أصبح السودان يعيش فوق صفيح ساخن بعد أن تفجرت به أزمة كبيرة أول أمس عندما قررت الحركة الشعبية لتحرير السودان سحب مرشحها ياسر عرمان من انتخابات الرئاسة السودانية التي ستجري الشهر المقبل وقررت مقاطعة الانتخابات في دارفور00 وهذه الانتخابات هي أول انتخابات تعددية تجري بالسودان منذ 24 عاما والتي ستكون علي ستة مستويات: الرئاسة وممثلو المجلس الوطني (البرلمان المركزي) وحكام الولايات ورئاسة حكومة الجنوب وأعضاء البرلمان فيه. وأكد نائب رئيس الحركة إن الصراع في دارفور والمخالفات الانتخابية هما السبب في اتخاذ هذا القرار00 يأتي هذا أيضا مع التحذيرات التي أطلقتها المعارضة السودانية عندما لوح 17 حزباً سياسياً حملت اسم تحالف الإجماع الوطني بمقاطعة الانتخابات. وخلصت تحذيرات المعارضة بأن إجراء هذه الانتخابات في إبريل سيكون كارثة للسودان، وطالبت بتأجيلها إلي نوفمبر المقبل.. وتهدد معظم هذه الأحزاب بمقاطعة الانتخابات إحتجاجا علي عدم إدراج الآلاف ممن قالت إنه يحق لهم الانتخاب، وطبع بطاقات التصويت باللغة العربية فقط، بالرغم من أن الإنجليزية هي اللغة الرسمية في جنوب السودان، ومنح مطبعة حكومية تفويضا بطبع البطاقات.لكن علي الجانب الآخر يري البعض أن المعارضة مازالت ضعيفة ومشتتة بدليل عدم قدرتها علي الالتفاف حول مرشح رئاسي واحد ينافس عمر البشير مرشح حزب المؤتمر الوطني حتي وصل عدد المرشحين الي منصب الرئيس إلي 11 مرشحاً من أحزاب وقوي مختلفة كل منهم دخل الحلبة وهو يراهن علي تحقيق مكاسب حزبية وشخصية بصورة أساسية، أو يشارك كديكور من باب إثبات الوجودالأمر الذي أوحي ظاهرياً لكثير من المراقبين أن هناك منافسة انتخابية حامية.وكان الرئيس السوداني عمر حسن البشير قد هدد رفاقه في الائتلاف الحكومي من الحركة الشعبية لتحرير السودان بعدم إجراء استفتاء علي الانفصال في جنوب السودان في 2011 حال مقاطعة الحركة لانتخابات ابريل القادمة وهدد بأن الحركة الشعبية إذا رفضت إجراء الانتخابات فإنها ترفض بذلك قيام الاستفتاء علي تقرير مصير جنوب السودان00 لكن البعض يري أن مايعنيه البشير هو أنه سيفعل ذلك في حالة ماإذا تأجلت الانتخابات بسبب المقاطعة 00 أما إسماعيل الحاج موسي رئيس لجنة التشريع والشئون القانونية في مجلس الولايات السودانية فيري أن دعوة أحزاب المعارضة لمقاطعة الانتخابات تدل علي نقاط ضعفهم وعدم قدرتهم علي خوض المعركة الانتخابية 0 ولم يكن التجاوب الخارجي مع المعارضة بدرجة كافية له علاقة بمبادئ أو شعارات إنسانية، لكنه علي صلة وثيقة بسلسلة من المصالح السياسية، فرضت نفسها في ضرورة تخفيف قبضة الضغوط الخارجية في الوقت الراهن. وأهمها، الرغبة الجامحة لدي قوي دولية في استكمال الفترة الانتقالية بسلام، حتي يتسني إجراء الاستفتاء علي تقرير مصير جنوب السودان في عام 2011. بمعني أن ضمان تنفيذ اتفاق " نيفاشا " حرفياً كان عنصراً مهماً في عدم ارتفاع وتيرة الضغوط الخارجية، خصوصاً الأمريكية.. لذلك دعت الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنرويج مختلف الأطراف السودانية إلي إجراء انتخابات حرة ونزيهة في إبريل كما هو مقرر وأعربت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في بيان مشترك مع نظيريها البريطاني ديفيد مليباند والنرويجي يوناس ستور عن قلقها من التقارير التي تشير إلي وجود عوائق لوجستية وقيود علي الحريات السياسية تعترض إجراء الانتخابات السودانية المقررة في السودان 11 إبريل الحالي ودعا البيان مختلف الأطراف السودانية إلي بذل كل جهد ممكن من أجل تذليل العقبات وإقامة الانتخابات بصورة سلمية.وهذا الموقف الأمريكي الصريح يوجه ضربة قاسية لجهود دعاة تأجيل الانتخابات, كما يضعف من خيارات المعارضة ويحرمها من استخدام ورقة الضغوط الخارجية في مواجهة المؤتمر الوطني الحاكم إذا مضي قدماً في إجراء الانتخابات دون اعتبار لمطالبها. علي ضوء هذه المعطيات تتضافر مجموعة من المعالم تجعل من الانتخابات المقبلة هي أسلم طريق للسودان في الوقت الراهن. فالإلغاء وهو غير وارد يمكن أن يدخل البلاد في دوامة عنيفة. كما أن مقاطعة أحزاب المعارضة لن تغير في الأمر شيئاً لأن هناك شبكة وطيدة من المصالح نسجتها أطراف متعددة، محلية وخارجية لديها رغبة كبيرة في إتمامها بأكبر درجة من الهدوء والاستقرارللوفاء بجملة من الاستحقاقات الفاصلة التي يصعب التضحية بها. كما أن حزب المؤتمر الوطني تمكن من تثبيت أقدامه ومن يحاول اقتلاعها الآن سيواجه بعقبات مركبة أو عليه أن يتحمل ما يترتب علي ذلك من تداعيات تهدد مستقبل السودان ولننتظر الساعات والأيام القادمة وماذا ستفعل بالسودان.