امرأة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف خصوصا من الزوج، هذا ما أشار إليه اخصائيون خلال مؤتمر دولى ناقش قضايا العنف ضد المرأة، وكالعادة ادعى البعض أن الإسلام لم يحم المرأة من هذا العنف. واذا كانت العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والثقافة الذكورية التى تعلى من شأن الرجل تعد من اهم الأسباب التى تقدم تبريرا للعنف ضد المرأة فإن علماء الدين يؤكدون أن العنف ضد المرأة أصبح ظاهرة عالمية لا إسلامية، وأن الإسلام بين مكانة المرأة وحث على الرفق بها وحسن معاملتها، والدليل على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلاطف نساءه، وفى حجة الوداع قال: «استوصوا بالنساء خيرا». وقد اعطى الاسلام للمرأة حقوقها كاملة فى القيمة الانسانية ورد اليها كرامتها بعد ان كانت مجردة منها فى الحضارات السابقة التى سلبتها كل خصائص الانسانية وحقوقها، قال رسول الله صلى الله عليه : “ رفقا بالقوارير”.ومن ثم فقد حرم العنف ضدها قبل كل المواثيق الدولية . ويقول الدكتور نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، إن ضرب الزوجات فى حالة النشوز هو نوع من التخويف للتقويم، وهو ضرب بالسواك على سبيل «المداعبة»، أما عن حالة الضرب المبرح فهو يكون للزوجة فى حالة العقوبة عن الجنايات، لأن الزوجة سكن ومودة ورحمة، والضرب المبرح للزوجة شذوذ وخارج عن الشرع، وهناك زوجات لا يستقمن إلا بالضرب وهى حالات نادرة، والشاذ لا يقاس عليه فى الأحكام ولا يعمل به، ومسألة أن الزوجة ناشز يعنى أنها لا تريد أن تؤدى الواجبات، «فالحر تكفيه الإشارة والعبد يقرع بالعصا». المودة والرحمة وفى سياق متصل يؤكد الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية، أن من مقاصد الإسلام العليا التى يقوم عليها الدين، مقصد حفظ النفس، بصفة عامة أو خاصة، فحرم الإسلام القتل، أو إزهاق الروح، وحرم كل ما يؤدى إلى ذلك، أو يؤدى إلى إيلام جسد الإنسان الذى كرمه الله عز وجل، فلكل إنسان الحق فى ألا يعتدى أحد على جسده، فهو حق شرعي، وتحول إلى الحماية القانونية فى المجتمعات الحديثة. وأضاف: إن الزواج يحقق السكن والمودة، والرحمة، وإذابة شخصية الزوجين فى شخصية واحدة، وهذا قمة النجاح، وهذا يتطلب تحمل الأمانة ويؤدى إلى نجاح الأسرة، ولكن لما كان الإنسان ليس معصوما عن الوقوع فى الخطأ والرجل بصفته موجها، ومنفقا على الأسرة، فيتخيل بعض الرجال أن الوسيلة الوحيدة لتقويم اعوجاج المرأة وإصلاح خطئها هى العنف أو الأذى البدنى أو اللفظي، وهذا فهم غير صحيح لضوابط الإسلام، فهناك من الوسائل والأساليب ما يعيد المرأة إلى صوابها عند خطئها إما بالحوار إذا كانت ذات عقل وحكمة، وإما بالعقاب السلبى كعدم الكلام مثلا، أو عدم تلبية حاجاتها بيسر حتى تتفهم ضرورة احترام الزوج والكف عن هذه الأخطاء، ولذلك كان الشرع حريصا على ضوابط اختيار المرأة فى البداية، حتى يضمن الإنسان قلة هذه المشاكل والأخطاء، فالنبي، صلى الله عليه وسلم قال، الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة وقال أيضا: (تنكح المرأة لأربع، لمالها وحسبها ونسبها وجمالها ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك) لذلك تدرج القرآن الكريم فى كيفية معاملة المرأة التى تخطئ كثيرا بتدرج منطقى وواضح وتمثل ذلك فى قول الله تعالي: (واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن) والتدرج بدأ أولا بالعظة وهو الحوار الذى أشرنا له، فإذا فشلت وسيلة الحوار، انتقل إلى وسيلة أخرى أكثر تأثيرا، حيث إن أكثر ما يؤثر فى الإنسان هو إهماله أو مقاطعته كعقاب له على خطئه فجاءت مرحلة الهجر، فالمرأة موجودة فى بيته ولا يكلمها، أو يهجرها فى الفراش، ثم إذا فشلت هذه الوسيلة، فإن هذا المرأة تكون حالة خاصة، بدليل عدم نجاح الوسيلتين