أما المواعظ فهو مواعظ خطباء عيد الأضحى المبارك، وأما القصة فهي قصة "الفداء والتضحية" التي تتناولها مواعظهم، ولا تخلو من دروس، وفوائد، وعبر.. كلما أمعن المرء التفكير فيها. وردت قصة "الفداء والتضحية" هذه في أكثر من مكان، بالقرآن الكريم، لكنها وردت بتمامها في الآيات من 100 إلى 111 من سورة "الصافات" وبدأت بدعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام: "رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)". ما أكثر الفوائد الإيمانية التي يعمر بها قلب المؤمن من هذه القصة الرائعة، فهناك: الصلاح، والحلم، والصبر، والإحسان، والفداء، والبلاء، والسلام. غير أن مفتاح القصة يكمن في رأيي في كلمتين: "أَسْلَمَا وَتَلَّهُ".. فالإسلام - كما نتعلمه من هذه الآية الكريمة "الاستسلام لله في أمره، ونهيه على لسان الوحي.. فمن أسلم وجهه وقلبه لله في كل أمر مسلم فهو المسلم". ولما كان النبيون والمرسلون أكثر الناس استسلاما، لله، فقد كانوا بذلك أول المسلمين: "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) (الأنعام). وبدون تسليم، واستلام لله تعالى، في حكمه، فلا إسلام، قال سبحانه: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا". (النساء:65).
فالإسلام إذا هو الاستلام، والتسليم لله سبحانه وتعالى.. "يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ".. ما تؤمر من الله، فرؤى الأنبياء حق، وما أحوجنا إلى "هذا الإسلام"، في حياتنا كلها. فهل نعيش حياتنا بهذا الشمول الإسلامي: "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ".(البقرة: 128).. الأب والإبن.. "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ".. لا يصلح إيمان بدون تنفيذ أمر الله، ومواجهة التحديات التي يمر بها المرء في طريقه.. حتى لو كان "الذبح" من بينها! "َتَلَّهُ": أي: "أرقده على جبينه".. إنها لحظة من الصدق الخالص مع الله تعالى: إسلام، وصدق. "وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا".. أي صدق معها، وفي تنفيذها، مع الله تعالى. وهو الأمر نفسه الذي أثنى عليه القرآن الكريم بالنسبة لإسماعيل عليه السلام فقال تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا(55). (مريم). فالصدق قبل الرسالة، بل شرط لها، وما أعظمها من صفة كريمة. إن أسوأ ما يبتلى به المرء ذلك الفصام النكد بين عقيدته، وسلوكه.. بين ما يقوله، وما يفعله. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد