سقوط ضحايا ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    ضغوط جديدة على بايدن، أدلة تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي في غزة    سيد عبد الحفيظ: أتمنى الزمالك يكسب الكونفدرالية عشان نأخذ ثأر سوبر 94    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عامر الخياط أمين عام المنظمة العربية لمكافحة الفساد ل «الأهرام»: الثقافة الخاطئة أكبر عائق أمام مواجهة الفساد
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 09 - 2015

المنظمة العربية لمكافحة الفساد مؤسسة مستقلة لا تهدف إلى الربح، تأسست منذ عشر سنوات ومن اهم ما تسعى اليه تعزيز الحكم الصالح بالمفاهيم الديمقراطية فى المجتمع العربي، من خلال إحداث الوعى وتوسيع الادراك بأهمية محاربة الفساد وحماية المصالح العامة والمال العام وكشف التأثير السيئ للفساد على التماسك الاجتماعى وعلى عملية التنمية المستديمة والاضرار التى يلحقها بالاقتصاد الوطنى والثروة القومية.حوارنا اليوم مع المفكر الدكتور عامر الخياط أمين عام المنظّمة.. لنسأله عن هذه الكلمة التى تقضى على كل شيء «الفَسَاد».
ما حجمه فى الوطن العربي؟ وهل مازال يتمتع بمستقبل كبير؟ ما الصعوبات التى تواجه المنظمة؟ وهل هناك ملامح خاصة للفساد فى البلاد العربيّة؟ وهل الفقر هو السبب الرئيسى لانتشار الفساد؟ وإلى أى مدى استطاع الفساد السياسى اعاقة ما يسمى بثورات الربيع العربي؟ ولماذا فى رأيه سكت العالم عن تحطيم آثار الحضارة الآشورية بالعراق ومكتبة الموصل؟ وإليكم نص الحوار:
هل مازال للفساد مستقبل كبير داخل الوطن العربي؟
الجواب بكلمة نعم. لقد بدأت منظمتنا عملها قبل عشر سنوات على خلفية غياب عمل جدى ومنهجى لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة فى منطقتنا، مقارنة بالجهد والوعى الذى انتشر فى معظم دول العالم، بضرورة وأد هذه الآفة الفتاكة. حيث شعر عدد من المفكرين العرب بضرورة تأسيس منظمة عربية إقليمية تعنى بمحاربة الفساد فى بلداننا لمواكبة الجهد الدولى فى هذا المجال. والاهم، لأعلام الدول الاجنبية والمنظمات الدولية والشركات الأجنبية بأن لدينا القدرة الذاتية على مواجهة الفساد تُحيل دون تدخلها فى شئوننا الاصلاحية والتغيرية، وسعينا من اجل التقدم والتطور.
ما الصعوبات التى واجهتكم؟
واجهتنا صعوبات جّمة ولكن للإجابة عن سؤالك، تشكل «الأهم» فى مكافحة الفساد. هذه «الثقافة» التى تقبل بالفاسدين وتمكنهم من السلطة السياسية. بلادنا أيضا تعانى غياب الارادة السياسية لدى صناع القرار بمكافحة الفساد، كما فى استكانة النخب الرائدة فى بلداننا لحالة الرخو القائمة فيها. لذلك فطالما بقى تأثير لهذه العوامل على البيئة القائمة، نعم ومع الاسف الشديد هناك مستقبل لاستمرار وانتعاش الفساد فى مختلف ضروبه : المالية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية فى المنطقةالعربية.ومع هذا فإننا نلحظ تغيرا مهما قد حدث خلال السنوات العشر الماضية. عندما بدأنا العمل، كنا كصوت صارخ فى البرية، نقابل باستهجان وبالرفض. أما الآن فلا تجدين وسيلة إعلام فى الوطن العربى لا تأتى على ذكر الفساد يوميا، ولا تجدين سياسيا أوأصحاب أموال غير مشروعة إلا وهو يستنكر الفساد ويذمه. إن الأمل فى القضاء على الفساد فى بلداننا مرهون بوعى النخب لمضاره كما فى توعية الناس لمخاطره ولأهمية بناء المؤسسات للدولةالحديثة والتزام حكم القانون الضامن للقضاء على الفساد.
ما هى أهم الضغوط التى تواجه المنظمة وتعرقلها عن اداء مهامها ؟
تواجه المنظمة العديد من العوائق. نحن أمام عدو شرس ومتمرس ليس فقط فى ممارسة الفساد إنما فى تنميته والبيئة الحاضنة له. ومستفيد بشكل كامل من طبقة حاكمة ليست فقط فاقدة للإرادة السياسية لمناهضته إنما أصبحت شريكة له فى ممارساته. هذا التزاوج الخطر بين المال والسلطة يشكل العائق الأكبر لعملنا، لما له من قدرات تفوق إمكانات المنظمة ومواردها المالية والبشرية. العائق المالى يشكل قوة خانقة فى عملنا. مصادر تمويلنا محدودة جداً. إننا حريصون للغاية عند قبول المعونات والتبرعات بما يضمن استقلالية قراراتنا فى كل ما يتعلق بأنشطتنا ومشاريعنا. وبالتالى لا نتمتع بدعم من الحكومات العربية مادام هذا الدعم مشروطا ومقيدا لحراكنا. ومع هذا فنحن فخورون بهذه الاستقلالية واستطيع أن أؤكد بأننا لم نخضع منذ تأسيسنا لأى تمويل مشروط من أية جهة، شخصية كانت أم عامة. ،غياب التمويل المستديم يعرقل قيامنا ببناء كادر فنى متمكن فى المنظمة . وهذا بطبيعة الحال يؤدى إلى الإحباط. خاصة أن المنظمة تنتمى إلى عالم عربى تتراكم فيه الأموال الطائلة على صعيد الحكومات والأفراد. ولا يسعنى فى هذا المجال سوى القول إن للقطاع الخاص مصلحة نفعية فى محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية فى العمل. كما أن للحكومات العربية مصلحة أكيدة فى إعادة إنتاج مكوناتها استنادا على مبادئ الحوكمة وقواعدها وهو الطريق السليم والوحيد لإعادة تكوين السلطة فى بلداننا إن عاجلاً أو آجلاً.ولكن مع الأسف فالتبرع والعمل الخيرى غائب عن الوعى الضميرى والمسئولية الاجتماعية فى بلداننا.
ما القضايا والمحاور التى سيتم طرحها فى الندوة السنوية للمنظمة التى ستعقد الأيام القادمة ؟
عنوان الندوة السنوية للمنظمة لهذا العام هو «تعارض المصالح فى الدولة والمجتمع» وهو موضوع فى غاية الأهمية وله تأثير كبير فى صناعة القرار ليس على مستوى السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية فى الدولة فقط ولكن على صعيد المؤسسات والشركات الخاصة والهيئات المؤسِسَة للمجتمع. وبطبيعة الحال نجد فى تعارض المصالح مدخلا للفساد والافساد ،كما سيتم طرح أبحاث مركزة فى أربعة محاور. يتناول المحور الاول منها «تعارض المصالح فى الوظيفة العامة فى الدولة»، والمحور الثانى « تعارض المصالح فى الاجراءات التنفيذية للدولة»، والمحور الثالث « تضارب المصالح فى المؤسسات التجارية وقطاع الأعمال والمهن الحرة» أما المحور الاخير فيتناول « الإعلام وتعارض المصالح».
