تمر بنا الأعوام، وتتتابع علينا المواسم والأيام، ولم ندرك فريضة الحج، تلك الفريضة التى هى ركن عظيم من أركان الإسلام وقاعدة ثابتة من قواعده، وقد دل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع، ونحن اليوم فى صحة جيدة، وربما وفرة فى المال، فما الذى يمنع الإنسان من أداء الركن الخامس من الإسلام؟ وماذا ينتظر من لم يحج فريضته ؟ أينتظر أن يفاجئه الموت وهو لم يؤد الفريضة, أم ينتظر حتى يبتلى بمرض أو كبر يقعدانه, أم ينتظر الفقر والحاجة بعد الميسرة؟ انه تعالى لم يوجبه علينا فى العمر إلا مرة واحدة، وجعله من أسباب مغفرة الذنوب وزوالها، وهو من أعظم أسباب دخول الجنة والعتق من النار، وسعة الرزق, وذهاب الفقر, ومحو الذنوب, وتكفيرها. وقد تأمل العلماء الأسباب التى تمنع الناس من أداء فريضة الحج، مع انتفاء الموانع الشرعية فى حقهم، فوجدوها أسبابا واهية، ترجع فى مجموعها إلى ضعف الإيمان وأول هذه الموانع هو التسويف وطول الأمل، فيأتى الشيطان إلى المسلم من هذا الباب ليمنع عنه الخير، ويحرمه ثواب الطاعات، ويوقعه فى إثم عدم المبادرة إلى امتثال الأمر، ولذلك حذر العلماء أشد التحذير من التسويف والتكاسل عن أداء الفريضة فى الأعوام القادمة. ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إنه من المقرر شرعا أن الحج ركن لكن بقيد الاستطاعة، وقال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقال صلى الله عليه وسلم: «وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا»، وفسر العلماء الاستطاعة بملك النفقة، لنفسه ولمن يعول، وأمن الطريق وصحة البدن، والتمكن من أداء الشعائر، ويرى الشافعية والحنابلة، أن الحج يجب على التراخي، ويفعل فى أى وقت من أوقات عمر الإنسان، بينما يرى المالكية، أن الحج يجب فورا، ولعل ما رآه الإمام مالك رحمه الله، هو الراجح فيمن أنعم الله عليه بالصحة، والعافية، والزاد والاستطاعة، ولذلك أنذر الله تعالى هؤلاء القادرين على الحج، المستهينين به، وقال (ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين). وأضاف: إنه إذا كان الإنسان يؤجل الحج نتيجة زواج ابنته أو ابنه أو نظرا لظروف عادية وطارئة، فالواجب والأفضل فى هذا الأمر تقديم الطاعة لله، فإذا قدم الإنسان الطاعة على حاجات الدنيا وحوائجها، أعانه الله سبحانه وتعالى وأخلف له، ولا يسوف ولا يؤخر، فالحاجات والمصالح الدنيوية لا تنتهي. وفى سياق متصل، يقول الدكتور أحمد حسين وكيل كلية الدعوة بجامعة الأزهر، إنه يجب على المسلم المستطيع ألا يسوف فى أداء هذا الركن العظيم، لأنه ليس هناك ما هو أشد خطورة من التسويف، فالتسويف يحول بين العبد والطاعات، وأن الإنسان لايعرف متى ينقضى أجله حتى يقوم بهذا التسويف، والخير كل الخير فى المبادرة بأداء هذا الركن ما حاز الصحة والمال، وأيضا من الموانع الرجاء الكاذب، فبعض الناس يتعلق بآيات وأحاديث الرجاء، وعفو الله عز وجل وسعة رحمته، ويجعلها حُجةً له فى ترك الفرائض وفعل المناهي، وقد يزعم أن ذلك من حًسن الظن بالله عز وجل، فإذا ما عاتبته على ترك الحج مع القدرة عليه قال: إن الله غفور رحيم، أو يقول: (ربك رب قلوب)، كما نسمع فى حياتنا، أو يسرد عليك شيئًا من آيات وأحاديث الرجاء وسعة الرحمة، ولا شك فى أن هذا من تلبيس الشيطان على ابن آدم، فإن الرجاء وحسن الظن بالله عز وجل لا يكون إلا مع الاجتهاد وحسن العمل كما قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). الكسل والبخل ويقول الشيخ إبراهيم حافظ، من علماء الأزهر، إنه من الموانع التى تمنع عن الحج ، الكسل، وهو نوعان، كسل عقلي، بعدم إعماله فى التفكر والتدبر والنظر فى عظيم صنع الله وآلائه، وترك النظر فيما يصلح شأن الإنسان فى الدنيا والآخرة، وكسل بدني، وهو المؤدى إلى التثاقل عن الطاعات وأداء العبادات على الوجه المشروع، وهو من صفات أهل النفاق، كما فى قوله تعالي: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى? يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) والكسل عاقبته وخيمة؛ لأنه يصد الإنسان عن طلب المعالى ويمنعه من إدراك المهمات، ويعيقه عن العمل النافع والفكر المثمر، والسعى الحميد، ولذلك قيل: (إياك والكسل؛ فإنك إن كسلت لم تؤد حقا)، وأيضا من الموانع التى تمنع الإنسان البخل، ومن الناس من يمنعه عن أداء فريضة الحج البخل وخوف النفقة، وهذا مرض خطير، من أصيب به فهو على شفا هلكة؛ فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (وأى داء أدوى من البخل) قال تعالى: (هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم). مال الله ويضيف، ان لهذه المشاكل علاجا شافيا كافيا وهو أن يعلم المرء أن هذا المال ليس ماله، وإنما هو مال الله عز وجل، ولذلك قال تعالى: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) وقال سبحانه وتعالى أيضا: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ)، فليس من حقه إذًا أن يبخل بمال الله على عباد الله، فضلاً عن أن يبخل به على نفسه، وأن يعلم ماله من الأجر والثواب فى نفقته على الحج وغيره من الطاعات، وقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). الاجتهاد فى العبادة ويحذر الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، من التسويف فى الحج، لأن التسويف يهلك صاحبه، ويضيع منه الفرائض وربما يموت قبل أن يحج بسبب هذا التسويف، وعدم الحج للخوف على الأهل والأبناء، فنقول لهم: إن السابقين قد قاموا بأداء الحج، ولم يجدوا عذرًا لتخلفهم عن الاستجابة لنداء الرحمن مع وعورة الطرق ومشقة السفر، وبدائية وسائل النقل، فإن من بعدهم جدير بألا يجد عذرًا، فترك الأهل والأبناء أسبوعا أو أسبوعين لا يمكن أن يكون عائقًا عن أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.