بعد أيام معدودات.. بعد ليال ميمونة ونهارات مباركة يقف المسلمون إلي غروب الشمس في ساحة عرفات يرفعون أيديهم إلي السماء داعين ذاكرين مهللين مكبرين ملبين راجمين الشيطان وحزبه مرددين «بسم الله والله أكبر، رجما للشيطان وحزبه اللهم تصديقا بكتابك واتباعاً لسُنة نبيّك وخليلك عليهما الصلاة والسلام».. يؤدون مناسك الحج أحد أركان الإسلام الخمسة الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم:« يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج.. فيسألونه: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: «لو قلتها لوجبت ولم تستطيعوا أن تعملوا بها.. الحج مرة فمن زاد فتطوع»... الحج عرفة.. الحج توبة ورد المظالم إلي أهلها وملابس الإحرام والطواف والسعي ما بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والمزدلفة ومِني ورمي الجمرات والحلق والتقصير والذبح وطواف الإفاضة وطواف الوداع.. الحج عرفة.. وجاء في الحديث القدسي قول النبي عليه الصلاة والسلام: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟» والحديث هنا مختصر كما جاء في صحيح مسلم إلا أنه قد جاء في رواية ابن عمر عن الرسول قوله في الحديث القدسي: «إن الله ينزل إلي السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة يقول: هؤلاء عبادي جاءوني شُعثاً غُبرًا يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟». الحديث القدسي هو الحديث الذي يرويه الرسول عليه الصلاة والسلام عن ربه سبحانه وتعالي، سواء أكان ذلك بواسطة سفير الرحمن جبريل عليه السلام، أم بالوحي، أم بالإلهام، أم في أثناء النوم، مع تفويض الله تعالي رسوله في أن يعبّر عن هذا الحديث بما ييسره له من تعبير.. وتحملنا الكلمة «القدسي» إلي معناها في القاموس فأجده «الطهر»، والتقديس هو التطهير، ومن أسماء الله الحسني «القدوس»، ونحصي لفظ «القدس» في القرآن فنجده أربع مرات، أما لفظ القدوس فقد جاء مرتين، ويقول العلماء في نسبة الأحاديث القدسية إلي كلمة القدس هو إظهار إضافتها في المعني إلي الله وحده، ومن المعروف أن جبريل عليه السلام من أسمائه «الروح القدس» لأنه مخلوق من طهارة، ولأنه ينزل بالقدس من عند الله، أي بما يطهِّر نفوسنا من هدي الله وكلماته، وجاء في الحديث النبوي «لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويِّها» أي لا تتحقق لها الطهارة.. ومن أسماء الحديث القدسي أيضاً «الحديث الإلهي» و«الحديث الرباني»، وذلك لإبراز نسبته إلي الله والرب وتميُزًا له عن الحديث النبوي للرسول صلي الله عليه وسلم.. ولقد قيل إن الأحاديث القدسية هي الأحاديث الإلهية التي أوحاها الله عزّ شأنه إلي نبيه ليلة الإسراء والمعراج وتسمي بأسرار الوحي ليقول في «الحديث القدسي» عن تلك الليلة المباركة: «أُتِيتُ بالبُراق يضع حافره عند منتهي طرفه، فركبته حتي أتيت بيت المقدس قال: فربطته بالحلقة التي يَرْبطُ به الأنبياء قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة (الاستقامة)، ولو اخترت الخمر لغويت وغوت أمتك ثم عرج بنا إلي السماء، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال جبريل، قيل: ومن معك، قال محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ والمقصود بعث إليه للإسراء وصعود السماء وليس عن أصل البعثة والرسالة قال: قد بعث إليه، ففُتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحّب بيّ ودعا لي بخير، ثم عرجَ (صعد) بنا إلي السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففُتح لنا، فإذا أنا بابنيْ الخالة عيسي بن مريم ويحيي بن زكريا صلوات الله عليهما، فرحبا ودعوا لي بخير، ثم عرجَ بي إلي السماء الثالثة، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه، ففُتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام إذا هو قد أُعطي شِطْرَ الحُسنِ (نصف الجمال)، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلي السماء الرابعة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففُتح لنا، فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير، قال الله عزّ وجل: (ورفعناه مكاناً عليّاً)، ثم عرجَ بنا إلي السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففُتح لنا، فإذا أنا بهارون