوات حاول البعض الاستفادة من تصدير تلك الفكرة لإثارة خوف الآخرين سعيا وراء أهداف سياسية، بينما استعانت بها دول كبرى لتحقيق مخططاتها الإقليمية والدولية مثلما فعلت الولاياتالمتحدة فى حالات العراقوباكستان وأفغانستان. واليوم يعود الكابوس من جديد بتسريب تنظيم «داعش» ووسائل الإعلام الغربية المزيد من الإيحاءات والمعلومات عن رغبة التنظيم فى امتلاك السلاح النووى لنسف العالم، بل وظهر ما هو أبعد من ذلك عندما تم تسريب معلومات أكثر دقة عن برنامج منظم يتبناه «داعش» لامتلاك ترسانة نووية ودخول نادى السلاح النووي! دعاية وحرب نفسية لقد أدرك «داعش» والواقفون وراءه منذ البداية قوة استخدام الأدوات الدعائية فى تحقيق أهداف السياسة الخارجية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط بوجه عام والعربية منها على وجه الخصوص. وكان من المنطقى أن يستخدم «داعش» جميع الوسائل الدعائية المتاحة لتعميق حالة الخوف والرعب لدى الحكومات والشعوب المستهدفة بأنشطته التدميرية. وبالتالى لم يكن من الغريب أن كشفت صحيفة «ديلى إكسبريس» البريطانية فى تقرير لها خلال شهر سبتمبر الماضى عن أن مقاتلى تنظيم «داعش» يخططون الآن لشن «تسونامى نووي» لإبادة مئات الملايين من الأشخاص من فوق سطح الأرض، فيما يمكن وصفه ب «أكبر هولوكوست ديني» لم يشهد العالم له مثيلا. وجاءت تحذيرات الصحيفة بناء على تصريحات يورجن تودنهوفر الصحفى الألمانى والبرلمانى السابق بالحزب المسيحى الديمقراطى الحاكم. ولم يكن تودنهوفر، سوى «الصحفى الوحيد» الذى سمح له «داعش» بالوجود داخل خطوط قتاله الأمامية. وقد تولى تودنهوفر، الذى كان طوال الوقت برفقة أبرز نجوم «داعش» البريطانى جون قاطع الرؤوس، بمهمة نقل «رسالة دعائية» واضحة إلى الجماهير، عندما قال: «إن مسلحى داعش يسيطرون حاليا على أراض فى سورياوالعراق أكبر من إجمالى مساحة بريطانيا، وأنهم مدعومون بروح حماسية لم أر مثيلا لها من قبل فى منطقة قتال أو حرب». وقال الصحفى الألمانى : «إن الغرب ليس بمقدوره عسكريا هزيمة من يسمون أنفسهم بحكام الخلافة «داعش». وأضاف : «أنه ليس بوسع أحد أن يوقفهم على الإطلاق سوى العرب». لقد حمل تودنهوفر تلك الرسائل بعد قضاء عشرة أيام مع مقاتلى التنظيم لتغطية نشاطهم إعلاميا! واصطحب خلال رحلته ابنه! وتمت الموافقة له بالسفر إلى الأراضى الواقعة تحت سيطرة «داعش» بعد مفاوضات مع بعض قيادات التنظيم الذين سمحوا له بالمجيء!. وفى واقع الأمر تحولت المغامرة الصحفية التى قام بها تودنهوفر إلى كتاب تولت صحيفة «ديلى إكسبريس» بأمر الدعاية له فى إطار الخبر المنشور. وحمل الكتاب عنوان: «داخل داعش: عشرة أيام فى الدولة الإسلامية».وإلى هنا انتهت مهمة تودنهوفر بنقله «لشائعة» رعب نووى قادم فى الأفق!! ولم تكن تلك هى المرة الأولى التى يسعى فيها «داعش» إلى تسريب دعايته النووية. فقد شهد شهر مايو 2015 تخصيص «داعش» العدد التاسع من مجلته «دابق» الصادرة بالإنجليزية (يلاحظ أن «دابق» له دلالة دعائية تتعلق بموقع هزيمة العثمانيين للمماليك فى القرون الوسطى وبداية استعمارهم المشرق العربى بعد معركة «مرج دابق») لتقديم خططه النووية التى تكفل له الحصول على السلاح النووى فى غضون عام واحد فقط!! وكما جرت العادة استعان «داعش» بوجه غربى لتوصيل رسالته الدعائية. وكان الرهينة البريطانى جون كانتلى هو النموذج الأمثل للقيام بالمهمة. فقد احتجز «داعش» كانتلى كرهينة لديه منذ أكثر من عامين. وتم استغلال كانتلى خلال تلك الفترة فى نشر فيديوهات ضمن سلسلة دعائية للترويج للتنظيم! الخطة النووية ووفق الرسالة التى بعث بها تنظيم «داعش» عبر المقال الذى كتبه الرهينة البريطانى كانتلى فإن «خطط