لم يفتح باب قلبه لحب فتاة يمكن أن يرتبط بها بعد إنتهاء خدمته كمجند في القوات المسلحة في سيناء ، ولم يخفق فؤاده بغير حب الوطن والانشغال بالذود عن حياضه في مواجهة حفنة دموية من الأشقياء ظنوا وهما أن بمقدورهم أن يقيموا ولاية لكهفهم الأجوف علي أنقاض جماجم المصريين .. مصطفي الشربيني شاب مصري النكهة والانتماء والولاء ، وطني العقيدة والتوجه والمصير ، رضع منذ نعومة أظافره معاني عشق بلده والتضحيات الواجبه لحمايته ، لا يعرف لغة الجدل السياسي العقيم وليس لديه ترف التسلي بالحكايات أو هرطقات المتلونين والمدعين ، كل ما يعرفه أنه صخرة صماء في وجه الإرهاب الأسود وأنه لن يسمح للتكفيريين بأن ينفذوا مخططهم الجهنمي . مصطفي كان عريسا مشرقا في بلدته قرية ميت معاند مركز أجا محافظة الدقهلية ، زفه المئات من أبناء القرية وجيرانها وعدد كبير من المسئولين يتقدمهم محافظ الدقهلية حسام الدين إمام والمستشار العسكري العميد محمود عيد في جنازة رسمية وشعبية مهيبة ، ليذهب إلي جنة عرضها السموات والأرض ومقام كريم مع النبيين والصديقين وليسطر إسمه في سجل الخلود كشهيد يدافع عن تراب وطنه ضمن عملية حق الشهيد الباسلة التي ينفذها جيشنا المغوار في سيناء ، وإثر تبادل لإطلاق النيران مع العناصر الإرهابية خلال استهداف أوكارهم ومعاقلهم بالقري والمناطق المحيطة بالعريش ورفح والشيخ زويد . مصطفي خريج كلية الخدمة الإجتماعية وعمره 24 عاما وهو الابن الأوسط لوالدين موظفين يعملان في المحكمة وشقيقه الأكبر محمد يعمل في محل وله شقيقة أصغر منه إسمها عزة . مصطفي لم يتنبأ فقط باستشهاده ورحيله القريب بل كتب ذلك وأكده في وصية وجدها زملاؤه في جيبه بخط يده تعكس كلماتها شجاعة ونضجا ووعيا وتدينا كبيرا . قال الشهيد في كلمات رسالته الوصية بسم الله الرحمن الرحيم، الشهيد مصطفي محمود الشربيني، حين أتوفي لا تتركوني ولا تبكوا عليٌ، تعلمون أني لا أحب الوحدة والظلام، تحدثوا معي بالدعاء، اجعلوا قبري نورًا، فربما رحيلي قريبوصية ليست رسالة . والغريب أن شعور مصطفي بالرحيل كان منذ فترة ليست بالقصيرة ، فعلي صفحته علي موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك ، دون كثيرا أو شارك خواطر عن الموت والرحيل منها ، يارب إن كان بيني وبين الموت مسافة صغيرة فأحسن خاتمتي ، أصعب لحظة عندما تجد أشياء قديمة لشخص قد رحل . كما كتب ناعيا صديقا له إستشهد بقوله : بعدك معدش فرح ، اللهم ألحقنا بالشهداء ياالله ، وذات مرة كتب : إن غبت عدوا الليالي وإحسبوا الأيام ، ومرة أخري كتب : وسيأتي يوم تتحدثون عني وعن أحاديثي وعن ضحكاتي فلا تجدون سوي الذكريات وبينما لم يتمالك الحاج محمود الشربيني والد الشهيد نفسه للحديث عن ابنه البطل إلا بالقول حسبي الله ونعم الوكيل ، قالت والدة الشهيد: ابني طيب وكان يشعر أن أجله قريب وكنت أشعر بالحنين له، وكنت منتظراه يرجع أجازة وأخده في حضني لكن الإرهابيين الخونة قتلوه، وظلت تردد الله يرحمك يا مصطفي، الله يرحمك يابني يا شهيد. أما محمد شقيق الشهيد فتحدث ل (الأهرام ) بأن آخر أجازة لمصطفي كانت في 3 رمضان الماضي وآخر اتصال تليفوني منه منذ أربعة أيام وكان الحديث معه عاديا وقال أنهم يستعدون لمواجهة الإرهابيين ومداهمة أوكارهم وطلب منه الدعاء ، وأخبر مصطفي شقيقه بأنه لن يتمكن بسبب ذلك من القدوم إلي القرية في عيد الأضحي . وطالب محمد بسرعة الثأر من الإرهابيين والقصاص لدم مصطفي قائلا حرام ينعموا بالحياة بعدما سفكوا دم أخي .أما محمود رجب إبن عم الشهيد فقال أن مصطفي شخص محبوب جدا ودمث الخلق ويشهد بذلك كل أهله وأبناء قريته ، مشيرا إلي أن آخر إتصال هاتفي معه كان قبل 10 أيام هنأه فيه مصطفي بالخطوبة متمنيا له حياة سعيدة . وقال محمود أن الشهيد مصطفي أعزب وكان ينتظر الفرصة السانحة للسفر إلي الخارج بعد إنتهاء خدمته أو تأمين فرصة عمل مناسبة في الداخل، وبنبرة حزن يؤكد محمود أن الجميع لا يصدقون أن مصطفي مات وذهب بهذه السرعة ، حتي رأوا جثته في مستشفي القصاصين بالإسماعيلية ولكنه أكد أنها إرادة الله وأنه ونحن جميعا فداء لمصر . جنازة مصطفي كانت حدثا فريدا في القرية ، وبقلوب مكلومة وغضب مستعر ودعوات إلي الثأر والقصاص من الإرهابيين ردد المشيعون هتافات عند وصول الجثمان الملفوف في علم مصر تشيد بالبطل وزملائه في مقارعة الإرهاب الأسود ، وتطالب رئيس الجمهورية والجيش بمواصلة عملية حق الشهيد للثأر والقصاص من المجرمين التكفيريين وتطهير أرض سيناء منهم ، بينما تعالت زغاريد النساء فرحة للشهيد داعيات له بالخلود في الجنة . وقدم محافظ الدقهلية ومرافقوه العزاء لأسرة الشهيد عقب أداء صلاة الجنازة بمسجد القرية وتوديعه إلي مثواه الأخير بجبانة الأسرة ، حيث قام المحافظ مع أسرة الشهيد بتلقي واجب العزاء أمام المقابر . وتقديرا للشهيد قرر محافظ الدقهلية اطلاق إسم الشهيد مصطفي محمود الشربيني علي مدرسة ميت معاند للتعليم الأساسي ووجه رئيس مركز أجا باستكمال ورصف الطريق المؤدي إلي المقابر والطريق المؤدي إلي منزل الشهيد. وأكد المحافظ وقوف الدولة بكامل أجهزتها ضد الإرهاب وترويع الآمنين، مشيرًا إلي الإيمان العميق للشعب المصري العظيم بوطنه والوقوف ضد أي محاولات للإضرار به أو المساس بترابه .