طبقا لأحدث تقارير منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD لعام 2015 تحتل سنغافورة المرتبة الأولى على مستوى 76دولة فى تطبيق نظم تدريس العلوم والرياضيات على مستوى مراحل التعليم الأساسى متفوقة بذلك على كافة الدول الاسكندينافية واليابان وهونج كونج وكوريا الجنوبية والتى كثيرا ما تربعت المراكز الخمس الأولى عالميا فى مؤشرات جودة التعليم. ذلك التقدم الهائل فى مستوى وجودة التعليم كما يوضح د. طارق شوقى أمين عام المجالس التخصصية برئاسة الجمهورية ورئيس المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى لم يكن وليد الصدفة بل تم على مدار 50 عاما بهدف الاستثمار فى المواطن بالتوازى مع الإصلاح الإقتصادى لتصنع سنغافورة بتجربتها فى إصلاح التعليم نموذجا لصهر الاختلافات العرقية والدينية واللغوية بين الشعب السنغافورى ليكون الهدف هو الاستثمار فى مواطن ينتمى للدولة بعيدا عن انتماؤه العرقى والدينى وفى ذات الوقت مكتسب للمهارات اللازمة للعطاء والدخول فى سوق العمل المحلى والدولى، للتغلب الدولة السنغافورية على إرث طويل من الفقر والجهل وارتفاع معدلات الجريمة والنزاعات الطائفية والعرقية. ويوضح دكتور طارق شوقى إنه خلال الجولة الآسيوية الأخيرة للرئيس قامت الحكومة السنغافورية بتوجيه الدعوة لمؤسسة الرئاسة لزيارة عدد من المدارس وقام دكتور شوقى بتلك الزيارة الاستطلاعية نيابة عن الرئيس نظرا لازدحام برنامج أعماله. فعلى سبيل المثال فإن استراتيجية التعليم فى سنغافورة قائمة على توفير المناخ اللازم لتنمية الروح الابتكارية والإبداعية لكل طفل وعلى تعزيز ثقافة تقبل الآخر والتعاون والعمل الجماعى. ولتنفيذ تلك الفلسفة فإن وزارة التعليم السنغافورة تتيح قدرا من اللامركزية فى العملية التعليمية حيث تترك للمدارس حرية تفعيل المناهج الدراسية بحيث يشمل المكون التعليمى الذى يتلقاه الطالب 30% للمعارف من علوم اجتماعية وأساسية 40% للأخلاقيات العامة المتفق عليها وسبل اكتساب المهارات الاجتماعية بعيدا عن الخوض فى المعتقدات الدينية للمواطنين و 30% للفنون والموسيقى والرياضة. ويوضح الدكتور طارق شوقى إنه خلال زيارته لإحدى المدارس الابتدائية فى سنغافورة انبهر بمستوى الأفكار والموضوعات التى يناقشها الطلبة مع أساتذتهم مثل أهمية احترام الذات والغير والقواعد العامة للمجتمع، التفكير الإيجابى، العقل المتسائل، سبل بناء مواطن فعال منتج يتحلى بالإمكانات المهارية والاتزان النفسى. كل هذه المبادئ وغيرها من الموضوعات الأساسية التى تعمل المدارس فى سنغافورة على زرعها بالطلبة وعلى تدريب المدرسين لنقل هذه الأفكار دون حشو بالمناهج. ويوضح الدكتور طارق إنه على مستوى الموضوعات العلمية فإن التدريس يتم اعتمادا على إجراء التجربة والعمل الجماعى وهو من الأساليب الأكثر فاعلية بالمقارنة بالحفظ والتلقين. ولكى تتحقق هذه المنظومة بالتعليم فإن الاستثمار الأكبر فى المدرس بما يتيح له صناعة وابتكار بالمحتوى التعليمى لذلك فإن الميزانية التى توفرها الدولة للتعليم الأساسى تقدر بنحو 7 مليارات دولار فى العام من مرتبات للمعلمين ومستلزمات للمعامل كما أن التعليم مجانى حتى المرحلة الإعدادية فى المرحلة الثانية برسوم رمزية وذلك كي يدرك المواطنين أهمية الخدمة التعليمية التى توفرها الدولة. وفيما يتعلق بمراحل التعليم الفنى والأكاديمى أوضح الدكتور طارق شوقى أن سنغافورة استثمرت بشكل كبير فى تلك المنظومة حيث أنشأت ما يعرف بمعهد التعليم الفنى وهو من أهم المعاهد التعليمية على مستوى العالم ومدة الدراسة به عامين فقط وبه أكثر من 101 تخصص مختلف مثل البرمجيات، المحاسبة، تصميم الأزياء، تصفيف الشعر، الخدمات الفندقية، إصلاح محركات الطائرات والسفن... هذا المعهد مرتبط بشكل وثيق بسوق العمل حيث توفر الشركات المعامل والتقنيات الحديثة بما يؤهل الطلبة من التعلم والممارسة والتأهل لسوق العمل مباشرة. هذا المفهوم ساهم فى ضخ كم هائل من الخريجين المؤهلين لسوق العمل والإنتاج من سن مبكرة وأتاح للخريجين فرص للعمل محليا ودوليا دون أن تكون هناك أى نظرة طبقية لمستوى التعليم كما هو حال لدينا فى مصر فللأسف التعليم الأكاديمى بشكل عام لا يؤهل الخريجين لسوق العمل وبالتالى فإن الهدف الأساسى للتعليم الأكاديمى هو تخريج أكاديميين للعمل البحثى والجامعى وهذه الفئة على مستوى العالم لا يجب أن تكون السواد الأعظم من الخريجين فى حين أن التعليم الفنى المميز والمتوافق مع روح العصر هو الاستثمار الحقيقى فى تخريج الكوادر المدربة والمؤهلة للعمل ومن يريد أن ينمى مهاراته خلال العمل يمكنه الرجوع بشكل دورى للمعاهد المتخصصة والجامعات للحصول على دورات تدريبية لتحسين كفاءة العمل. تلك باختصار كما يشير دكتور طارق شوقى هى أهم نقاط التميز للتعليم فى سنغافورة والتى ساهمت فى النهضة التعليمية والصناعية والاقتصادية خلال عقود معدودة.