فى مشاهد سيريالية تقترب من الهزل اصدر الرئيس الفرنسى أولاند توجيهات لقواته بضرب «داعش» تسميها الصحف «إعلان حرب أما رئيس الوزراء البريطانى فلقد أظهرته الصحف أكثر حصافة، فلقد وجه قواته بالرد فقط دفاعا عن النفس. عبر العقود الماضية ظهرت تعبيرات غامضة (كتنظيم القاعدة) أو (الدولة الإسلامية داعش). فما هى حقيقة تلك المنظمات، التى تبدو وكأنها ناتج عقيدة محلية مستقلة الحركة ذاتية التكوين؟ منظمات يظهرها الإعلام الدولى كمنظمات شديدة البأس والشراسة. لقد أدارت الولاياتالمتحدة كل معاركها فى الشرق الأوسط بقواتها صراحة أو مستندة إلى إسرائيل. ولكن تلك المعارك لم تكن بلا ثمن فلقد كان الثمن الإنسانى والسياسى باهظاً. لهذا فإنه لم يكن من الممكن أن تستمر الولاياتالمتحدة فى تحقيق أهدافها فى إعادة رسم خريطة المشرق العربى إلا عن طريق طرف آخر وبتكاليف محدودة. هذا الطرف هو ما نسميه (المرتزقة المتأسلمين). وتعبير (المرتزقة) غريب على الأذن العربية، ولكن له تاريخ طويل فى العالم. فالمرتزقة هم مقاتلون بالأجرة يحملون عقيدة قتالية شاذة تحتقر الآخر. فالمرتزقة البيض فى إفريقيا مثلاً كانوا يزدرون الإنسان الأسود. وفى حاله المرتزقة المتأسلمين فهؤلاء يتم تجنيدهم بواسطة جماعة الإخوان المسلمين من أنحاء العالم الإسلامى أو من الجاليات الإسلامية فى أوروبا. ظهر المرتزقة المتأسلمون فى كل بؤر الصراع فى الشرق من ليبيا لسوريالأفغانستان. مرتزقة لا تجمعهم إلا عقيدة العنف وإيمان تم توجيهه وتهيئته من خلال مشايخ السلفية وقيادات الإخوان ومن الزوايا للمساجد للفضائيات. والمرتزقة المتأسلمون هم تجمعات مذهلة من أقاليم الإسلام، تتلقى دعماً فنياً وإعلامياً وتدريبياً وعقائدياً من أطراف تستتر عمدا وبحرفية. مرتزقة يجدر تسميتهم باسم (فيلق المرتزقة المتأسلمين)، لأنهم صاروا جزءا لا يتجزأ من مخطط يسيرون فى ركابه كالعميان، تبعا لما يشتهى الوزان. تماماً كما كان المرتزقة الأوروبيون العنصريون البيض يحومون فى إفريقيا من الجزائر إلى الكونغو، يخوضون فى دماء الجزائريين والأفارقة فى شراسة شاذة. وهناك من يجند هؤلاء المرتزقة المتأسلمون كما حدث إبان معركة أفغانستان. وهناك من يسهل انتقالهم ويعتنى بتفاصيل تحركاتهم. وهناك التمويل بأموال البترو دولار، التى لا يمكن تعقبها. وهناك التدريب أو التمدد والتراجع الممنهج أمام تحركاتهم. وهناك استخدامهم لنهب الآثار وتهويلها إعلاميا تبعاً لإستراتيجية كبيرة. وهكذا دارت المعارك فى سوريا وليبيا دون أدنى ظهور للولايات المتحدة أو إسرائيل. وانتقلت مراكز مقاومة (ما بعد صدام حسين) فى العراق (جغرافياً) شمالا إلى الموصل. وانتقل (ضباط جيش صدام وبقايا البعث) عملياً إلى أحضان الأتراك فى إطار رؤية أن تركيا ضامنة لوحدة العراق وعدائهم لظهور دولة كردية. وانتقلت (عقيدة) تلك المقاومة من (العروبة المقاتلة) إلى الإسلام السنى الجهادي. هكذا نشأت المقاومة العراقية، ثم تحولت إلى (داعش) بعد تلقيحها بالمرتزقة المتأسلمين، فتحولت إلى مخلب فى يد تركيا. وصار النفط المهرب المنهوب بلا ثمن من حقول النفط فى شمال العراق حقيقة مالية تمول نشاطات (المرتزقة المتأسلمين). وصارت تجارة الآثار رافداً آخر لاستثمار طويل وبعيد المدي، قد نرى نتائجه وقطعه النادرة بين أيادى لصوص وتجار الآثار قريباً أو بعد عشرات السنين فى صالات العرض