تدرك الولاياتالمتحدة ومن ورائها الغرب الأوروبي من جهة ، وروسيا ومن ورائها حلف شنغهاي وخاصة الصينوإيران من جهة أخري أن عودة سنوات الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي السابق لن تنتهي بخروج طرف منتصر وآخر مهزوم كما حدث من قبل بهزيمة وتفكك الاتحاد السوفيتي . إلا أن تطورات ما حدث في جورجيا ثم أوكرانيا ، والملف النووي الايراني ، وما يحدث الآن في سوريا لا تدع مجالا للشك أن الحرب الباردة ستعود تلك المرة ولكن بشكل أشد سوء لن يخرج عن المواجهة المباشرة ويبدو أن الطرفين يحاولان عن طريق التصريحات الدبلوماسية واللقاءات المتكررة أن يُلطِفا من أجواء تلك الحرب المستعرة تحت الرماد ، إلا أن تعقيدات الوضع في سوريا ، وتعارض المصالح والاستراتيجيات ، وتداخل الأطراف اللاعبة علي المسرح السوري يجعل من الصعب ، بل من المستحيل عند أقل توتر أو انفلات للأعصاب أن يسيطر طرفان علي الموقف كما كان يحدث أيام الحرب الباردة . ونفسية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل المخابرات الذي عاش هزيمة وانكسار الدب الروسي علي يد الرجل الأبيض ، وعدم التفات الغرب إلي حساسية التعامل مع دب كان جريحا وبدأ يتعافي ويُكشر عن أنيابه ،بل ويُحرج الولاياتالمتحدة ويُظهر ضعفها في مواقف عدة ، كل ذلك يُزيد من سخونة المواجهة المرتقبة ، والتي يبدو أن مسرحها تلك المرة سيكون علي الأرض السورية . ولعل تصريحات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق عن حتمية المواجهة والحديث عن حرب كونية ثالثة ، وأن بلاده تُخبيء أسلحة لم تعهدها البشرية ولا يتوقع دمارها أحد لعل كل ذلك يَصب في خانة اقتراب لحظة المواجهة . فتراجع وتنازل الموقف الأمريكي أمام إيران حليف روسيا في محادثات الملف النووي الإيراني ، واعتراف أمريكا بعدم قدرتها علي حل المسألة السورية بدون إيرانوروسيا ، وظهور أمريكا والغرب بمظهر العاجز والمشلول أمام استفزازات روسيا وعربدتها في أوكرانيا ، ومن قبل في جورجيا ، وعدم جدوي الضغط الاقتصادي علي روسيا بخفض أسعار البترول ، بل وإضطرار من تلاعبوا في أسعاره إلي إعادة رفع السعر مرة أخري ، كل ذلك يؤكد أن الدب الروسي سيثأر حتما لنفسه ، وربما ينجح في أن يُذيق الولاياتالمتحدة مرارة الهزيمة ، وربما نري تفككا تلك المرة للولايات ال 50 الأمريكية بعد أن رأينا تفككا لجمهوريات الاتحاد السوفيتي .والمتابع لمواقف الغرب من التدخل الجوي الروسي في سوريا - الذي تم بدعوة من الرئيس السوري بشار الأسد - يدرك تماما مدي المرارة وحجم النار المدفونة تحت الرماد. فقد قالت فرنسا إنه من "الغريب" أن الضربات الجوية الروسية في سوريا لم تستهدف مقاتلي الدولة الإسلامية ( داعش ) وأنها تركز علي دعم الرئيس السوري من خلال استهداف جماعات المعارضة الأخرى ، وليس قتال داعش، وأن روسيا لم تبلغها بالضربات في سوريا وهو ما يلزم لتجنب الاشتباك بين روسيا والقوات التي تقودها أمريكا. وأكد مسئول أمريكي نفس الموقف بأن الضربات الجوية الروسية لا تستهدف المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو الدولة الإسلامية وهو أمر قد يعوق أي تعاون محتمل مع الولاياتالمتحدة في الحرب.واعتبرت واشنطن أن تحركات روسيا في سوريا خطيرة ولم تكن هناك محادثات بشأن "عدم تعارض" العمليات. وفي إطار التوتر بين الغرب وحلف شتغهاي ، وجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري رسالة شديدة اللهجة للصين بالقول إن بلاده لن تقبل بفرض قيود في بحر الصين الجنوبي.وتتنازع الصين وفيتنام والفلبين وماليزيا وتايوان وبروناي السيادة على بحر الصين الجنوبي الذي يبلغ حجم التجارة التي تعبره سنويا خمسة تريليونات دولار.وأقلقت تحركات الصين لتأكيد سيادتها علي البحر جيرانها ، وأثارت مخاوف الولاياتالمتحدة . [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة