بعد نحو24 عاما لم يعرف فيها السودان طعم الانتخابات يخوض السودانيون في11 إبريل المقبل انتخابات تاريخية تعقد للمرة الأولي في جنوب السودان. ويراهن الكثير من السودانيين علي تلك الانتخابات برغم التحديات الكبيرة التي تواجه العملية الانتخابية وأولها التعقيد الكبير في النظام الانتخابي الذي ستجري بمقتضاه العملية الانتخابية وكذلك عدم وجود توعية كافية للمواطنين بهذا النظام, وكيفية الاقتراع وأهميته. ذكر الانتخابات العامة قد جاء في نص اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي, كما أقر المجلس الوطني بالأغلبية مشروع قانون الانتخابات الجديد, والذي يتألف من112 مادة من أبرزها إنشاء المفوضية المستقلة للانتخابات والسجلات الانتخابية, وتحديد طريقة انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب, الولاة, وشروط الترشيح لعضوية المجلس الوطني, ومجلس الولايات والمجالس التشريعية, إضافة إلي ضوابط الحملة الانتخابية وتمويلها ومراكز الاقتراع وفرز الأصوات والاستفتاء, فضلا عن عقوبات الممارسات الفاسدة.. ومع وجود قانون للانتخاب تم إنشاء المفوضية القومية للانتخابات بموجب مرسوم جمهوري يقضي بتعيين رئيس وأعضاء المفوضية. وقد وضعت المفوضية الجدول الزمني المعدل للانتخابات حيث حددت من الاثنين5 أبريل2010 إلي الاثنين12 أبريل2010 أي فترة ثمانية أيام للاقتراع والفرز وإعلان النتائج. والحقيقة أنه طبقا لما تم إقراره في الدستور الانتقالي لسنة2005 وقانون الانتخابات الوطنية لسنة2008 فإن الناخبين الذين يخوض أغلبهم العملية الانتخابية للمرة الأولي سيكون عليهم ممارسة حقهم الانتخابي من خلال عدد كبير من بطاقات الاقتراع. فعلي سبيل المثال سيتعين علي الناخب في شمال السودان أن يختار المرشحين للانتخابات من خلال ثماني بطاقات انتخابية, الأولي لرئيس الجمهورية, وأخري لوالي الولاية, وثلاث بطاقات لمجلس الولاية, وثلاث بطاقات للمجلس الوطني. والأمر لن يقتصر علي ذلك ففي الجنوب سيتعين علي الناخب أن ينتخب من خلال اثنتي عشرة بطاقة انتخابية حيث تضاف أربع بطاقات انتخابية: واحدة لرئيس حكومة الجنوب وثلاث بطاقات لمجلس الجنوب. وعلي سبيل المثال سيتم انتخاب رئيس الجمهورية, أو رئيس حكومة جنوب السودان بأن يدلي ناخب بصوت واحد لأحد المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية, أو رئيس حكومة الجنوب ويفوز في الانتخابات المرشح الحاصل علي50%+ واحد أو اكثر, وفي حالة عدم إحراز أي مرشح للأصوات المقررة تقوم المفوضية بإعادة الانتخابات بين المرشحين اللذين حصلا علي أكبر عدد من الأصوات, وذلك خلال ستين يوما من تاريخ الاقتراع ويفوز المرشح الحاصل علي أعلي عدد من الأصوات. وسيتم انتخاب والي الولاية بواسطة مواطني الولاية المعنية وفقا لنصوص الدستور بأن يدلي كل ناخب بصوت واحد لصالح أحد المرشحين لمنصب الوالي, ويفوز المرشح الحاصل علي أكبر عدد من أصوات الناخبين الصحيحة. أما فيما يتعلق بالانتخابات التشريعية فتتكون الهيئة التشريعية من المجلس الوطني ومجلس الولايات, ويتكون المجلس الوطني من450 عضوا وقد جمع النظام الانتخابي بين النظام الفردي والتمثيل النسبي, حيث تخصص فيه60% من المقاعد التشريعية للدوائر الجغرافية و25% لتمثيل المرأة و15% لقوائم الأحزاب السياسية. ويتم فيها تطبيق نظام الأغلبية النسبية حيث يفوز من يحصل علي أكثر الأصوات, سواء تجاوزت50% أم لا. أما مجلس الولايات فسيتكون من ممثلين اثنين من كل ولاية, يتم انتخابهما بواسطة أعضاء المجلس التشريعي للولاية المعنية بأن يدلي كل عضو بصوتين لصالح اثنين من المرشحين لتمثيل الولاية في مجلس الولايات, ويفوز المرشحان الحاصلان علي أعلي الأصوات الصحيحة. ويتم انتخاب أعضاء المجالس التشريعية للولايات بنفس نظام انتخاب المجلس الوطني أي الجمع بين النظام الفردي والتمثيل النسبي. وتتمثل طريقة انتخاب أعضاء المجالس التشريعية لتمثيل الدوائر الجغرافية بإدلاء الناخب بصوت واحد لصالح أحد المرشحين في دائرته الجغرافية ويفوز في الانتخاب عن كل دائرة جغرافية المرشح الحاصل علي أعلي عدد من أصوات الناخبين الصحيحة في هذه الدائرة. أما طريقة التمثيل النسبي فتتمثل في إدلاء كل ناخب بصوت واحد لصالح إحدي القوائم الحزبية الواردة علي بطاقة الاقتراع الخاصة بالقوائم الحزبية التي تحتوي علي15% من مجموع مقاعد المجلس التشريعي المعني كما يدلي الناخب بصوت واحد لصالح إحدي قوائم المرأة الواردة علي بطاقة الاقتراع الخاصة بقوائم المرأة والتي تحتوي علي25% من مجموع جملة مقاعد المجلس التشريعي المعني. والحقيقة أن الدستور السوداني وقانون الانتخابات قد وضعا الأساسيات لقيام جمهورية رئاسية ونظام حكم ديمقراطي لا مركزي تدرج فيه الحكم من خلال أربعة مستويات تشمل الحكم المحلي والحكم الولائي, والحكم في الجنوب والحكم القومي. وفي كل مستوي من المستويات السابقة توجد ثلاث سلطات متقابلة, تنفيذية وتشريعية وقضائية ويجلس علي قمة الجهاز التنفيذي الوطني رئيس الجمهورية حيث يتم انتخابه بشكل قومي بمعني ضرورة الحصول علي الأغلبية المطلقة50+1 من أصوات الناخبين في جميع أنحاء السودان وبطبيعة الحال فإن هذا النظام يعتبر تطورا كبيرا علي طريق التطور الديمقراطي في السودان, ولكن لابد أن يتلازم معه الشق العملي, بمعني إجراء انتخابات حرة ونزيهة, الأمر الذي يسهل تداول السلطة في السودان إذا التزمت الحكومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والناخب السوداني بممارسة حقوقهم السياسية بشفافية ونزاهة. ولو نظرنا إلي الساحة السودانية فسنجد أن الوعي الانتخابي محصور حاليا بين الفئات المتعلمة, ومن هذا المنطلق فإن توعية المواطن السوداني بالعملية الانتخابية تعد عملية في غاية الأهمية, حتي لا يواجه المواطن السوداني البسيط صعوبة خلال الإدلاء بصوته. فالانتخابات تجربة معقدة وجديدة, ولابد من الوصول للناس, سواء من خلال أجهزة الإعلام أو المشايخ أو القادة المحليين. [email protected]