مصر تشهد الآن تساقطا لوجوه كثيرة بعدما تورطت في مستنقع الفساد، يأتي ذلك في ظل دعوات جادة من القيادة السياسية للأجهزة الرقابية بأن تعمل بقوة في مجال مكافحة الفساد. وبات واضحا أن الرأي العام يدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي في جهوده الكبيرة من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد، الذي فيما يبدو أنه وصل إلي »درجات غير مقبولة«، ولا يمكن لأي نظام سياسي أن يتحملها أو يتعايش معها. وتكشف عملية سقوط عدد من الرءوس الكبيرة مثل وزير الزراعة السابق والنائب البرلماني السابق حمدي الفخراني عن أن مؤسسات الدولة الرقابية يقظة، وتعمل في هدوء. إلا أن الأهم من ذلك هو أن هذه الحوادث والتي من المحتم أن يستتبعها سقوط شخصيات أخري هي انعكاس لتدشين الرئيس عبد الفتاح السيسي لمرحلة جديدة عنوانها »الإصلاح والمحاسبة« ومحاربة الفساد. وأحسب أن »الإصلاح والمحاسبة« هي قضية وطنية بامتياز، ويمكن أن تجمع خليط القوي السياسية والوطنية التي لم تنغمس في الفساد. كما يمكن لهؤلاء أن يلتفوا حول القيادة السياسية وهي تؤسس لهذه المرحلة الجديدة في مصر، وعلي الأرجح أن الرئيس السيسي الذي يحظي بتفويض كبير من غالبية المصريين لا ينقصه »الظهير الشعبي«، إلا أن المطلوب من النخبة السياسية المصرية أن تلتف حول عملية »الإصلاح والمحاسبة« من أجل النهوض بمصر وتحقيق الأماني المشروعة للمصريين في العيش والحرية والكرامة الإنسانية واستقلال القرار الوطني. ومن هنا فإن المصارحة بالحقائق علي الأرض مطلوبة من أجل تقدم مصر، وتفادي مؤامرات الخارج وإرهاب الجماعات المتطرفة. ولعل أبرز هذه الحقائق تشير إلي وجود صعوبات كثيرة في الواقع المعيشي للناس، بل وهناك »صعوبات متراكمة« مطلوب حلها ومعظمها تتعلق بالخدمات والمطالب الحياتية مثل غلاء الأسعار ومشاكل الخدمات الصحية وتدني مستوي التعليم، ومشاكل الكهرباء، والنفايات فضلا عن البطالة. وبالرغم من الجهود الضخمة التي بذلت والنجاحات في مسألة حل مشكلة انقطاع الكهرباء، واختفاء مشكلة رغيف الخبز، ولم نعد نسمع عن قتلي في طوابير العيش، كما أن مشكلة أنابيب البوتاجاز اختفت بصورة كبيرة. فإنه من الواضح أن ثمة قصورا في الأداء الحكومي، ونسمع من حين لآخر أن رئيس الدولة غير راض عن مستوي الأداء في بعض الوزارات. كما أن بعض الوزراء بدلا من التركيز وحل القضايا المعقدة، وتنفيذ برنامج الرئيس فإنهم يخرجون علي الناس بتصريحات صادمة أو »اختراعات تحابي البعض« دونما طلب من أحد. وهذه الأمور بعيدا عن التورط في الفساد يحمل الحكومة والنظام السياسي »أثمانا سياسية« هي في غني عنها، وفي الحقيقة فإن الرجال الشرفاء الذين يجتهدون لا يستحقون أن يتحملوا »حماقة البعض« بل و»الخفة السياسية« في بلد خارج لتوه من ثورتين ضد الفساد والاستبداد والفاشية الدينية. وهنا فإن الحقيقة المرة تقول لنا إن الجهاز البيروقراطي في الدولة المصرية ليس بالكفاءة ولا السرعة التي تتطلبها عملية حل المشاكل المتراكمة منذ عقود، كما أن هذه القدرات المترهلة وإبعاد الكفاءات