السابقتين، لأنه معروف عند الإنسان ذى الحس العالى أنه ربما كلمة تحزنه وتؤثر فيه أكثر من أى وسيلة مادية أخري، فإذا ما حدث ذلك وصلنا للمرحلة الأخيرة من المعاملة، والتى خاض فيها الكثير بقصد الإساءة إلى الإسلام، وهى وسيلة الضرب، ففهم البعض أن الضرب معناه أن التقاتل مع المرأة وإدماء جسدها ومعاملتها كالعدو، وهذا لم يقصده الإسلام أساسا، وإنما قصد بالضرب كما ذهب بعض العلماء التلويح والتعريض، أو الضرب بوسيلة لا تؤلم ولا تجرح، وألا يتعرض للأماكن المهينة كالوجه وغير ذلك، لأن التدرج الشرعى بين لنا ذلك عند فشل الوسائل السابقة، علينا الانتقال إلى الوسائل الأخرى من داخل الأسرة إلى خارجها، وذلك بإشراك الغير من أهل الزوجين لحل المشاكل (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) وإذا فشلنا بعد ذلك فليس أمامنا من حل سوى الحل المر النهائى سوى الفرقة، فأين العنف الذى أمر به الإسلام الرجل ضد المرأة ؟!. وأوضح أنه إذا كان البعض يقول إن هناك بعض النساء وهذا أمر شاذ لا يقاس عليه لا ينصلحن إلا بالعنف، فلا تقوم بواجباتها إلا بذلك، فهذا أمر غريب ولا ينبغى الحديث عنه، لأن الأحكام الشرعية تبنى بالغالب والأعم وليس بالشاذ والقليل، ويقاس على العنف بين الزوجين، أى عنف يقدم ضد المرأة بصوره المختلفة. الرفق بالنساء ويؤكد الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه لم يؤثر عن أحد من المسلمين أنه كان يعنف زوجته، إلا قليلا، ولهذا فإن الله تعالي، لما أنزل أحكام نشوز المرأة وما يتبع معها عند الخوف من نشوزها قال تعالي: (واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) قال النبي، صلى الله عليه وسلم، (وخيركم لا يضرب)، وهذا دليل على أن الأفضل ألا يعمد الرجل إلى ضرب زوجته حتى وإن لم يجد معها وعظ أو هجر، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يفاخر أصحابه بأنه ما عنف زوجة له قط، فقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، ولهذا فإن الإسلام حث على الرفق بالنساء وحسن معاملتها، ولهذا كانت وصية النبي، صلى الله عليه وسلم، فى خطبته، فى حجة الوداع، (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف)، وقال صلى الله عليه وسلم، فى حق الإحسان إلى النساء وتعليمهن وتربيتهن، (من كان عنده ابنتان أو أكثر فأحسن تعليمهن وتربيتهن، كن له سترا من النار يوم القيامة)، كل هذا يدلل على أن الإسلام دعا إلى الرفق بالمرأة وعدم استعمال العنف معها، أو إغلاظ القول لها، ولهذا فقد كان النبي، صلى الله عليه سلم ، يلاطف نساءه، ولا يحابى إحداهن على حساب الأخري. سببها سرعة الحياة ويؤكد الدكتور أحمد حسين وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر، أن أسباب انتشار العنف هو سرعة الحياة ورتمها وقضاء الرجل وقتاً طويلاً خارج المنزل وأكثر من 70% من الرجال خارج البيت والزوجات أيضا معظمهن منشغلات بحياتها الخاصة بالإضافة إلى الضغوط النفسية، والسعى الدءوب من الرجال والنساء التى تسبب هذه الضغوط، وماتبثه وسائل الإعلام من مشاهدات يومية، وما يصدره الآخرون إلينا، والدوافع الاقتصادية والتكوينات الاجتماعية، أما عن الحالات التى يباح فيها ضرب الزوجات فأكد د. حسين أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ما ضرب امرأة ولا خادما وضرب بالسواك أنس (رضى الله عنه) حينما تأخر، وقال لولا خشية القصاص لأوجعتك بالسواك ضربا، وهذا معناه أنه ليس هناك ضرب فى الإسلام أما الآية التى تقول «واضربوهن» معناها فى النشوز وهى فى ظروف معينة وضيقة حينما تفشل وسائل الإصلاح الأخري، ولكن كيف يكون الضرب؟، فإذا فشل الوعظ والهجران وجاء الضرب فى آخر مرحلة فى حالة الغضب فيكون الضرب معافى باليد ونحوها إظهارا للغضب وعدم الرضا، فلا يكون الضرب بأى آلة حادة أو أى شيء مادى.