الفساد ظاهرة عالمية. ما هى الملامح الخاصة للفساد فى البلاد العربية؟ وما أكثر البلاد التى يرتع فيها الفساد المالى والسياسي؟ وهل يمكن القضاء على حجم هذا الفساد؟
بداية هناك بيئة حاضنة للفساد فى بلداننا تتمثل بتحالف المال من مصادر غير مشروعة مع سلطة مستبدة ترغب فى حماية امتيازاتها واستئثارها بالحكم دون المشاركة الشعبية. ثانياً، تعانى مجتمعاتنا تقلصا وانحسارا فى الموارد البشرية بسبب هجرة الشباب وتهجيرهم لأسباب عديدة يطول البحث فيها. ثالثا، تفشى ثقافة الريع فى الاقتصاديات العربية وآثارها الوخيمة على مفهوم العمل والإنتاج. والعائق الأخير يتمثل بالدور السلبى للإعلام المملوك والمتأثر بالمصالح والموجه للعمل فى خدمة الفساد والفاسدين والمنكفئ عن ممارسة سلطته المستقلة فى التثقيف والرقابة والمساءلة.
أما عن البلاد العربية ألأكثر فساداً، فنحن فى المنظمة العربية ضد وضع ترتيب لها، ذلك لاختلاف البيئة الاقتصادية والاجتماعية والنظم القائمة فيها. إضافة لصعوبة إيجاد قياس كميّ للفساد يصلح تطبيقه على الدول كافة، وبالتالى لا نثق كثيراً بالمؤشر «الإدراكي» للفساد الذى تستخدمه المنظمات الدولية. نحن نعمل من أجل إيجاد مقارنة ومقاربة بين حال مكافحة الفساد فى الدول العربية بمعنى قياس ما تم تحقيقه من وضع آليات وتشريعات لمكافحة الفساد فى هذه الدول بما فى ذلك مسارها نحو الحوكمة وتحقيق العدالة لمواطنيها. وفى هذا الأمر هنالك تباين بين الدول العربية. ولكن فى جميع الأحوال يمكن التقليل من الفساد مهما بلغ حجمه إن وجدت الإرادة السياسية والعمل المؤسس لتأليب ثقافة مكافحته عند الجماهير.
العلاقة بين الفقر والفساد معقدة. هل هذا الأخير يشكل بالفعل واحدا من الأسباب الأساسية فى انتشار الأول وتمكنه من فئات واسعة اصبحت تتزايد عبر العالم؟ أم أن الفقر فى حد ذاته يسهم فى تكريس الفساد الذى يؤرق الكثير من الدول ويقوض جهودها فى التنمية؟
يتولد الفقر نتيجة عدة عوامل متداخلة اولها ضعف فى الموارد المادية والاقتصادية كما ان هناك سوءا فى توزيع الدخل وعدم الكفاءة فى الانتاج ،وغياب سياسات تنموية متوازنة ومستديمة، جميع هذه العوامل يتضاعف تأثيرها السلبى بسبب الفساد والافساد. الفساد ليس ممارسة أو نزعة بشرية طبيعية يستسيغها الانسان. خاصة اذا كان السبب هو الحاجة الاقتصادية والمالية أى الفقر والعوز. ما عدا ذلك فمرده إلى الطمع والجشع وهما من الغرائز الحيوانية لدى البشر ولا أعتقد ان هناك أحدا فى قرارة نفسه يفتخر بمثل هذه النزعات.الخطورة تكمن عندما يتفشى الفساد فى مجتمع ما ويصبح ثقافة مقبولة لدى الناس وتفرض القيمة المادية والسياسية الناتجة عنه، بغض النظر عن اصولها الفاسدة وغير المشروعة، احترامها فى المجتمع. عندها يبدأ التفكك الأساسى فى الدولة والمجتمع.فالفقر والجهل هما الحلفاء الأضمن ويجرى استغلالهما بشكل فعال من المفسدين والفاسدين أصحاب السلطة وحلفائها. نرى ذلك بشراء الذمم للاستيلاء على السلطة التشريعية، و تجارب صناديق الاقتراع فى عدد من الدول العربية تشير إلى ذلك.
