أمام مجلس النواب المقبل أكثر من 300 تشريع وقرار بقانون صدرت فى غيابه طوال العامين ونصف العام الماضية، أثناء ولايتى الرئيس المؤقت عدلى منصور والرئيس الحالى عبد الفتاح السيسي، وقد يرتفع هذا العدد حتى توقيت انعقاد الدورة الجديدة للبرلمان. وتنص المادة «156» من الدستور الذى وضعته لجنة الخمسين على «إذا كان مجلس النواب غير قائم يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك»، ولو تأخرت الانتخابات لوضعنا فى مأزق دستوري، بل ربما يكون «شيئاً كارثياً» كما وصفه خبراء القانون والدستور. ويقول الدكتور ياسر الهضيبى أستاذ القانون والفقيه الدستورى بجامعة عين شمس: إذا اكتنف الغموض الحياة العادية ساءت أحوالها بصفة عامة، وإذا شاب الغموض فى الحياة القانونية اضطربت معالمها بصفة خاصة، وهذا هو حال الحياة الدستورية والقانونية فى مصر الآن، فى ظل وجود لجنة صياغة وتعديل القوانين الانتخابية برئاسة إبراهيم الهنيدي، فعدم الانتهاء من إصدار القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية يؤدى إلى كارثة دستورية محققة كما تنص المادة 156 من الدستور. وأوضح الهضيبي: أن من أهم هذه القوانين القانون الخاص بانتخابات الرئاسة الذى أصدره المستشار عدلى منصور، فإذا لم يعرض ويناقش ويقر يزول القانون بأثر رجعي، وكل ما بنى وترتب على هذا القانون الباطل يزول بأثر رجعى بما فيها انتخابات الرئاسة، وكذلك قوانين تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، وكذلك قوانين مشروع قناة السويس الجديدة، وقسم الهضيبى القرارات التى أصدرها الرئيس إلي: أولها: قرارات سيادية دستورية وهى حق خالص وأصيل لرئيس الجمهورية وفقاً للدستور. ثانيها: قرارات سيادية قانونية هى حق الرئيس فى إصدار قرارات بقوانين نظرا لغياب المؤسسة التشريعية وذلك طبقا للدستور. ثالثها: قرارات سيادية فى التعيينات وهى حق الرئيس فى إصدار تعيينات أو إلغاء تعيينات أو إحالة للمعاش طبقا لما هو مخول له من سلطات طبقا للدستور . فى الوقت نفسه يؤكد المستشار نور الدين على الفقيه الدستورى أنه بالفعل يجب عرض كل التشريعات التى أصدرها الرئيس على البرلمان طبقا للمادة 156 خلال 15 يوما، حيث لا يوجد أى سند دستورى لإعطاء الرئيس سلطة التشريع إلا تلك المادة، ولا نستطيع من الناحية الدستورية أن نمنح الرئيس سلطة التشريع دون سند دستوري، وإلا اعتبرت كل أعمال الرئيس قرارات إدارية وليست «تشريعات ضرورة».. إذن لامناص من الهروب من تلك المادة «المعيبة» من حيث المضمون، وللأسف فإن واضعى تعديلات الدستور، لم تكن لديهم الخبرة والمهارة المهنية لوضع تشريعات منضبطة دستوريا، تواكب تلك الفترة الحرجة التى تمر بها البلاد، حيث كان يجب عليهم منح الرئيس سلطة التشريع بشكل مستقل فى الأحكام الانتقالية للدستور، لأنه توجد استحالة فى عرض جميع التشريعات على البرلمان فى فترة 15 يوما . وأضاف نور الدين أنه إلى جانب تلك المادة السابقة توجد مادة أخرى تقف «عقبة» وهى المادة »190« من الدستور، والمتعلقة باختصاص مجلس الدولة، حيث إنه يجب خلال تلك الفترة الزمنية أيضا «أسبوعين» عرض جميع هذه التشريعات على مجلس الدولة حتى يقوم بمراجعتها، والتى تنص علي: «أنه يتولى وحده الإفتاء فى المسائل القانونية التى يحددها القانون، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية»، فالمادة توجب عرض «تشريعات الضرورة» أو «القرارات بقوانين» على مجلس الدولة خلال ال 15 يوما المنصوص عليها فى المادة «156». وأشار الفقيه الدستورى إلى أنه كان من الأفضل أن تكون المادة 156 شبيهة بالمادة 147 بدستور 71، والتى كانت تنص على «وجوب العرض لهذه القرارات دون أن تقيد البرلمان بمدة معينة للموافقة على هذه التشريعات»، مضيفاً أن أهم القرارات التى أصدرها الرئيس وهى قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومنها تقسيم الدوائر وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الإرهاب وغيرها. وحول المخرج الدستورى من هذا المأزق أوضح نور الدين أنه لابد للبرلمان أن يتماشى مع توجهات الدولة، ويستخدم صلاحياته وفقا لنص المادة «326» من اللائحة بالموافقة على تلك التشريعات على وجه السرعة، حيث يستطيع البرلمان أن يوافق على القانون جملة أو يرفضه جملة، وبعد ذلك يقوم المجلس بتقديم أو تعديل تلك القوانين مرة أخري، كما أنه توجد قاعدة قانونية وهي» لا التزام بمستحيل» وهذا يتحقق فى تلك القرارات التى لا يستطيع المجلس مناقشتها وإقرارها، حيث إن الخطأ لم يكن خطأ الحكومة بقدر ما هو خطأ دستورى لا تتحمله الدولة وحدها، وعلى المحكمة الدستورية إقرار تلك التشريعات، حيث سبق لها أن أكدت فى أحكام كثيرة إقرار تشريعات، بالرغم من مخالفة تلك التشريعات للدستور، استنادا إلى أنه يجب أن يواكب النص الدستورى الواقع والظروف للمجتمع، وإلا اعتبر الدستور فى «واد»، والمجتمع فى «واد» آخر، مثل قوانين الخصخصة والاستثمار، حيث إنها أخذت بالمذهب الرأسمالى الحر، فى حين إن النصوص الدستورية اتخذت من المذهب الاشتراكى طريقا ومنهجا. وبين هذين الرأيين يتفق إيهاب الخولى المحامى حول»كارثية» المادة والتى بالفعل وضعتنا فى مأزق، لأنها حكمت مجلس النواب بمدة معينة وهى ال 15 يوما، وهذا صعب جدا أن يتم مناقشة القوانين التى صدرت خلال هذه الفترة البسيطة، ولكن المخرج القانونى سيكون فى الموافقة على التشريعات التى أصدرها الرئيس جملة، دون النظر فى المواد، ثم بعد ذلك يكون للبرلمان من خلال لجانه المختصة مراجعة ودراسة مواد القوانين، وإدخال التعديلات عليها إذا تطلب الأمر ذلك، لأن الدستور والذى كان سنده الرئيسى الإرادة العليا للشعب وتمت الموافقة عليه، لا يمكن الإخلال بأى مادة من مواده. وحول مطالبة البعض بتعديل بعض مواد الدستور أكد الخولى أن المرحلة الحالية يصعب فيها تعديل الدستور، والتعديل يحتاج إلى استفتاء شعبي، وقرار رئاسي، والفترة الحالية تحتاج إلى تكاتف الجميع، وأمام مجلس النواب مهام كثيرة وشاقة، ومن الممكن بعد فترة من الاستقرار أن يتم تعديل بعض مواد الدستور والاستفتاء عليها.