عليه الصلاة والسلام، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرجَ إلي السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففُتح لنا، فإذا أنا بموسي عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج إلي السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففُتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم صلي الله عليه وسلم مسندا ظهره إلي البيت المعمور ويستدل به علي جواز الاستناد إلي القبلة وتحويل الظهر إليها وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلي سِّدرة المنتهي، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقِلال، قال: فلمّا غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حُسنها، فأوحي الله إليّ ما أوحي، ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلي موسي عليه السلام، فقال: ما فرض ربُّكَ علي أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلي ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلي ربي، فقلت: يا ربِّ خفف علي أمتي، فحط عني خمساً، فرجعت إلي موسي، فقلت: حطَّ عني خمساً، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلي ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي تعالي وتبارك وبين موسي عليه السلام، حتي قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرًا، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت حتي انتهيت إلي موسي صلي الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ارجع إلي ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: فقلت: قد رجعت إلي ربي حتي استحييت منه». ومن عادة المراجع الدينية إذا ما روت حديثاً قدسياً القول في أوله: «قال رسول الله صلي الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه تعالي....» ثم يوردون نص الحديث القدسي، وبعضهم يرويه كالآتي: «قال الله تعالي فيما يرويه عنه رسول الله.. ثم يروي نص الحديث.. وعندما نتساءل: هل الحديث القدسي موحي من عند الله بلفظه ومعناه، أو بمعناه فقط؟!.. في تلك الجزئية نجد أن العلماء قد أجمعوا علي أن معاني الأحاديث القدسية الصحيحة في روايتها من عند الله جلّ شأنه، ثم كان بينهم بعدها خلاف حول لفظ الحديث القدسي: أهو من كلام الله تعالي أم من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام.. هنا نجد من يري أن الألفاظ في الأحاديث القدسية من عند الله لا من عند النبي، لأن الله سبحانه هو المتكلم بالحديث أولا، ومن المستبعد أن ينسب النبي إلي ربه إلا ما نسبه الوحي إلي الله سبحانه، وهناك القول بأن لفظ الحديث القدسي من عند النبي، ولكنه نسبه إلي ربه لأن معناه قد أوحي به من عند الله، والذي لا شك فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قد روي بعض الأحاديث القدسية بمعناها لا بلفظها كما روي في الحديث القدسي الذي جاء بهذه الصورة: «قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة».. هذه العبارة لا يمكن أن تكون لنفس الألفاظ التي أوحيت إليه، ومهما يكن من خلاف في هذا الأمر فلا جدال في أن النبي كان أميناً كل الأمانة في التبليغ عن ربه، وحسبنا في ذلك قول القرآن عن الرسول: «وما ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحي يُوحي»، وغالباً ما تدور الأحاديث القدسية حول تقريب العباد من ربهم، وتزهيدهم في الدنيا وتحذيرهم من المعاصي، ويمكن القول بأن معظمها يدور حول تربية النفس البشرية علي الأخلاق.. وهناك طائفة من الفروق بين القرآن الكريم والحديث القدسي أهمها: • أن القرآن يتجلي فيه الإعجاز وتحديه للبشر أن يأتوا بمثله، بخلاف الحديث القدسي، فالقرآن معجز، والحديث القدسي ليس معجزاً. • إن القرآن هو كلام الله الذي نتعبد به لفظا ومعني، ولا تصح الصلاة بغير القرآن، ولا تجوز تلاوة الحديث القدسي في الصلاة بدلا من القرآن... • القرآن لا تجوز روايته ولا تلاوته بالمعني، ويجوز ذلك في الحديث القدسي، حيث يروي بالمعني عند الحاجة إلي ذلك، بشرط أن يكون الراوي عالماً بمعاني الألفاظ والتراكيب علماً يمكنه من أداء المراد.. • القرآن أوحي بطريق جبريل فقط، أما الحديث القدسي فقد يكون بطريق جبريل، أو بطريق الرؤيا، أو عن طريق الإلهام… • القرآن لا يجوز مسه ولا