فى العالم. وأخذ الدور الوظيفى (للمرتزقة المتأسلمين) فى الاتضاح، وهو تقسيم سوريا وتقليب الأرض أمام الأكراد لينشئوا دولتهم الجديدة. صار الأكراد بتحالفاتهم الدولية والدعم الإسرائيلى لهم هم الوريث المنطقى الوحيد للأراضى المحروقة من المرتزقة المتأسلمين الذين أطلق عليهم «داعش» الذى يتمدد ويتقدم، يتراجع ويهجم، من خلال خيوط خفية غير منظورة. مشهد لشرق يتم تغييره سياسياً ومحاولة لقلب حقائق أقاليمه الجغرافية دون إراقة قطرة دم غربية أو إسرائيلية. وتواكب ظهور المرتزقة المتأسلمين مع احتراف إعلامى عصرى أضفى على المشهد كله غموضاً مفتعلا مقصوداً. تلك الحرفية، وبالرغم من مهنيتها، إلا أنها تركت آثاراً للجريمة ولاغتراب صانعها. ففى عالم اللغة العربية يندر أن نجد استخداما لاختصارات تصف التنظيمات والكيانات فتلك عادة أوروبية. وكمثال فإن اسم (الدولة الإسلامية فى العراق والشام) صار (داعش) مستخدما الحروف الأولى فى سلوك غريب عن الثقافة العربية. وتحولت تلك التعبيرات المطاطة الغامضة لأسماء ذات قوة أسطورية وصارت ستار دخان يدارى حقيقة (من يشعلون النيران). وصنع التضليل الإعلامى المقصود حالة من غياب وتغييب المسئولية عمن هو الممول والمدرب وصانع المرتزقة المتأسلمين الحقيقي. صارت مذابح وجرائم سوريا وشمال العراق (جرائم بلا مجرمين) يمكن إدانتهم وتعقبهم ومطاردة حساباتهم المصرفية. وتحول الأمر فى نظر الشعوب الأوروبية أن الوضع فى الشرق هو مجرد نتاج طبيعى لدرجه التطور الحضارى للشعوب العربية بل وللإسلام. إن تعبير (الدولة الإسلامية) الذى يتم استخدامه صباح مساء هو تعبير عنصرى مقصود لذاته فهو يصنع مبرراً ليس فقط للدولة اليهودية بل لإسرائيل المتفوقة عنصريا. والمحزن هو أن الإعلام المصرى والعربى كله يستخدم ذات التعبيرات العنصرية المهينة. إن مواجهة هذا المشروع واجبة، ممكنة، وضرورية ويجب أن يكون لها أولوية ويجب أن تكون نشاط تحرك الدولة ومحورها هذه المواجهة تبدأ بضبط المصطلحات، ففى طياتها محور الصراع. إن الحديث الواضح الصريح عن (المرتزقة المتأسلمين) سوف يفتح الباب لدور أمنى واجب يتعقب هؤلاء ومن يمولهم ويدربهم. تعقب سيرتبط بالضروره بتجريم أى نشاط له علاقة بتجنيد هؤلاء المرتزقة أو خلق عقيدة لهم أو الاسهام فى خلق تنظيماتهم لهم. إن تعقب (المرتزقة المتأسلمين) سوف يستدعى بالضرورة مطاردة أسماء بعينها فى أجهزة دول تحيط بنا من اسطنبول للدوحة. إن وزارة الخارجية المصرية يجب ان تمتلك الشجاعة للتحرك حول محور المرتزقة هذا واستبدال بمفهوم الإرهاب مفهوم المرتزقة. فالإرهاب هو نشاط لأشباح لا يمكن تجريمهم، ولكن المرتزقة جزء من جريمة سياسية منظمة. إن اقتحام مصر لمفهوم المرتزقة المتأسلمين سوف يفتح مجالات تعاون بين الدولة المصرية وكل ضحايا أعمال (فيلق المرتزقة المتأسلمين) النشط من نيجيريا لموسكو لبكين. إن الإعلام المصرى والدولة المصرية عليهما أن يتوقفا عن استخدام تعبير الدولة الاسلامية واستخدام تعبير (المرتزقة المتأسلمين) وتعقب هؤلاء فى إطار معركة سياسية وإعلامية وأمنية دولية. إن السعى لعقد مؤتمر دولى ضد (المرتزقة المتأسلمين) سيكون دفاعا عن الإنسانية وإلإسلام و العروبة. وسيلقى ترحيبا ومساندة من دوائر وجهات واسعة فى كل أنحاء العالم. إنه دفاع نشاط يرد كيد من يبتغون محاصرة مصر ذاتها. لمزيد من مقالات د. حازم الرفاعي