الى أى مدى استطاع الفساد السياسى والمالى إعاقة التغيير والتطور فى العالم العربى وإيقاف وهج الثورات العربية، او ما يسمى الربيع العربي؟
تطرحين سؤالاً بالغ الأهمية، يمثل اشكالية عالجتها الندوة السنوية للمنظمة فى العام الماضى وكانت بعنوان «الفساد وإعاقة التقدم والتطور فى الوطن العربي» أسهم فى أعمالها مفكرون عرب بارزون وصدرت وقائعها فى كتاب نشر أخيرا، باختصار شديد، نستطيع ان نجد شواهد عديدة وآثارا بيّنة على إسهامات وعطاء قدمته منطقتنا العربية ليغنى ويثرى الحضارة العالمية فى القانون والسياسة والادارة والتجارة والترجمة لأربعة أو خمسة قرون انتهت بنهاية الالفية الاولي، حيث بدأ التقهقر والانغلاق والتقوقع فى الفكر وبدأت مسيرة الانحدار وصولاً الى الحالة البائسة التى نحن فيها اليوم.،الفساد هو ليس فقط عملية رشى وارتشاء. هذا الجانب ممكن معالجته بتوفير إرادة سياسية مقترنة بحزمة من قوانين واجراءات تردع وتعاقب المجرم. ولكن كيف يمكن معالجة الفساد فى الفكر، المتمثل بعجزه عن كسر قيوده وتقييد حركته إن كان ذلك بحكم نصوص افتينا بعدم تجاوزها أو بفعل تراكم ما يحلو لنا تسميته « بعاداتنا وتقاليدنا وتراثنا». الحراك العربى جاء رافضا لفكر سياسى بال وعتيق ولا علاقة له بما يجرى من أحداث فى العالم. جاء من اجل استعادة كرامة مهدرة إن كان فى تونس أو مصر او ليبيا أو سوريا واليوم فى لبنان. جاء من أجل محاربة الفساد المعشعش لا فى أورقة الحكم فقط بل فى عقول الحكام وممارساتهم.لكن ماذا حدث؟ اغتيل الربيع العربى بفعل قصور شمل جميع الاطراف التى تفاعلت معه سلبيا أو إيجابياً. تعرض الحراك الشعبى لأكبر خيانة داخلية عندما خفضت سقف المواطنة وأعطت دورا للأجنبى فى تقرير مصير البلد بالقوة فسحقت هذا الحراك المنتظر.
من وجهة نظرك ما اسباب الفجوة المتسعة بين الغرب المتقدم والشرق الاوسط المرتبك فى أحسن توصيف؟. هل يعزى هذا التخلف الى عدم تمكن المشرق من تطوير نظمه وتشريعاته وقوانينه، والى غياب العدالة والديمقراطية فى غالبية الأنظمة الحاكمة؟.. أم يرجع الى فشل المجتمعات العربية فى بناء الدولة الحديثة؟.. وهل تقع مسئولية التخلف على عاتق النخب المثقفة التى لم تتمكن من إرساء معالم التطور والتغيير فى مجتمعاتنا؟ آم الى إخفاق الإعلام العربى فى ترسيخ الممارسة الديمقراطية فى الحكم وتعزيزها؟
بطبيعة الحال هذا سؤال مركب. ولكن أعتقد أجبت ضمنا فى طرحك عددا من البدائل الذكية. نعم لقد فشلنا فى بناء الدولة العربية الوطنية منذ مراحل الاستقلال مع بدايات القرن العشرين. لقد عانت تلك القيادات من التزامها بموروث عثمانى فاسد وبال فى الادارة والحكم، وفكر يتأرجح بين عصرية مقطوعة الجذور بالتراث، وتراثية متزمتة ومنغلقة على العصر. طبعاً كان هناك نية وطنية صادقة لإحداث تغيير. غير أن هذه النية اصطدمت بقيود النص و«العادات والتقاليد»، وتحكم فيها الخوف من أجل إحداث التقدم والتغيير. ماذا حل بكل الاحزاب الوطنية التى طالبت بالاستقلال فى مختلف الدول العربية؟ جميعها غاب عن الساحة العربية لفقرها الفكرى لعامل الاستدامة والاستعادة. حتى الاحزاب «التقدمية» التى قامت لاحقاً وتسلمت الحكم بمقولة «الشرعية الثورية»، جميعها ذابت فى دوامة التخلف والاستبداد ولم يعد لها أثر فى حياتنا السياسية اللاحقة حيث لا بديل فى المطلق عن «الشرعية الشعبية» فى إعادة تكوين السلطة، لقد ساهمت النخب المثقفة فى هذا الاشكال ليس فقط بسكوتها عنه ولكن فى مشاركتها وتنظيرها لأسبابه. هى بدورها كانت متعطشة للمشاركة فى الحكم والجلوس على الكراسي، النخبة المثقفة تناست دورها الأساسى والتزاماتها تجاه شعوبها. وبسبب هذا الانهماك العبثى فى ممارسة السلطة غاب عن المسار: التأسيسى للفكر العربى ثقافة «العدالة» فى المجتمع، وهى الركن المؤسس لتحديد العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم.وأنا أسأل: ما قيمة النزوع نحو الوحدة والاشتراكية والحرية دون التأكيد على الالتزام بفكرة العدالة وما يرتبط بها من آليات ديمقراطية، هنا يدخل دور الإعلام الذى فشل فى طرح مثل هذه الأفكار المحورية جماهيرياً ومتابعة مساراتها، الإعلام سلطة رقابة ومحاسبة، غيابه عن هذا الدور حوله من أداة مؤثرة فى مسار المجتمع إلى آلية رسمية لخدمة الحاكم.
أنت من مواليد مدينة الموصل ،وقد تعرضت مكتبة العراق التى تضم أكثر من 8000 كتاب ومخطوط نادر الى الدمار على يد تنظيم داعش الإرهابى ،وكذلك تم تحطيم آثار الحضارة الأشورية وهى أكبر من ان تقدر بثمن.. ماذا تقول عن هذه الكارثة الانسانية والتى مرت على العالم بهدوء مريب؟
لا أملك من مفردات لغوية كافية تعبر عن سخطى وغضبى واستنكارى لما حصل فى مدينة الموصل هذه المدينة التى قامت على كتف نينوى عاصمة الأشوريين، هذه المنطقة من بلادنا كُتب عليها أن تكون مثقّلة بالأحزان، فقد مر بها غزاة أتلفوا كتبها ومكتباتها وفتكوا بالبشر قتلاً وذبحا وسبياّ حتى أصبحت مياه نهر دجلة ملونة بالحبر الذى سال من الكتب والمخطوطات، والدم الذى أهرق على جرفه، غير أن هؤلاء الغزاة وبالرغم من شراستهم لم يتعرضوا لآثار السلف وشواهد حضارتهم، ببشاعة ما تعرضت له من تدمير على يد داعش، ويخطئ من يظن أن هذا الحدث الجسيم هو عابر فى مسيرتنا. ما حدث يستوجب إعادة تقييم للمسار الفكرى والضميرى والوجدانى الذى مررنا به منذ مائة قرن وأكثر . لقد شعرت وأنا أشاهد التماثيل تُكسّر والمنحوتات تُدمر والجداريات الفنية الرائعة تتلف، كأن جزءا منى قد تم سلخه عن ضميرى افقدنى الحس بشراكة المصير الانسانى والتى هى التعبير الحقيقى لجدوى الوجود. تخيلى كيف يشعر المصرى عندما يرى لا سمح الله أبو الهول يُدك بالمعول، أو الاهرام تهدم بالمتفجرات..، طبعا سكوت العالم مريب ولكن ليس بغريب، أمريكا وليدة حضارة عمرها لا يتجاوز الثلاثة قرون وأقرانها فى الغرب تابعون لها، وبالتالى لا يعنيهم هذا الامر سوى لدى القلة منهم، الغريب والمؤسف هو سكوت المسئولين والمثقفين والنخب العربية على هذا الأمر، ونحن من المفروض أن نكون الورثة الشرعيين لحضارة السومريين والأشوريين والبابليين والفينيقيين والفراعنة، هذه الاقوام التى تمثل العمق التاريخى للعروبة بمعناها الحضارى والتراثي، ولكن يبدو لى اننا لسنا مؤهلين لحمل هذا الميراث بجدارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.