تلاوته للحائض والجنب بخلاف الحديث القدسي.. • جاحد القرآن يعد كافرًا، بينما جاحد الحديث القدسي لا يبلغ أمره حد الكفر.. • القرآن يثاب قارئه بكل حرف عشر حسنات، بخلاف الحديث القدسي.. وقد فرقَّ العلماء بين الحديث القدسي والحديث النبوي، بأن الحديث القدسي يكون عن طريق الإيحاء سواء أكان بوساطة جبريل أو الرؤيا أو الإلهام، وأما الحديث النبوي فقد يكون بوحي، وقد يكون باجتهاد من رسول الله عليه الصلاة والسلام.. وعدد الأحاديث القدسية أقل بكثير من الأحاديث النبوية، حيث لا يكاد يبلغ عددها المائة وإن كنا نراها تزيد علي ذلك العدد، وتعود تلك الزيادة إلي أن كثيرًا من الأحاديث القدسية تروي عبارتها بأكثر من رواية، وقد حرص العلماء علي نقل كل هذه الروايات، حتي ولو كان الاختلاف بينها يسيرًا، وعلي سبيل المثال نجد أن الحديث القدسي الخاص بالشفاعة يوم القيامة قد ورد بما يقرب من عشرين رواية ذكرت جميعها حرصاً علي الدقة والأمانة في الرواية.. ومن أكثر الأحاديث القدسية تداولا ذلك الحديث القدسي القائل: «أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرَّبَ إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»، والحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر علي قلب بشر»، والحديث القدسي «عن أنس بن مالك قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه عينيه فصبر عوضته عنهما الجنة»، والحديث القدسي «عن أبي هريرة سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إن الله يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما»…. والحديث القدسي «عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من صلي صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداجٌ» ناقصة فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله يقول: قال الله تعالي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: «الحمد لله رب العالمين» قال الله تعالي: «حمدني عبدي»، وإذا قال: «الرحمن الرحيم» قال الله تعالي: أثني عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إيّاك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».. والحديث القدسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لما قضي الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: (إن رحمتي غلبت غضبي)، والحديث القدسي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «إن الله تبارك وتعالي إذا أحب عبدًا نادي جبريل، إن الله قد أحبَّ فلانا فأحبه، فيُحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء، إن الله قد أحبَّ فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض».. ومن الأحاديث القدسية التي ترددها الأفئدة: «إن رحمتي سبقت غضبي»، و«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر علي قلب بشر»، وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إن الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: ياربّ وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: ياربّ كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلم تسقه، أَمَا إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي»، ويقول العلماء إن معني «وجدتني عنده» أي وجدت ثوابي وكرمي.. وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: قال الله عزّ وجلّ: يؤذيني ابن آدم: يَسُبُّ الدهر، وأنا الدّهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار.. وعن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن الرحم شجنة عرق من الرحمن فقال الله: من وصَلَكِ وصلته، ومن قطعك قطعته».. والحديث القدسي عن أبي موسي الأشعري أن رسول الله قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع (أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون)، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد». وهناك طائفة من الأحاديث النبوية ساقها أصحاب كتب الحديث بين الأحاديث القدسية مما يحدث بلبلة لدي القارئ ومنها: «عن عائشة كان رسول الله يُكثر من قوله: سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليه. فقلت: يا رسول الله، أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليه. فقال: خبرني ربي عزّ وجلّ أني سأري علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليه، ولقد رأيتها: «إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً».. والواقع أن أكثرنا كمسلمين لا يتيسر لنا الاستدلال علي مجموعة الأحاديث القدسية مجتمعة مع شرحها، والسبب أنها تأتي متناثرة في الأبواب الكثيرة المختلفة التي تضمها كتب الأحاديث النبوية الضخمة من أمثال صحيح البخاري المتوفي عام 256ه، ومسند الإمام مالك المتوفي عام 179ه، وصحيح مسلم المتوفي سنة 275ه، وسنن الترمذي المتوفي سنة 279ه، وسنن ابن ماجه المتوفي في 273ه، وسنن النسائي المتوفي سنة 303ه، وهي الكتب الستة التي تضم المجموعة الكبيرة من الأحاديث القدسية والأحاديث النبوية، هذا إلي جانب أن الكتب التي اهتمت بجمع الأحاديث القدسية والتعرض لشرحها وتوضيحها تعد في حكم الندرة مثل كتاب تراثي عنوانه «الاتحافات السنيّة بشرح الأحاديث القدسية» للإمام المناوي المتوفي عام 1031ه، و«الأحاديث القدسية» الصادر عن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، و«الأحاديث القدسية الصحيحة» للدكتور محمد محمد تامر، وعبدالعزيز مصطفي.. وإذا ما كان الكثير من الأحاديث القدسية يتسم بالصحة والقوة فهناك البعض الذي يعكس ضعفاً أوغرابة مثل الحديث عن أبي هريرة أنه قال: قال النبي: قال الله تعالي: «يشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويكذبني وما ينبغي له، أما شتمه فقوله: إني لي ولدا، وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني». وليس أطهر من كلمات الحديث القدسي التي قالها رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عندما سأله بشأن الشهداء حول الآية القرآنية «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون» قال: أما أنّا قد سألنا عن ذلك فقال: «أرواحهم في جوف طير خُضرٍ، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثم تأوي إلي تلك القناديل فاطّلع إليهم ربُّهم اطِّلاعه فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا، قالوا: ياربِّ نريد أن تُردَّ أرواحنا في أجسادنا حتي نُقتل في سبيلك مرة أخري، فلما رأي أن ليس لهم حاجة تُركوا».. والحديث القدسي عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه عزّ وجلّ قال: «أيما عبد من عبادي خرج مجاهدًا في سبيل الله ابتغاء مرضاتي ضمنت له أن أرجعه إن أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة وإن قبضته غفرت له ورحمته».. و..أما آن للأزهر الشريف بقيادة شيخه الجليل المستنير قوي الحُجة ساطع البرهان أحمد الطيب وعلمائه الكبار، في مسيرة الخطاب الديني، إعادة النظر والتدقيق والتمحيص في الأحاديث القدسية التي في حاجة ملّحة لدراسة علمية وأخلاقية واسعة تشمل الجمع في إحصاء، والتبويب في موضوعات، والتمحيص لدرجات السند والمتن فيها، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وغريبها، وما يلحق بها وليس منها، والتيسير لها أمام القارئين، لأنها منبع ثراء من منابع الثقافة الدينية والتوجيه الأخلاقي، وتحوي ثروة لغوية ضخمة إذ يرد فيها كثير من مفردات اللغة العربية التي تحتاج إلي مراجعة لغوية في فهم المراد منها للاستزادة بها.. وإذا ما كان الإسلام ديناً نهض علي الكلمة، وأكبر معجزة لرسول الله صلي الله عليه وسلم هي الكلمة التي تجلت في القرآن الكريم خالصة في معناها ومبناها وفي منطوقها ومفهومها وهذه كلمة «القرآن المجيد»، وإما تكون موحي بها من عند الله في غير القرآن ويمثلها «الحديث القدسي»، وإما تكون من تعبير النبي ويمثلها «الحديث النبوي الشريف»، والثلاثة: «القرآن، والأحاديث القدسية، والأحاديث النبوية» بمجموعها تؤدي رسالة الكلمة في دين الله الإسلام.. وإذا ما كانت قدسية المسجد الأقصي قد انتهكت في القدس علي الملأ وأمام العالم أجمع بأيدي الصهاينة الأعداء، فالخوف مزروع في القلب علي جميع المقدسات وعلي رأسها الأحاديث القدسية التي تتعرض لهجمة شرسة من أصحاب النفوس المريضة فوق المنابر وفي الأروقة الذين يحوّلونها شماعات لأقوالهم المغرضة المزيفة المتسترة بالدين التي أبدًا لم يوح بها جبريل، ولا رددها الرسول، ولا أتاه بها إلهام أو منام، وحاشا لله جلّ جلاله أن يكون قد أخبره بمثلها!! لمزيد من مقالات سناء البيسى