يوجد حالة من فقدان الأمل في تلبية تطلعات المواطنين بعد ثورتين. إلا أن الحقيقة تقتضي أيضا التأكيد بأن ذلك لا يرضي الرئيس السيسي، والذي يدرك أهمية »عامل الزمن« من أجل تحقيق رؤيته في تحويل مصر إلي »دولة مدنية ديمقراطية« مزدهرة في أقصر مدة زمنية »اليوم وليس غدا«. وفي الوقت نفسه فإن هذا الواقع المعقد والذي تتشابك فيه »مصالح متعارضة«، ومازال يؤمن البعض في النخبة الاقتصادية والسياسية والإعلامية بأن من الممكن »إعادة السياسات القديمة«، وانتظار نتائج مغايرة. فهؤلاء السائرون في الظلام وأولئك الذين يحنون إلي »السياسات الكارثية« يتوهمون أن إعادة إنتاج مجتمع »الأغلبية المحروسة والأقلية المحظوظة« يمكن أن يحفظ لمصر استقرارها، أو يحميها من مؤامرات الخارج المتربص، أو يمنع الخطط المعلنة من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وتمزيق الدول العربية، وعلي رأسها الدولة الكبري »مصر المحروسة«! ويبدو أن هؤلاء قد نسوا أو تناسوا درس التاريخ القديم والحديث وهو أن »النظم الفاسدة« والقائمة علي الظلم وعدم العدالة الاجتماعية لا تستطيع أن تحمي الأوطان، أو تدافع عن استقلال القرار الوطني. ويبقي هنا في هذا المشهد رجل يستوعب الدرس، وها هو السيسي يحذر من مزيج »الحروب النفسية والمعلوماتية« مع الإرهاب لهدم الأوطان. ولعل إدراكه هذا بحكم تاريخه، وإعداده العسكري، وما خاضه خلال السنوات العاصفة في مصر والمنطقة ما جعل منه »الأكثر قربا« واستشعارا لنبض الشارع، ومعرفته بدقة »بالمطالب الحياتية« للمواطنين، وذلك فضلا عن توافر المعلومات الدقيقة »للمخططات الجديدة« لإثارة حفيظة الناس، والرأي العام، وإشاعة اليأس في صفوف البسطاء من الناس. وأحسب أن الرجل وهو يدشن لمرحلة »الإصلاح والمحاسبة« يرسل معها رسالة أخري في غاية الأهمية. وهذه الرسالة خلاصتها »اللعب بالاستقرار« ممنوع، وأي ثغرة أمنية أو خطأ في التقدير سيكون »باهظ الثمن«. ومن هنا فإن الذين »يقترفون أخطاء في التقدير للعواقب السياسية« لما يتخذون من إجراءات أو قرارات لن »يفلتوا من الحساب«. وأغلب الظن أن الوجوه الراحلة من المشهد المصري لن تكون فقط هؤلاء الذين تورطوا في الفساد، بل أيضا أولئك الذين لم يتمكنوا من »التقدير الصحيح« لدقة الموقف والتحدي الذي تواجهه مصر. وانطلاقا من هذه الأرضية فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بمدي جاهزية الطبقة السياسية والنخبة الإعلامية والثقافية لمعاونة الرئيس في تحقيق رؤيته الطموحة لمصر، وإلي أي مدي سوف يفرز البرلمان المقبل »نخبة برلمانية« علي مستوي التحدي، وتملك القدرة والشجاعة علي الالتفاف حول الرئيس السيسي لتحقيق القفزة الكبري لمصر. وليس الخضوع لإغواء »المزايدات الحزبية الضيقة«، أو التلون من قبل تيارات تنتمي إلي الاسلام السياسي والقوي المتحالفة معهم من أجل استغلال البرلمان حتي يكون »العصي المعطلة« لرؤية الرئيس وحلم المصريين. ولهؤلاء نقول كلمة واحدة »لا تسيئوا الحسابات، وتخطئوا في تقدير التفاف المصريين حول الرئيس«. لمزيد من مقالات محمد صابرين