داعش النووية» تسير فى عدة محاور كما يلي: أولا وجود قنوات اتصال ل«داعش» بعناصر تابعة فى باكستان. ثانيا سيحصل التنظيم على السلاح النووى من خلال صفقة شراء حيث تتوافر لدى التنظيم السيولة المالية الكافية لإتمام عملية شراء «سلاح نووي»!! ثالثا الاستعانة بشبكة دولية متكاملة من الجماعات والتنظيمات الأخرى التى أعلنت ولاءها أخيراً ل «داعش»، مثل «بوكو حرام»، لإنشاء حركة عالمية، تمتد عبر الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، مما يسهل تواصل أعضاء التنظيم مع نظرائهم فى باكستان لشراء أسلحة نووية، بالتعاون مع تجار الأسلحة ذوى الصلات بمسئولين فاسدين فى المنطقة. رابعا عقب عقد الصفقة سيتم نقل السلاح النووى إلى الولاياتالمتحدة. خامسا يدعى التنظيم وجود قدرة على التعامل مع السلاح النووى من نقل وتخزين وصولا إلى مرحلة التفجير التى سيكون مستعدا لها خلال عام واحد فقط أى بحلول مايو 2016! سادسا فى حال تعرض المخطط النووى للعرقلة فإنه سيستبدل بالحصول على كميات، تقدر بأطنان، من مادة الأمونيوم المتفجر. سابعا الاعتماد على التعاون مع العناصر الخارجية التى تبايع «داعش». فزيادة الجماعات التى تبايع «داعش»، يسهل من تنفيذها عمليات تخريبية ضخمة. ثامنا هناك نية لمهاجمة واشنطن على أرضها، ولن تتوانى «داعش» عن إرسال اثنين من عناصرها إلى هناك لتنفيذ العملية التى ستكون أكبر من تبادل لإطلاق النار. وصف الخبراء ما جاء بمقال «داعش» بأنه «اعتقاد غير قابل للتحقق». فشراء السلاح النووى من باكستان استعصى على الدول العربية والإسلامية على مدار عقود. كما تعهدت باكستان للولايات المتحدة تحديدا وللعالم أجمع ببذل قصارى الجهد من أجل منع وصول السلاح النووى والخبرات النووية الباكستانية إلى يد التنظيمات المسلحة مثل «القاعدة» و«طالبان» و«داعش». وفى حال وجود أى شكوك فى قدرات باكستان على الوفاء بالتزامها سيكون هناك «تدخل دولى مباشر» لحماية الترسانة النووية الباكستانية ومنع وقوعها فى يد أطراف خارجية أو تنظيمات. المستفيد الحقيقي وبالنظر إلى المستفيد الحقيقى من تلك الرسائل الدعائية النووية الداعشية سنجد أنهم ينحصرون فى فئتين: الأولى فئة قصار النظر. وهى فئة «داعش» والتنظيمات المنضوية تحت مظلته. فأمر الدعاية النووية لم يكن ليتحقق إلا فى حال امتلاك «داعش» قدرة نووية فعلية. أما إذاعة المخطط النووى للتنظيم قبل سنة كاملة من الموعد المخطط لحيازة القدرة النووية فيعد وسيلة إرهاب دعائى للمهاجمين، ووسيلة جذب دعائى لضم المزيد من الأفراد والتنظيمات التى يمكن أن تنطلى عليها «الخدعة». أما الفئة الثانية فتتمثل فى الدول التى تحاول استغلال الدعاية النووية الداعشية فى تحقيق أهدافها إزاء المنطقة ودولها. فعلى سبيل المثال لا الحصر شهد شهر نوفمبر 2014 أى قبل شهور من الدعاية النووية الداعشية تصريح الرئيس الأمريكى أوباما فى استراليا، عقب انتهاء أعمال قمة مجموعة العشرين، بالقول: «لن نتردد فى إرسال وحدات برية إلى المنطقة فى حال سيطر داعش على سلاح نووى مثلا». وفى سبتمبر 2015 خرجت من إسرائيل رسالة دعائية تفيد بأن «تل أبيب اتخذت قرارا صائبا عندما دمرت المفاعل النووى السورى فى دير الزور شمال شرق سوريا، عام 2007، وهى عملية أدت وقتذاك أيضا إلى اغتيال المسئول عن المفاعل اللواء محمد سليمان». فقد صورت الدعاية الإسرائيلية فعلتها عام 2007 على أنها «منعت الحكومة السورية من تطوير سلاح نووي، وأجهضت سيناريو سيطرة المتطرفين على هذا السلاح»!! وهكذا نجد أن ورقة امتلاك «داعش» لسلاح دمار شامل يتم توظيفها منذ فترة على عدة مستويات بما يخدم مصالح الأطراف الخارجية فى المقام الأول، والتنظيم ذاته فى نفس الوقت.